بداً لابد من تعريف مفهوم السياسة ، فالسياسة كلمة مأخوذة من فعل ساس و يسوس ، و تعرف اصطلاحاً بأنّها تقوم على توزيع النفوذ و القوة ضمن حدود دولة ما ، و رعاية شؤون الدولة الخارجية و الداخلية ، و قد عرّفها الليبراليون بأنّها ( تقسيم الموارد في المجتمع عن طريق السلطة ) . كما عرّفها الشيوعيون بأنها ( دراسة العلاقات بين الطبقات ) ، أما الواقعيون فقد عرفوها بأنّها ( فن الممكن أي دراسة و تغيير الواقع السياسي موضوعيّاً و ليس الخطأ الشائع بأنه فن الخضوع للواقع السياسي و عدم تغييره بناءً على حسابات القوة و المصلحة ) ..
اما التحليل السياسي فانه يعني البحث عن جوهر المشاكل السياسية التي يعاني منها ابناء الشعب ، و تشخيص الأسباب التي ادت الى نشوئها و نموها ، و تقدير العواقب التي يمكن أن تحدث في ظل عدم وجود قدرة على معالجتها بواقعية ، على ان يكون التحليل مصحوباً بطرح الحلول المنطقية القابلة للتنفيذ الفعلي ، للمساعدة في السيطرة على المشكلة و تحجيمها ، بدلاً من اتساع حجم تأثيرها بشكل عام .. بمعنى ادق تشخيص الداء الى جانب وصف الدواء الشافي ، للتعافي من الحالة ..
غالباً ما نجد ان التحليل السياسي يتسم بالانحياز الى جهة معينة ، تبعاً لخلفية المحلل ، سياسياً ، دينياً ، مذهبياً و قومياً ، و للوقوف بدقة على مقومات التحليل الناجح لابد من اعتماد عملية الرصد و التشخيص ، و تقبل مبدء اعتماد البديل ، وصولاً الى تقيم النتائج المتوقعة .. فعادةً ما تكون الحلول لمعالجة المشاكل مقرونة بصياغة البدائل التي يرتأها المحلل بالاعتماد على الرصد المركزي ، لذا فان آلية الرصد تؤثر على نجاح جميع المراحل اللاحقة لتحليل السياسات ، بما فيها مرحلة تقيبم مهنية لجهة القرار التنفيذي ، كونها المسؤولة عن اتخاذ القرار النهائي ، باعتبار ان هذه السياسة تتحكم بها جهة ما ، و ان فرز البدائل يمكننا من معرفة ما هو صحيح .. ويتم تحديد بديل مقبول من الناحية العامة ، و توفير حل لهذه المشكلة التي يعاني منها الاغلبية ..
لهذا يجب مراعاة الأهداف و الغايات التي دعت الى اختيار البديل ، مع الأخذ بنظر الاعتبار أثر اختيار البديل بحيث لا يؤدي إلى آثار سلبية على الواقع الميداني عندما تحين مرحلة التقييم ، كونها المرحلة الأخيرة في عملية وضع السياسات و وضعها في عملية دورية ، باعتبارها دراسة أولية لهذه المشكلة التي يمكن أن تؤدي إلى تصميم سياسة جديدة ، أو تغييرات على قائمة واحدة .. فتقييم الأداء هو العامل الاساسي للمتغيرات التي تحدث في السياسة العامة ، كما انه تحديد لوجود سياسة تقيم الآثار المترتبة على تدخل القوى النافذة في مجالات الحياة كافة ، الاجتماعية و المادية ، كما ان التقييم يقدم معلومات عن أداء السلطة في السياسة العامة ، و مدى تفهما لأحتياجات الشعب ..
خلاصة القول .. ان الأنتفاضة الشعبية و التظاهرات الجماهيرية مؤشرات لتقيم أداء السلطة ، بعد الفشل الذريع الذي منيت به خلال عقدين من الزمن ، كما انها تعبير حقيقي عن الرغبة الشعبية في رسم متغيرات السياسة العامة للمرحلة القادمة ، من خلال البحث عن البدائل التي تستطيع انقاذ ما بمكن انقاذه ، و تدارك الموقف قبل فوات الأوان ..
السؤال الذي يتبادر الى الاذهان :
هل المثالية موجودة فعلاً في العمل السياسي ، و كيف يمكن الوصول اليها ؟
جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز
