آراء

د. عبدالرزاق محمد الدليمي: احتلال العراق.. قراءة بأكبر جريمة في العصر

في مثل هذه الايام من عام 2003 ارتكبت الولايات المتحدة وبريطانيا بمشاركة 34 دولة معتدية اخرى اكبر جريمة بغزوهم واحتلالهم العراق بدون ؟أية مسوغات او مبررات قانونية، وبتواطؤ رخيص وتنسيق مسبق مع نظام طهران (باعتراف نائب الرئيس الايراني).
منذ 19 عاما من عمر الاحتلال البغيض شهدت الساحة السياسية في العراق الكثير من الأفعال والأقوال ،
بدأ العدوان على العراق في 20 مارس/آذار، ونشر التحالف الامبريالي الصهيوني بقيادة الولايات المتحدة القوات النظامية والمرتزقة أكثر من 200 ألف جندي، على الرغم من عدم وجود تفويض من الأمم المتحدة وفي ظل احتجاج ملايين من الأشخاص في شتى أنحاء العالم بما فيها الدول (امريكا وبريطانيا) والتي خططت وشاركت بالعدوان،وكان الامر يعني في ذلك الوقت تدخلا سريعا في إطار حملة تهدف إلى الإطاحة بالنظام الوطني ، الذي قاد البلاد وحقق التقدم والتطور فيها منذ عام 1968، وكان التهمة الادعاء انه يملك ما وصف بأسلحة الدمار الشامل.
اليوم وبعد قرابة عقدين على الاحتلال، مالذي جناه العراق ؟….لقد اصبح بلدا متشظيا وغير مستقر سياسيا، تعصف به الصراعات الطائفية والمناطقية الذي أفضى إلى ظهور جماعات متشددة لاسيما المليشيات الموالية للاحتلال ونظام طهران، من بينها ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية،وبلغت تكلفة العمليات العسكرية عدة ترليونات من الدولارات فضلا عن ضحايا بلغت ملايين من العراقيين وعشرات آلالاف من القوات المعتدية ولجوء الملايين إلى دول أخرى، كما شهد الشرق الاوسط ومايزال اضطرابات وموجات عنف منظمة لاسيما في لبنان وسوريا واليمن وليبيا كأحد نتائج احتلال العراق.

تسويغ الاكاذيب
قبل عام من غزو التحالف بقيادة الولايات المتحدة، رُوج لدعوة للتدخل، وفي يناير/كانون الثاني 2002، ذكر الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت، جورج دبليو بوش، خلال كلمته في خطاب حالة الاتحاد السنوي، العراق بالاسم كجزء من “محور الشر” الذي يضم أيضا إيران وكوريا الشمالية،الا ان الادارة الامريكية لم تستهدف سوى العراق،حيث قال المعتوه بوش”يواصل العراق إبراز عدائه لأمريكا ويدعم الإرهاب. خطط النظام العراقي على مدار عقود لتطوير جمرة خبيثة وغاز الأعصاب وأسلحة نووية” (جورج دبليو بوش)
وبعد أسبوعين أدلى وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد بإجابة على سؤال بشأن العراق وأسلحة الدمار الشمال خلال مؤتمر صحفي ،”نعرف أين أسلحة الدمار الشامل، إنها في المنطقة حول تكريت وبغداد وشرقها وغربها وجنوبها وشمالها” (دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأمريكي، مارس/آذار 2003)وفي أبريل/نيسان أدلى رئيس الوزراء البريطاني توني بلير بكلمة أمام البرلمان تحمل انتقادات شديدة لصدام حسين أيضا.
“نظام صدام حقير، يطور أسلحة الدمار الشامل. إنه تهديد لشعبه، ولنا أيضا إذا أتيح له تطوير مثل هذه الأسلحة” (رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، أبريل/نيسان 2002)
وعلى نقيض فبركة ما حدث في حرب الخليج عام 1991، قوبل العدوان على العراق في اذار 2003بمعارضة شديدة في الولايات المتحدة وشتى أرجاء العالم. كما رفضت فرنسا وإيطاليا، المشاركة في التحالف في ذلك الوقت بعد أن كانتا قد شاركتا في الجهود العسكرية السابقة ،وأعرب وقتها الرئيس الفرنسي جاك شيراك عن معارضة شديدة للتدخل العسكري، الأمر الذي عكر صفو العلاقات بين باريس وواشنطن، وهو ما دعا إلى توجيه أوامر إلى ثلاثة مطاعم في مجلس النواب الأمريكي من أجل تغيير اسم البطاطس المقلية “الفرنسية” على قوائم الأطعمة واستخدام اسم جديدة هو بطاطس “الحرية”،”بالنسبة لنا تعد الحرب دائما دليلا على الفشل وأسوأ الحلول، لذا يجب بذل الجهود لتجنبها” (لرئيس الفرنسي جاك شيراك، يناير/كانون الثاني 2003)”إذا سمحنا بأن يحل قانون القوة محل القانون الدولي، حينئذ سيكون مبدأ حرمة سيادة الدول محل شك” (الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، آذار 2003)
كما أعرب ساسة أمريكيون عن قلقهم، من بينهم باراك أوباما، سيناتور ولاية ألينوي الذي لم يكن ذائع الصيت في ذلك الوقت ،”لا أعارض جميع الحروب، بل أعارض الحرب الغبية. حرب لا تتأسس على سبب، بل على الرغبة، لا مبدأ لها، بل تتأسس على السياسية” وفي لندن تجمع حشد تجاوز مليون شخص في مسيرة كبيرة احتجاجا على الحرب. كما أعرب واحد من الشخصيات الرئيسية في حكومة رئيس الوزراء توني بلير، زعيم الاغلبية العمالية في مجلس العموم ووزير الخارجية السابق روبين كوك، الذي قدم استقالته على خلفية هذه القضية.

الحقائق تتكشف ولكن!


في يوم 4 أيلول 2002؛ ذكرت شبكة تلفزيون (سي بي أس (CBS) الإخبارية الأميركية إنها حصلت على وثائق تظهر أن قرار غزو العراق اتخذه وزير الدفاع الأميركي آنذاك دونالد رامسفيلد بعد ساعة من وقوع هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على واشنطن ونيويورك.وأضافت الشبكة أن الوثائق تفيد بأن رامسفيلد خاطب معاونيه العسكريين قائلا: “فكروا فيما إذا كان مناسبا ضرب صدام حسين في الوقت نفسه وليس فقط أسامة بن لادن”، رغم أن كل التقارير الأميركية ألقت باللوم في تلك الهجمات على تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن.وجاءت تسريبات الشبكة في وقت نقلت فيه الإدارة الأميركية بقيادة جورج بوش الابن تركيزها من أفغانستان إلى العراق؛ وكثفت جهودها لإقناع قادة الكونغرس والرأي العام الأميركي والعالمي بخططها لغزوه، وعلى أثر تصريحات للمعتوه بوش اتهم فيها العراق بأنه “حليف لتنظيم القاعدة”، وقال إنه “ليس خيارا بالنسبة لنا ألا نفعل شيئا إزاء التهديد الخطير الذي يشكله البرنامج العراقي لإنتاج أسلحة إستراتيجية”.وفي خريف العام نفسه (2002) نشرت الحكومة البريطانية برئاسة توني بلير تقريرا يحذر من “المخاطر التي يشكلها امتلاك العراق أسلحة دمار شامل”، وذلك في محاولة لكسب تأييد الشعب البريطاني والرأي العام العالمي لصالح القيام بغزو العراق.
ورغم ذريعة أسلحة الدمار الشامل المعلنة فإن أسبابا أخرى مختلفة (سياسية واقتصادية وحتى حضارية) ظلت قيد التناول في وسائل الإعلام العالمية وأروقة السياسة الدولية، وأصبح بعضها أكثر إقناعا للمراقبين انطلاقا من سير الأحداث ومآلات العدوان وتكشف أسرار تحضيراتها ،وفي طليعة تلك الأسباب تحمس الحكومتين الأميركية والبريطانية لوضع اليد على ثروة العراق النفطية الهائلة، فقد تناولت تقارير عديدة عن التحريض الامبريالي الصهيوني على احتلال العراق من طرف مسؤولي شركات نفط أميركية كبيرة، من بينها مثلا مجموعة هاليبيرتون النفطية التي كان ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي آنذاك يتولى إدارتها حتى عام 2000 ،ونستدل على صحة ذلك بأن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) منحت هاليبيرتون -دون التقدم بعروض مناقصة- في نوفمبر/تشرين الثاني 2003، عقود مختلفة منها واحد بسبعة مليارات دولار لإعادة تأهيل البنى التحتية النفطية العراقية والتزويد بالمنتجات النفطية المكررة في العراق، والثاني لتقديم دعم لوجستي للقوات الأميركية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بقيمة 8.6 مليارات دولار.
كما أكدت وثائق سرية حكومية بريطانية وجود علاقة قوية بين شركات ومؤسسات نفطية وعملية غزو العراق، وقالت إن خططا لاستغلال الاحتياطي النفطي العراقي تمت مناقشتها بين مسؤولين حكوميين وبين كبريات الشركات النفطية العالمية، وخاصة البريطانية منها (بينها شركات “شل” و”بي بي” و”بي جي”) قبل عام من تاريخ غزو العراق ،وأفادت الوثائق بأن الحكومة قالت لهذ الشركات إن من الضروري أن يكون للشركات البريطانية النفطية حصتها من الاحتياطيات العراقية الهائلة من النفط والغاز، وذلك مكافأة للدور الذي ستقوم به لندن والمتمثل في التزامها سياسيا وعسكريا بالخطط الأميركية الساعية إلى إسقاط النظام العراقي.
وفي مطلع كانون الثاني 2003، أعلن بوش في خطاب ألقاه بقاعدة “فورت هود” بولاية تكساس وهي أهم القواعد العسكرية الأميركية،أن بلاده جاهزة ومستعدة للتحرك عسكريا “إذا رفض العراق نزع أسلحة الدمار الشامل التي يملكها”، وأضاف أن بلاده “لا تريد غزو العراق وإنما تحرير الشعب العراقي”، وأعرب عن ثقته في “تحقيق نصر حاسم لأن أميركا تمتلك أفضل جيش في العالم”.
واتهم بوش الرئيس الراحل صدام حسين بأنه يمثل تهديدا حقيقيا لأميركا وحلفائها لأنه “استخدم” أسلحة الدمار الشامل سابقا كما استخدامها ضد شعبه، واتهمه بـ”تحدي مطالب الأمم المتحدة بعدم تقديم إقرار جدير بالثقة عن برامجه للأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية لمفتشي المنظمة الدولية”، الذين استأنفوا عملهم التفتيشي في العراق أواخر تشرين الثاني 2002 ،وخلال الشهر نفسه التقى كل من بلير والرئيس الأميركي السابق جورج بوش في البيت الأبيض، حيث كتب مستشار بلير للشؤون الخارجية السير ديفد ماننيغ مذكرة تلخص ملاحظات بوش في الاجتماع، والتي تقول إنه “تم تحديد موعد بدء الحملة العسكرية بشكل مبدئي ليكون في العاشر من مارس/آذار، حيث ستبدأ عمليات القصف”.
ورغم إقرار الحكومة البريطانية -لدى صدور قرار الأمم المتحدة رقم 1441 في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2002- بضرورة استصدار قرار آخر قبل الشروع بأي عمل عسكري قانوني، فإنها اتفقت سرا مع واشنطن على المضي قدما في شن الحرب ضد العراق قبل الغزو بخمسة أشهر دون الحاجة إلى قرار أممي ثان، كما كشفت ذلك وثيقة سرية نشرت في آب 2011.
وفي السابع من آذار 2003 أبلغت الحكومة البريطانية النائب العام اللورد بيتر هنري غولد سميث بضرورة إعداد قرار بشأن مدى مشروعية شن الحرب على العراق دون الحاجة لقرار أممي جديد لإضفاء الشرعية على الغزو، وهو ما وافق عليه غولد سميث بعد أن ظل يرفضه طوال الأشهر السابقة، حسبما كشفته وثائق بريطانية سرية نشرتها حكومة ديفد كاميرون يوم 30 أبريل/نيسان 2010 بشكل استثنائي وربما غير مسبوق ،وقد انضمت لأميركا وبريطانيا نحو عشرين دولة إضافة لقوى المعارضة العراقية، كقوات البشمركة التابعة للحزبين الرئيسيين بكردستان العراق بزعامة جلال طالباني ومسعود البارزاني، والتنظيمات المقيمة بالمهجر مثل الأحزاب اللا اسلامية التابعة لإيران ، وشخصيات تعتاش في الغرب مثل العميل أحمد جلبي الذي لعب دورا كبيرا في حبك خيوط عملية الاحتلال.

