تحقيقات ومقابلات

فرنسا: الاحتجاجات مستمرة ومخاوف من الانجراف الاستبدادي

يواصل ملايين الفرنسيين احتجاجاتهم الرافضة لقانون التقاعد الجديد، مطلقين حملة قوية، لثني الدولة عن المضي قدماً في القانون، الذي سيرفع سن التقاعد إلى 64 عاماً بدلاً من 62. وتخلل الاحتجاجات الطويلة، صدامات بين الشرطة والمتظاهرين، أسفرت عن إصابات واعتقالات، وإدانات من مؤسسات حقوقية، رأت في سلوك الأمن، جانباً عنيفاً يدعو للقلق، ولتحذير السلطات.

واليوم السبت، اشتبكت الشرطة في غرب فرنسا مع محتجين معارضين لبناء خزان مياه كبير للري الزراعي. وتجمع آلاف المحتجين في الموقع المخطط لإقامة الخزان به في منطقة سانت سولين الريفية، حيث أسفر احتجاج مماثل في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عن وقوع إصابات. ونظم المعارضون مسيرة اليوم السبت في تحد لحظر التجمعات في سانت سولين.
وقالت حاكمة المنطقة إيمانويل دوبي، إنه من المتوقع وجود نحو ألف فرد متشدد بين المحتجين الذين يُعتقد أن عددهم لا يقل عن 6 آلاف.
وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع لصد بعض المحتجين الذين أطلقوا الألعاب النارية ومقذوفات أخرى في أثناء اجتيازهم لحقول للاقتراب من منطقة بناء الخزان المحاطة بسياج. وأظهرت لقطات تلفزيونية اشتعال النيران في مركبتين للشرطة على الأقل. 

وقال وزير الداخلية جيرالد دارمانان، إن الحكومة نشرت أكثر من 3 آلاف شرطي لمواجهة الاحتجاج، مشيراً إلى وقوع إصابات بين عناصر رجال الأمن بعد اشتباكهم مع المتظاهرين، في في منطقة سان سولين.

ودعا دارمانان القوى السياسية إلى ضرورة تأطير المظاهرات، وتجنب مزيد من العنف مع المحتجين، في ظل الإدانات المتتالية من المؤسسات الحقوقية.

وأدى أسوأ جفاف في فرنسا في الصيف الماضي إلى زيادة حدة الجدل حول الموارد المائية في أكبر قطاع زراعي في الاتحاد الأوروبي.
ويقول المؤيدون، إن الخزانات الصناعية هي وسيلة لاستخدام المياه بكفاءة عند الحاجة، بينما يجادل المعارضون بأنها كبيرة الحجم وتصب في صالح المزارع الكبيرة.

والمظاهرات الرافضة لقانون التقاعد الجديد مستمرة منذ حوالي شهرين، وفي الآونة الأخيرة ارتفع منسوب العنف، باعتراف من مستويات سياسية مختلفة في باريس.

إدانة واسعة

وقالت مفوضة حقوق الإنسان في مجلس أوروبا دنيا مياتوفيتش، “أعمال العنف المتفرقة لبعض المتظاهرين أو أفعال أخرى مدانة ارتكبها آخرون خلال تظاهرة، لا تبرر الاستخدام المفرط للقوة من قبل عناصر تابعين للدولة. هذه الأعمال لا تكفي كذلك لحرمان متظاهرين سلميين من التمتع بحرية التجمع”. 

في المقابل، اعتمدت المنظمات غير الحكومية لهجة لاذعة أكثر.
فقال رئيس رابطة حقوق الإنسان باتريك بودوان، “الانجراف الاستبدادي للدولة الفرنسية وإضفاء الطابع العنفي على العلاقات بواسطة الشرطة وأعمال العنف على أنواعها والإفلات من العقاب تشكل كلها فضيحة مدوية”.
واتهمت الرابطة السلطات بالمساس “بحق المواطنين في الاحتجاج من خلال الاستخدام غير المتناسب والخطر للقوة”.

“احتواء تعسفي”

وانتقدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” من جهتها “الاحتواء التعسفي للحشود وتكتيكات مكافحة الشغب”.
رأى وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، أن الشرطة اكتفت بالتحرك لمواجهة (المنحى المتطرف) الذي سلكه (المخربون) المنضوون في صفوف (اليسار المتطرف) الذين يندسون بين المتظاهرين لإثارة أعمال شغب.
ورأى مراسلون، أن الكثير من الشباب الملثمين يضرمون النار في حاويات نفايات ويحطمون واجهات محلات ويلقون حجارة أو مفرقعات باتجاه القوى الأمنية.
وقالت السلطات، إن نحو 1500 “مخرب” أعضاء في ما يسمى “بلاك بلوك” وهي مجموعات مخربين متطرفة، اندسوا ضمن موكب الاحتجاج في باريس الخميس. وأصيب 441 شرطياً ودركياً بجروح خلال تظاهرات الخميس في كل أرجاء فرنسا.

وأشار الوزير إلى أن 11 تحقيقاً بوشر في حق عناصر في الشرطة. وأوضح “قد يكون عناصر في الشرطة أو الدرك غالباً ما يشعرون بالانهاك، ارتكبوا على صعيد فردي ممارسات قد تتعارض مع ما تعلّموه” مشدداً في الوقت ذاته على العمل “الرائع” للقوى الأمنية “لتجنب وقوع أي قتيل”.

منذ تمرير المشروع من دون تصويت في البرلمان الأسبوع الماضي، تنتشر أشرطة مصورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تظهر عناصر من الشرطة الفرنسية يدفعون متظاهرين أو ينهالون عليهم بالضرب.
وقالت مديرة “هيومن رايتش ووتش” في فرنسا  بينيديكت جانرو، “يبدو أن السلطات الفرنسية لم تستخلص العبر ولم تراجع سياساتها وممارساتها في احتواء الحشود” منذ تظاهرات السترات الصفراء في 2018 و2019 الذي يقارن التحرك الحالي بها.

تحقيقات

وفتحت النيابة العامة في باريس ثلاثة تحقيقات على الأقل بشبهة العنف من جانب شخص بتمتع بسلطة رسمية في الفترة الأخيرة على ما أفاد مصدر مطلع على الملف.

وجاء في الشكوى، أن شرطيين اثنين ضرباها بهراوة عندما كانت على الأرض. وتتعلق شكوى أخرى بلكمة سددها شرطي إلى وجه متظاهر مساء الإثنين في باريس وصورت في شريط انتشر بكثافة عبر الإنترنت.
وتفيد تقارير لمجموعات تعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان أن الشرطة قد تكون تسببت بالحاق إصابة برجل ما اضطر الاطباء إلى بتر إحدى خصيتيه. وقال قائد شرطة باريس لوران نونيز خلال الأسبوع الحالي، إن القوى الأمنية لا تتدخل إلا عند تشكل مجموعات “بنية ارتكاب أعمال عنف”. 

زر الذهاب إلى الأعلى