تحقيقات ومقابلات

غضب فرنسي من الجزائر إثر طبع ورقة نقدية باللغة الإنجليزية

أثارت ورقة نقدية جديدة طرحتها الحكومة الجزائرية للتداول، عشية الاحتفال بمرور 68 سنة على حرب التحرير (فاتح نوفمبر (تشرين الثاني) 1954)، وانعقاد القمة العربية، جدلاً في قطاع من الأوساط الإعلامية، وغضباً في صفوف بعض السياسيين، وذلك بسبب كتابة قيمتها باللغة الإنجليزية مع العربية. علماً بأن الجزائر أطلقت في السنة الدراسية الجديدة إجراءات لتدريس الإنجليزية في الطور الابتدائي بدلاً من الفرنسية، ووضع المسعى في إطار «الخصومة» مع باريس حول «ملف الذاكرة».

وأعلن بنك الجزائر المركزي على حسابه بـ«تويتر» أن إصدار ورقة ألفي دينار «يأتي تخليداً لانعقاد الدورة العادية الحادية والثلاثين لمجلس جامعة الدول العربية بالجزائر، وإحياءً للذكرى الستين لاستقلال الجزائر عن فرنسا». لكن بمجرد طرح النقود الجديدة في السوق، اندلع جدل واسع في فرنسا، إذ تلقفها مرشح اليسار الراديكالي للرئاسة السابق، ورئيس حزب «فرنسا الأبية»، جان لوك ملونشون، لانتقاد سياسة الحكومة الفرنسية تجاه الجزائر. وقال متحسراً: «هذه ورقة نقدية جزائرية. اللغة المشتركة لم تعد قائمة. يا له من حزن. لقد فشل ماكرون وبورن في كل شيء»، في إشارة ضمناً إلى خطوات قام بها الرئيس إيمانويل ماكرون، والوزيرة الأولى إليزابيث بورن لتحسين العلاقة مع الجزائر، والتي تجسدت خلال زيارتيهما للجزائر في أغسطس (آب) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين.

ويضفي تصريح ملونشون لبساً حول الورقة النقدية الجديدة، لأنه يترك انطباعاً بأن النقود الجزائرية كانت تكتب أصلاً باللغة الفرنسية إلى جانب العربية. لكن الواقع أنها تصدر حصرياً باللغة العربية باعتبارها اللغة الرسمية للدولة. واللافت أنه لأول مرة تطبع فيها السلطات المصرفية للبلاد ورقة مالية عليها لغة ثانية.

من جهته، كتب الصحافي الفرنسي المهتم بقضايا الشرق الأوسط، جورج مالبرونو أن «الجزائر وبعد أسابيع قليلة من زيارة إليزابيث بورن، أصبحت الأوراق النقدية الجديدة باللغة الإنجليزية».

وأكد مسؤول بمصرف عمومي، رفض نشر اسمه، أن البنك المركزي الجزائري أصدر تعليمات باعتماد الإنجليزية في التعامل مع الشركاء الأجانب، بمن فيهم الفرنسيون، ولفت إلى «وجود إرادة سياسية قوية للمضي في هذا الاتجاه»، مبرزاً أن الحكومة تعهدت بتوفير الإمكانيات المادية لذلك. لكن بعض المسؤولين في الجزائر، وخصوصاً الذين خاضوا حرب الاستقلال، يبدون حساسية من نظرة جزء من الطبقة السياسية في باريس لبلادهم على أنها «محمية فرنسية». غير أن هذا الموقف لا ينفي تشبع كثير من الساسة الجزائريين بالثقافة الفرنسية، ويظهر ذلك في تفضيلهم التعامل مع فرنسا اقتصادياً وتجارياً، قياساً إلى قوى اقتصادية أخرى كالصين وتركيا.

