مقالات رئيس التحرير

د. علي الجابري : الكاظمي “ثائراً”.. الكاظمي ميليشياوياً !!

 

بعد أستقالة رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي على وقع ثورة تشرين الشبابية، طرحت الاحزاب الحاكمة العديد من البدائل، كان في مقدمتهم مصطفى الكاظمي، لكن بعض الاحزاب الشيعية كانت تعترض عليه لأسباب تتعلق بقربه من الولايات المتحدة الامريكية – كما تدعي- بينما كان ساحات التظاهرات اعلنت رفضها المطلق له ولغيره من الاسماء التي طرحتها أحزاب السلطة.

وبعد اغتيال الولايات المتحدة لقاسم سليماني وابو مهدي المهندس، سارعت الميليشيات الموالية لإيران الى اتهام الكاظمي "بالتواطؤ" أو "المشاركة" في اغتيال (قادة النصر)!! لتكون إمتداداً لاتهامات سابقة أطلقها زعيم ميليشيا العصائب قيس الخزعلي، بأن الكاظمي جزء من ما أسماها "مؤامرة" امريكية تدعم التظاهرات لتغيير النظام الذي أسسته ودعمته امريكا نفسها؟!

فما هي حقيقة الكاظمي وهل جاء لرئاسة الوزراء بإرادة امريكية؟ أم العكس؟

 

لنعد الى الوراء قليلا ، قبل سنوات، عندما فاجأ رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي العراقيين، بتعيين رجل مغمور لرئاسة جهاز المخابرات، لم يُعرف عنه سوى انه كاتب مغمور، كان يعمل مع بعض رموز المعارضة آنذاك ويتقرب منهم ليجد موطئ قدم له في هذا الحزب أو ذاك، وانتقل من مدينة غوتنبرغ السويدية التي يعيش فيها الى لندن ليكون قريباً من قيادة "المعارضة" العراقية آنذاك.

وقتها طرحت تساؤلات كثيرة عن مغزى تعيين كاتب مغمور رئيساً لجهاز المخابرات العراقية، وفي الحقيقة فإن تعيين الكاظمي وقتها لا يختلف كثيراً عن تعيين كبار المسؤولين العراقيين الذي لا يقوم على الكفاءة وانما على الحزبية والمحسوبية والقرب من صاحب القرار!!

عندما قرر العبادي تعيين الكاظمي رئيساً للمخابرات، لم تعترض الاحزاب الشيعية الحاكمة، ولا ميليشياتها، ولم يُتهم بإنه "أمريكي الهوى" ، وانما كان مقرباً من قيادات حزب الدعوة والاحزاب الشيعية الاخرى؟ فمتى تحول ولاء الكاظمي ؟

ومنذ تولي الكاظمي لجهاز المخابرات لم يكن له أي موقف بالضد من التدخل الايراني في العراق، ولم يكن ينطق بكلمة ضد تسلط قاسم سليماني على السياسيين العراقيين ودخوله وخروجه الى العراق بطرق غير قانونية، ولم يجرؤ على كشف ملف نقل الاسلحة من مطار بغداد الى دمشق بإشراف سليماني، ولم يتمكن من كشف نقل الملايين من الدولارات الى ايران بشكل علني!!

ويقيناً فإن من يرأس جهاز المخابرات العراقي، فإنه يملك ملفاتٍ يشيب لها الولدان عن جرائم النظام الايراني في العراق؟ فلماذا صمت عنها الكاظمي اذا كان أمريكي الهوى؟ أو عميلاً لها؟

إن الكاظمي لم يكن ليصبح رئيساً للوزراء لولا مباركة إيران وثقتها المطلقة انه لن يكون حجر عثرة لمشروعها في العراق، إن لم يكن أداة لإعادة تثبيت وجودها في البلاد، التي خرج شبابها في ثورة رافضة لوجودها واحرقوا صور مرشدها وعلمها.

 

وقد يسأل سائل: لماذا إختارت إيران الكاظمي دون غيره؟ ولماذا يتهمه أتباعها بالولاء لأمريكا؟ 

وهنا أشير ان ايران جربت من خلال الاحزاب الموالية لها طرح الكثير من الاسماء الموالية لها ، الا انهم قوبلوا برفض كبير من الساحات، فضلا عن اختلاف الاحزاب الشيعية فيما بينها حول من يملك النفوذ ويقدم المرشح لهذا المنصب!! 

لذلك وجدت من خلال طرح إسم الكاظمي حلاً مناسباً لها، في محاولة لإسكات أصوات الثوار كونه غير منتم علنياً لاي حزب – رغم توجهاته المعروفة- فسوف تضطر الساحات للقبول به، وبالتالي إخماد الثورة التي تزعج النظام الايراني أكثر مما تزعج احزاب السلطة؟!

وتهدف ايران من تمرير الكاظمي الى الابقاء على خط للتواصل مع الولايات المتحدة، من خلال علاقته التي بناها طيلة فترة عمله في جهاز المخابرات، وبالتالي فإن الكاظمي هو خيار ايراني مناسب أكثر من الاسماء المعروفة الموالية علنياً لإيران، لان أولئك سترفضهم ساحات الثورة، وتعمل الولايات المتحدة على أفشالهم!!

وبالتالي فإن ايران تنظر الى مصلحتها العليا، ولا تعير أهمية لمصالح عملائها في العراق، لانهم "أمر ثانوي"، طالما انها تملك كل اوراق اللعبة في العراق، وهذا هو سر دعم ايران لجميع الاحزاب الشيعية التي تتصارع على النفوذ فيما بينها، ولسان حال الايرانيين يردد ما خاطب به هارون الرشيد سحابة في السماء "أمطري حيث شئتِ، فإن خراجك لي"؟!

ان الكاظمي الذي يحاول ان يكون "ثائراً" ينتصر لثوار تشرين ويقف بوجه الظلم والفساد، لا يمكن أن يكون في الحقيقة أكثر من ميليشياوي موالٍ لنفوذ إيران، وسوف يعمل على تعزيز نفوذها وإستعادة أتباعها السلطة والنفوذ الذي أهتز بعد ثورة تشرين، وأي خروج عن السكة الايرانية سيجد الكاظمي نفسه خارج اللعبة تماماً.. والمعروف عن الكاظمي انه يجيد اللعب على الحبال بين القوى المتنافسة ويعمل على إرضائها لينال رضاها.!!

وكل من يأمل ان يحول الكاظمي الى "ثائرٍ" ضد احزاب السلطة وميليشياتها وفسادها، عليه ان يصحو من أحلام اليقظة قبل ان يكتشف انها ليست سوى "كوابيس" و"أضغاث أحلام"!!

 

 

 

رئيس تحرير صحيفة "يورو تايمز" / السويد

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى