آراء

عبدالله سلمان: كم انت طيب يا صديقي

( قصة قصيرة واقعية استدل بمدلوها)

اصدقاء خمس تجمعنا الكتب والنقاشات والسياسة والنكته والمرح الممزوج بالترقب من أمن السلطة وعيونها في المقهى فيقوم صديقنا المعلم عائد بتلوين الدردشة بسرد فصل من فصول سفرته الى بلغاريا وسواحلها وغنج شقراواتها وفنونها . كانت نقابة المعلمين في العراق تقيم سفرات لاعضائها اربعة عشر يوم الى دول اوروبا الشرقية في عطلة المدارس الصيفية ولصديقنا عائد كان نصيب ان يسافر الى صوفيا وفارنا مع احدى هذه السفرات . وبعد ان رجع عائد ذهبنا لزيارته وتفقد احواله ونسمع انطباعاته السياحية والسياسية وكانت جلسة ثقيلة على اهل الدار لاننا اطلنا البقاء وشعرنا انها خفيفة على عائد لانه اخذ يسترسل الموقف تلو الاخر ، وساله احدنا عما انه يبقى صديقنا ام يرى اننا لم نعد بمستواه ولا نشاطره قصص السياحة ، ودعنا بابتسامته المعهودة فذهبت مخاوفنا تلك ادراج الرياح . 

جاء موعد لقاءنا الاسبوعي المعتاد وكان القلق يراودنا ان يلتحق معنا عائد فاذا به اول الحاضرين في المقهى وفي زاويتنا المعتادة محاطا باربع كراسي حجزها لنا وكأي لقاء عراقي تبدا الجلسة بالتحايا والسؤال عن الحال ، ولصديقنا الرائع عائد هذه المرة اجابة مختلفة انه لازال يعيش اجواء سفرته و من الطعم الجميل لجلساتنا اننا نتاول ما هو فكري او اقتصادي او واقع الحال السياسي وان كان للموضوع صلة في احدى الصحف او المجلات تكون موجودة على الطاولة اضيف اليها نكهة جديدة وهي سفرة بلغاريا واصبحت سلسلة قصص عن بلغاريا نستمتع ببعضها وتثقل مسامعنا اجزاء منها لتكرارها ومضى وقت ليس بقصير نستمع لصديقنا الطيب تغنيه بالوقت الممتع الذي قضاه في سفرته ، وحين ننتقل من مقهى غرناطة الى شارع ابو نؤاس تنتقل معنا فارنا تلك المدينة الساحلية حتى بداية منتصف الليل.

لاول مرة تتعرض لحمة صداقتنا للخدش بفعل تدخل الشيطان فاخذنا غيبة صديقنا وناقشنا كيف نضع حدا لهذا المسلسل الذي حمل عنوان (سفرة الى صوفيا وفارنا) واتفقنا او تامرنا ضده وتم الاتفاق على ايقاف صاحبنا لكن ليس بالشكل الصادم ان نعطيه فرصه وكان لنا الحوار التالي معه . يا صديقنا الغالي طيب القلب سافرت اربعة عشر يوما ونريد منك ان تخبرنا كم ساعة نمت فيها ،اجاب ما بين ثمان الى سبع ساعات يوميا،واخبرناه اننا سنستمع له بقدر الساعات المتبقية وعليك ان تبداء من اول الرحلة الى نهايتها بوقتها الحقيقي لاننا وطيلة الفترة الماضية التي قاربت السنة نستمع لقلبك السعيد بالسفرة وعليك انهاء القصة بوقتها المحدد وبعدها نرجوك اغلاق الملف .

لم يتأفف او ينزعج بل امتثل لرغبتنا وحرص ان يتشبث بصداقتنا لكنه وبطيب قلب طلب منا زيارة بلغاريا.لم يكن لصديقنا غاية غير اسعادنا واضافة جو البهجة للقاءاتنا ومشاركتنا سروره 

كانت الحكاية في زمن قراءة الجريدة وسماع الراديوا واخبار التلفاز المقننة والرياضة في اسبوع وطوت سنين المنافي حكايات عديدة منها قصة صوفيا وفارنا حتى هبت رياح وسائل التواصل الاجتماعي وما تحمله من مرارة وضجيج الحكايات المملة والمقرفة في كثير من الاحيان  لتخترق جدار الذكريات لانها استفزت بنا طيبة تلك الحكايات البريئة.

 اشتقت لسماع صوت صديقي الطيب وإن اعاد لمسامعي قصة فارانا فانها اجمل مما نسمع اليوم من مسلسلات قصص اليوتيوب التي تُسرد علينا في وصف احداث ونقل اخبارلا تتناسب مع المدة الزمنية للوقائع التي عاشوا في اطراف احداثها فذاك الذي التقى مسوؤلا لساعات او عمل في مكان لبعض سنين ويروي لنا بعشرات الحلقات كانه صانع الاحداث ولولاه لم يعرف المؤرخون كيف يكتبون ويزكون هذا ومن لم ينال رضاهم جعلوا مكانه في ظلام السطور.

 يا صديقي الطيب ان حكاة اليوم ومن على منصات التواصل الاجتماعي يرمون المراراة في كل حديث وقصصهم تزيدنا سأما وجزعا . كم انت طيب يا صديقي   

زر الذهاب إلى الأعلى