وبدأت وزارة التعليم الجزائرية بمناسبة الموسم الدراسي الجديد في سبتمبر (أيلول) الماضي، تدريس اللغة الإنجليزية في الأطوار التعليمية الأولى، تمهيداً لإزاحة الفرنسية التي تعد لغة الإدارة والشركات والأجهزة الحكومية، منذ استقلال البلاد عام 1962. وفي سنة 2021 جربت هيئات حكومية تعريب كل مراسلاتها ووثائقها الداخلية، ومنعت على أطرها التعامل بلغة أخرى غير العربية، وحددت فاتح نوفمبر من نفس العام أجلاً لبدء تنفيذ القرار. وقد ابتهج التيار العروبي في البلاد لهذه المساعي، التي عدت بمثابة رد على فرنسا التي أنكر رئيسها، يومها، في تصريحات إعلامية وجود أمة جزائرية قبل الغزو الفرنسي عام 1830. ومثل هذه التوجه، «جمعية العلماء المسلمين الجزائريين»، وبعض الصحف، على رأسها جريدة «الشروق».

غير أن عدداً من المختصين في بيداغوجيا التدريس وعلوم اللسانيات طرحوا أسئلة كثيرة، حول مدى استعداد سلطات البلاد، من الناحيتين العلمية واللوجيستية، لاعتماد الإنجليزية كلغة ثانية بديلة للفرنسية، حتى لا يوصف المسعى بأنه «شعبوي»، الهدف من ورائه جني مكاسب سياسية. وبهذا الخصوص قال عبد الرحمن عاشوري، أستاذ اللغة الإنجليزية بجامعة الجزائر لـ«الشرق الأوسط»: «لا أتصور أن تأخذ الإنجليزية مكانة كبيرة في منظومة التعليم، لمجرد أن يصرح المسؤولون بأنهم يريدون ذلك، لأن الأمر يحتاج إلى تخطيط، وتكوين أساتذة بهذه اللغة لتدريسها في شعبة الابتدائي، وإلى توضيح ما هي المناهج الأصلح لمجتمعنا، وأي نماذج وتجارب في العالم يمكننا الاستلهام منها: بريطانيا أم الولايات المتحدة أم كندا أم أستراليا؟ أم جزئيات من كل تجربة؟ كما يحتاج ذلك إلى بحث ودراسة تخص تدريس الإنجليزية في بلدان تشبه الجزائر، ثقافة وتقاليد، في أفريقيا والبلدان العربية».

أما أحمد تيسا، وهو أشهر المتخصصين في البيداغوجيا ومناهج التعليم، فقال بخصوص هذه الإشكالية إن الحكومة «مدعوة لتحسين التدريس باللغتين العربية والفرنسية، قبل التفكير في إضافة لغة ثالثة». ورأى أن السلطة «تسرعت في نشر سياسة التعريب بعد الاستقلال، لأن حال البلاد لم يكن يسمح بذلك. وقد سطر مفجرو ثورة التحرير، الذين تسلموا الحكم بعد انسحاب فرنسا، هذه السياسة من منطلق آيديولوجي وسياسي محض».

وفي مقابلة أجرتها «الشرق الأوسط» مع رئيس «المجلس الأعلى للغة العربية»، صالح بلعيد، نشرت في 22 أبريل (نيسان) الماضي، أكد أن البلاد «تشهد حالياً وعياً يتمثل في إعطاء اللغة العربية القيمة العليا الجديرة بها». وأكد أن الجزائر «تعاني ضعفاً كبيراً في التخطيط اللغوي»، مبرزاً أن رئيس البلاد «أظهر نوايا حسنة تجاه العربية، تجلت في استعماله الشخصي لها حتى أمام الصحافة الأجنبية. كما أولى الذاكرة الوطنية أهمية كبيرة، بما تحمله من رمزية للدين واللغة. ونلاحظ حالياً إمداده بكل الوسائل الممكنة لحسن استعمال العربية، وذلك بواسطة المؤسسات، التي يرعاها شخصياً مثل المجلس الأعلى للغة العربية».

aawsat

زر الذهاب إلى الأعلى