عملية تدمير العراق


استمرت عمليات العدوان الذي أطلقت عليه واشنطن ولندن “عملية الحرية من أجل العراق”حتى احتلال بغداد التاسع من نيسان ، حيث واجهت فيها القوات الغازية مقاومة شديدة وشجاعة من الجيش والشعب العراقي الذين كانوا يقاتلون دون غطاء جوي، دامت مقاومة قوات الاحتلال في العراق وسادت فيها مختلف مظاهر الفوضى والدمار، وتلقت القوات الأميركية وحلفاءها خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، بسبب العمليات العسكرية البطولية لفصائل المقاومة العراقية.
وتتفاوت التقديرات للعدد الإجمالي لضحايا الغزو من العراقيين تبعا لجهة صدورها؛ فقد أفادت دراسة أعدها معهد الاستطلاعات البريطاني في صيف عام 2007 بأن عدد ضحايا الغزو من العراقيين بلغ حتى ذلك التاريخ اكثر من مليون شخص، من أصل 26 مليونا هم سكان العراق. وكان تقرير للمجلة العلمية البريطانية “ذي لانسيت” صدر في أكتوبر/تشرين الأول 2006 قدر عددهم بما لا يقل عن 655 ألف قتيل.
وأفادت صحيفة ذي ديلي تلغراف البريطانية يوم 16 مارس/آذار 2013 -في دراسة لتكاليف الغزو نشرت حصيلتها بمناسبة ذكراه العاشرة- أنه كلف الولايات المتحدة وحدها ما يزيد على 801 مليار دولار، وقالت إن الدراسة لو أضافت الفوائد المرتفعة المترتبة على الديون الأميركية بسبب الحرب فإن فاتورة الغزو قد تزيد على ثلاثة تريليونات دولار.

اكاديمي عراقي مقيم في عمان / العميد الاسبق لكلية الاعلام بجامعة بغداد

جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل بالضرورة رأي يورو تايمز

شاهد ايضا:

زر الذهاب إلى الأعلى