آراء

نيويورك تايمز: فرنسا تفاضل بين الخوف والغضب

يعتقد كبير المستشارين في “معهد مونتَاي” الفرنسي دومينيك مويزي أن مستقبل الديموقراطية في أوروبا يتقرر على جبهات القتال الأوكرانية، وفي صناديق الاقتراع الفرنسية.

وكتب في صحيفة “نيويورك تايمز” أن الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي تنظمها فرنسا في 24 أبريل (نيسان) الجاري، هي نقطة التحول الأكثر تأثيراً في الأعوام الأربعين الماضية.

قد تؤدي هذه الانتخابات إلى حقبة سياسية واجتماعية جديدة بالكامل يمكن أن تكسب فيها الديموقراطية غير الليبيرالية مجسدة في مارين لوبان اليد العليا في واحدة من الدول المؤسسة للاتحاد الأوروبي.

وبصرف النظر عن الفائز، ستواجه البلاد شللاً عميقاً لأنه لم يتضح إذا كان أي من المرشحين قادراً على الفوز بالغالبية في الانتخابات التشريعية في وقت لاحق من العام الجاري.

تبدل العواطف
لفت مويزي إلى أن انتخابات 2017 تمحورت حول أمل إصلاح فرنسا، وبقائها ديموقراطية ليبيرالية. لكن انتخابات 2022 كانت تنافساً شديداً بين عاطفتين، الغضب من ماكرون الذي عُد تكنوقراطياً بعيداً عن الناس، والخوف من مارين لوبان التي لا يزال ينظر إليها كثيرون مرشحةً خطيرةً لليمين المتطرف. وفي الحالتين، سيصوت معظم الناخبين ضد مرشح، عوض التصويت لصالح أي منهما.

ما لم يتضح بعد هو إذا كانت لوبان ستستفيد بالكامل من غضب الناخبين على ماكرون بسبب بعده المفترض عن الناس وقربه من الشريحة الأثرى في المجتمع الفرنسي، فضلاً عن الملامح العامة لسياساته.

إن تركيزه على رفع سن التقاعد من 62 إلى 65 عاماً، حتى ولو بدأ يتراجع عن وعده ويتحدث عن  64 عاماً وأنه عمر معقول، أثار استياء الناخبين.

الجولة الثانية
في مسعاها لجذب الأصوات الوسطية، بدت لوبان شبه معتدلة أحياناً خاصةً عند مقارنتها مع منافسها الأكثر تطرفاً إريك زيمور، وكانت تظهر على وسائل التواصل الاجتماعي لتتحدث عن حبها للقطط.

نجح ذلك مع لوبان في الجولة الأولى. لكن لكسب ما يكفي من الأصوات لتصبح رئيسة فرنسا، سيتيعن عليها على الأرجح حشد الأصوات المتطرفة في حزبها، والعودة بشكل جزئي إلى تبني الآراء المتشددة.

قد لا يكون الأمر صعباً إلى هذا الحد حسب مويزي. خلف خطابها المطمئن، لا تزال سياساتها الأكثر تطرفاً ثابتة.

لقد وعدت بمنع ارتداء الحجاب في الأماكن العامة في إشارة إلى كراهية علنية طويلة الأمد للإسلام. وتحدثت مطولاً عن الحد من الهجرة، وقالت إنها ستعطي الأولوية للفرنسيين بالولادة للاستفادة من الرعاية الاجتماعية عوض المهاجرين.

معضلة ماكرون
بمحاولتها جذب اليمين المتطرف، تخاطر لوبان بالفشل في كسب الناخبين الفرنسيين من الوسط، الذين يرجح أن يصوتوا لماكرون أو أن يمتنعوا عن التصويت عوض انتخابها.

أما معضلة ماكرون فهي على النقيض تماماً، فهو يحتاج للفوز، إلى دعم أقصى اليسار أي ناخبي جان لوك ميلانشون الذي حل ثالثاً بفارق ضئيل عن لوبان.

