آراء

د. عبدالرزاق محمد الدليمي: السوداني والشتاء البارد

ابتداءا ثبت بالوجه الشرعي ان الطبقة السياسية مصصمة على تدمير وانهاء وجود الشعب العراقي واخراجه من جنس البشر الى اجناس اخرى…في العراق يتحدث اللصوص والسراق عن الامانة والاخلاق وهم ابعد مايكونوا عنهما ويتمسكنون وهم عقارب وثعابين يدسون سمومهم في ما تبقى من دماء الشعب. ويلبسون عباءة الدين وهم ينكرونه ويكفرون به بكل افعالهم ويتحدثون عن الحلال وهم يبغضونه في سلوكهم…لقد صدعوا رؤسنا بأكاذيبهم وافتراءاتهم بأنهم سيصلحون الاحوال واليوم وصل انخفاض العملة الى 170 مقابل الدولار…اما السوداني فقد ضيع نفسه بين املاءات الطبقة السيئاسية العفنة وشروطها ومصالحها غير المشروعة وبين ان ينفذ ما مطلوب منه امريكيا وفارسيا…وهذا مابدا واضحا من جولته الى عدد من الدول والتي لن تكون نتائجها افضل من نتاج ذات المسرحيات التي سبقه في تنفيذها من سبقوه في هذا المنصب وكلها كانت جعجعة في فنجان مهشم.
عندما صادق البرلمان الهجين على محمد شياع السوداني رئيس للوزراء ، بعد عملية قيصرية لتشكيل الحكومة دامت عاما كاملا ، ورغم انه كان ينبئ باجراء تغييرات في المناصب الوزارية العليا لاسيما التي تعتبر حاسمة للعلاقات مع الولايات المتحدة ، ظهر واضحا ان احد اهم معايير توافقاته والاختيارات الوزارية الرئيسية انه عمل بحذر على موازنة العلاقات مع الجماعات الموالية لإيران والمسؤولين الأمريكيين الحذر.
بالنظر إلى النفوذ الهائل لطهران في بغداد ، ولم يكن السوداني استثناءً حيث يجب على السياسيين ان العراقيين ان يتعاملوا بالضرورة مع الشخصيات التابعة لنظام طهران ، بما في ذلك تلك المرتبطة بالكيانات التي فرضت عليها عقوبات أمريكية سيما بعد ازاحة جبل الجليد المتمثل بالجماعات المحسوبة على الصدرمن مجلس النواب الهجين، وربما كان ذلك من ابرز أساسيات تمكين السوداني ليتم تنصيبه رئيسا للوزراء.
تضمنت التعيينات لمجلس الوزراء والموظفين أفرادًا مرتبطين بوكلاء الملالي الخاضعين للعقوبات في الإعلام والتعليم. ورأس مكتبه الإعلامي ربيع نادر ، الذي عمل سابقًا في وسائل إخبارية تابعة لكتائب حزب الله وعصائب أهل الحق ، وهي منظمة إرهابية أخرى مصنفة من قبل الولايات المتحدة، تم تعيين عضو عصائب أهل الحق نعيم العبودي وزيراً للتعليم العالي والبحث العلمي.
كما فصل السوداني أو نقل اعداد كبيرة من الموظفين الرئيسيين في حكومة الكاظمي. حيث أقال رائد جوحي من منصب رئيس جهاز المخابرات الوطنية العراقية ، ثم أعلن أنه سيشرف على الجهاز بنفسه. وبالتالي يعزز نفوذ جماعات الاطار على الجهاز، كما يعمل السوداني على خلق مساحة للمليشيات والشخصيات الموالية لنظام الملالي للهيمنة على المناصب القيادية العليا ، رغم ان ذلك يعني ان هذا السيناريو قد يصعب مهمة الحفاظ على التعاون الوثيق مع الولايات المتحدة او رضاها، لأن واشنطن ستكون حذرة بشأن مشاركة المعلومات الحساسة مع هؤلاء الأفراد ، الموالين لنظام إيران ،كما يمكن أن يتأثر مستقبل العلاقات الأمنية الثنائية برمتها.
وسط هذه البيئة المقلقة ، يبدو ان الامريكان فرضوا على السوداني ومن يقف خلفة القبول بتعيين طيف سامي محمد الشكرجي (هي من الموظفين المالية القدماء قبل الاحتلال) وزيرة للمالية،حيث يرى فيها الامريكان انها موظفة مهنية في الوزارة ، منحتها الخارجية الامريكية جائزة المرأة الشجاعة الدولية من وزارة لجهودها في منع الفساد المالي في العراق أثناء عملها كنائبة للوزير، يضاف الى ذلك ان السوداني ادعى تعهده بمحاربة الفساد وهذا امر مشكوك فيه بل هو عار عن المصداقية نظرا لارتباط السوداني بذات الاطراف المسؤولة عن الفساد والتخلف الذي اسس له الاحتلال في العراق منذ نيسان 2003، يعتقد الامريكان، أن تؤدي طيف سامي دورًا في تقليل حجم الفساد؟! بالمقابل ، توقع الامريكان ان تواجه الوزيرة التهديدات المستمرة من الجهات الخبيثة المعارضة لمكافحة الفساد.
صحيح ان مجلس النواب الهجين وافق على البرنامج الوزاري المكون من تسع وعشرين صفحة بأغلبية 250 صوتا من 329 صوتا،الا ان ماجاء بهذا البرنامج من فقرات تشمل محاربة الفساد وتحسين الخدمات العامة وإصلاح الاقتصاد، سيبقى مجرد حبر على الورق وادعاءات فارغة نظرا لارتباط السوداني بالمالكي والخزعلي والعامري وهم ابرز اقطاب الفساد ولن يسمحوا بتحريك اي جهور حتى وان كانت بسيطه دعائية لمكافحة الفساد علما أن الفاسدين في إطار التنسيق لن يسمحوا للسوداني ولا لغيره بأداء دور المصلح الحريص على مصلحة العراق وشعبه ،اما العروض المسرحية التي بدأ السوداني تقديمها بعد فترة وجيزة من توليه منصبه مثل إعادة حوالي 2.5 مليار دولار من أموال الدولة المسروقة من وزارة المالية. فأنها مجرد عروض دعائية لتجميل صورة حكومته المشوهه بالفساد والعمالة غير القابلة للتغيير
ان المليشيات الصفوية الفاسدة المعادية للعراق وفي اطار محاولة تخفيف الاعباء الامنية عن حكومتهم المكلف بادارتها السوداني قد تتوقف او تقلل من أنشطتها المعادية للاحتلال الامريكي تأكيدا لسلطتها في الداخل ، ويبدو ان الاداراة الامريكية كما هو شأنها يهمها اولا واخيرا سلامة الامريكيين في العراق ولا يرد في منهجها شيئ يسمى مصلحة الشعب العراقي ، نعم هناك شهر عسل بينهم وبين الاطراف التي تقف وراء حكومة السوداني ،وهذا مايفسر لنا كيف ان السوداني لم يطالب برحيل قوات الاحتلال وكذلك صمت المليشيات العميلة التي صدعت رؤوسنا بالمقاومة الكاذبة للاحتلال بينما غاب عن كل التفاصيل مساعدة الشعب العراقي في تخطي ومعالجة معاناته المستمرة.
ان تكليف حكومة السوداني يعني اعطاء الضوء الاخضر لحكومة ممثلة للميليشيات وذهبت ادراج الرياح كل الجهود والتضحيات والاحتجاجات الجماهيرية والقمع الوحشي الذي واجهه الشعب العراقي المناهض للاحتلال وعملائه سيما العنف السياسي والخلل الوظيفي الذي يسود المشهد العراقي المأزوم منذ نيسان 2003 ، كما ان الحكومة الحالية ببساطة زادت من مساحة استيلاء الاحزاب السياسية الطائفية على السلطة بشكل كامل ، واصبحت أكثر خضوعا لشهوات نظام ملالي طهران ومصالحة وجشعه، في غياب جهات عراقية وطنية فاعلة متوازنة منظمة .
نعم رحبت إدارة بايدن بحكومةالسوداني ، وخلصت إلى أن أفضل مسار في الوقت الحالي هو بدء العلاقة بشكل ودي،وان الامريكين يتطلعون إلى العمل معه ومع حكومته على نطاق المصالح المشتركة وهو شعور رددته السفيرة ألينا رومانوفسكي. قد يرد السوداني وداعموه بالمثل في البداية ، ولو فقط لأنهم يعتقدون أن العلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة يمكن أن تكون محفوفة بالمخاطر في البيئة الحالية من التحديات الداخلية والإقليمية القوية. ومع ذلك ، يكمن الخطر الاستراتيجي هنا – إذا كانت واشنطن ببساطة تقف مكتوفة الأيدي خلال هذه الهدوء التكتيكي المفترض في الإجراءات والخطاب المناهض للولايات المتحدة ، فقد يمنح ذلك قادة الميليشيات الذين تحولوا بقدرة قادرإلى سياسيين وقتًا كافيًا لإعادة مد جذورهم الفاسدة إلى المؤسسات الأساسية للدولة العراقية.
رغم توقعاتنا ان الشهرين القادمين سيشهدان عودة الاحتجاجات لثوار تشرين وجماعة الصدر
الا ان ثمة اسئلة تبحث عن اجابات: اين الشعب العراقي الحقيقي صاحب الثورات العظيمة ؟اين منظماته السياسية الوطنية ؟ اين ذهب حراكه السياسي الواع ؟اين اختفت احزابه الوطنية المناضلة العريقة ؟اين وعيه؟لماذا لايدافع عن مصالحة؟لماذا ولماذا ولماذا؟؟؟؟ وهل اصبح العراقيين مثل الدجاجة التي رغم قساوة من هلس ريشها الا انها بقت مع شدة ألمها تركض خلفه لانه رمى اليها فتات من الاكل..انه شيئ محزن ياعراق.

جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز

زر الذهاب إلى الأعلى