سيكون صعباً على ماكرون تحقيق ذلك دون إضعاف برنامجه الاقتصادي ما قد يؤدي إلى خسارته أعداداً كبيرة من أصوات اليمين.

الخيارات المتطرفة
ما يُعقد الأمور أكثر حسب الكاتب، أن التنافس في الانتخابات المقبلة قد يكون الأشد منذ انتصار الرئيس الفرنسي الاشتراكي فرانسوا ميتران، الذي قضى أطول مدة في منصبه، على منافسه المحافظ فاليري جيسكار ديستان في 1981.

لكن الفوز في ذلك العام شكل انتصار الأمل الذي أوصل الاشتراكيين إلى السلطة والذي كان سابقا احتمالاً ضئيلاً. لو فازت لوبان في 24 أبريل (نيسان) فسيكون ذلك انتصارا للغضب، ولكن نتيجة مماثلة غير مستحيلة.

أصوات اليمين واليسار المتطرفين أكثر من 50% حالياً. يشير تصاعد هذا التطرف إلى أن فرنسياً من أصل اثنين لم يعد يؤمن بالديموقراطية الليبيرالية الكلاسيكية في فرنسا، أو بمستقبل المشروع الأوروبي الذي شكلت فرنسا جزءاً لا يتجزأ منه.

وفي نهاية المطاف، لطالما أعربت لوبان عن ازدرائها للاتحاد الأوروبي واقترحت في الاانتخابات السابقة الانسحاب من العملة الموحدة ولا تزال تأمل في مغادرة فرنسا لحلف شمال الأطلسي.

أوكرانيا تدعم ماكرون؟
هنالك أيضاً الحرب في أوكرانيا حسب مويزي. في البداية، صبت آفاق الحرب في صالح الرئيس الحالي حيث أعطته جهوده الديبلوماسية وقمته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ميزة مبكرة بين الناخبين.

بعدها، وجد نفسه في مواجهة الآثار الاقتصادية للنزاع بما فيها الارتفاع الحاد لكلفة المعيشة، الموضوع نفسه الذي اختارته لوبان قضية أساسية في حملتها.

لكن لم يتضح إذا كانت الحرب القريبة من فرنسا ستؤذي لوبان رغم أنها شجبت الاجتياح، خاصةً أنها تمتعت بعلاقات وثيقة مع روسيا في الماضي وحصل حزبها على قروض من بنك روسي.

وفي نهاية المطاف، فإن جميع السياسات محلية كما يقال. ولن يصوت معظم الفرنسيين لأوكرانيا، وقد لا يأبهون إلى هذا الحد بمستقبل أوروبا.

لكن حظوظ ماكرون متوقفة على السياسات الأوروبية ويكمن التحدي أمامه في تحفيز الناخبين ليهتموا به وبالقارة بما يكفي.

من المرجح أن يحاول ماكرون إقناع المزيد من الناخبين الفرنسيين بأن انتصار لوبان، انتصار لبوتين وأن الديموقراطية وأوكرانيا ستعانيان إذا وصلت للإليزيه. 

على المحك
بعيداً من الغضب، يرى المراقبون أيضاً خيبة أمل كبرى من السياسة، فأكثر من 26% من الناخبين امتنعوا عن التصويت في الجولة الأولى من التصويت، أدنى نسبة إقبال منذ 2002.

وفي 2017، بعد خروج بريكست من بريطانيا وانتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، بدا انتخاب ماكرون واحة أمل وسط اليأس الأنجلوساكسوني. اليوم، يبقى الغرب محقاً في البقاء قلقاً من المستقبل السياسي الفرنسي.

قبل نحو أسبوعين من الجولة الانتخابية الثانية، يبقى انتخاب يمينية متطرفة رئيسة لفرنسا أمراً محتملاً لكن غير مرجح.

ويشدد عليه مويزي في ختام مقاله على أن مستقبل الديموقراطية في فرنسا وأوروبا، هو المحك، ولا شيء أقل من ذلك.

24

زر الذهاب إلى الأعلى