آراء

جاسم محمد : برلين تحت تهديد الصواريخ الروسية المتوسطة المدى

وصف الرئيس الأمريكي، ترامب يوم 11 نوفمبر 2018 تعليق نظيره الفرنسي بشأن الحاجة إلى إنشاء جيش أوروبي موحد، "بالمهين للغاية". 

وكان الرئيس ماكرون  قد اقترح  أن تقوم أوروبا ببناء جيشها الخاص من أجل حماية نفسها من الولايات المتحدة والصين وروسيا ، وذكر الرئيس الفرنسي الولايات المتحدة إلى جانب الصين وروسيا كمصدرخطر على أوروبا.

ويقول الأمين العام للناتو، ستولتنبرغ ، في مقابلة له مع  DW الدوتش فيللة الالمانية يوم 12 نوفمبر 2018، بإن الجيش الأوروبي كما اقترحه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يمكن أن يعزز القدرات الدفاعية الأوروبية ، لكن يجب أن يكون مكملا الى " الناتو".  وانتقد ستولتنبرغ روسيا مرة أخرى لانتهاكها  معاهدة الأسلحة النووية لعام 1987 ، بقوله: "هذا النظام يعرض معاهدة الأسلحة النووية للخطر ،والصواريخ الروسية الجديدة متحركة ، يصعب اكتشافها ، قادرة على حمل السلاح النووي".

واستبعد ستولتنبرغ أن يؤدي إلغاء الولايات المتحدة لمعاهدة (INF ) إلى سباق تسلح نووي جديد في أوروبا وقال: "الناتو ليس لديه النية في نصب صواريخ نووية جديدة في أوروبا".

معاهدة الأسلحة النووية" INF "

تم توقيع معاهدة القوى النووية متوسطة المدى (معاهدة الحد من الأسلحة النووية) في عام 1987 كإتفاقية الحد من الأسلحة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي آنذاك. ودخلت حيز التنفيذ في عام 1988 لتنهي خدمة الصواريخ النووية والتقليدية ، و قاذفاتها ، نطاق يتراوح بين 500 و 1000 كيلومتر (310 إلى 620 ميل) و 1000 إلى 5500 كيلومتر) لكن الاتفاقية لم تغطي الصواريخ التي تطلقها من البحر. 

لكن روسيا تبرر ذلك بالقول:  ان صواريخ (اس.سي.اس -8) لها نطاق يقل عن 500 كيلومتر (310 ميل)  مما يجعلها مسموحا بها بموجب المعاهدة وان برلين تبعد اكثر من 1000 كيلومتر عن الاراضي الروسية الرئيسية. ويقول ستولتنبرغ: نحن جميعا سوف نعاني من العواقب الرهيبة إذا كان أي شيء يذهب الخطأ "في المواجهة النووية بين الولايات المتحدة وروسيا.

وفي هذا السياق، اجتمع وزراء دفاع  عشر دول أوروبية في باريس عام 2017 لوضع أجندة مبادرة التدخل الأوروبية (EI2) ، وهي ائتلاف دفاعي برئاسة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.   وتعلق كلوديا ميجور ، كبيرة مسئولي الأمن الدولي في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية ومقره برلين ، لـ، DW بالقول، أن المسؤولين الألمان يشعرون بالقلق لأن "تنظيمها بشكل واضح ومتعمد خارج هياكل الاتحاد الأوروبي".

وقالت ميركل في خطابها يوم امس 13 نوفمبر 2018 "علينا وضع رؤية تتيح لنا أن نصل يوما ما إلى إنشاء جيش أوروبي حقيقي". وأكدت ميركل في كلمتها في ستراسبورغ أن القوات الأوروبية المشتركة "ليست جيشا ضد الناتو". وقالت إن نظام الأسلحة والمعايير المشتركة في التدريب ستسمح للاتحاد الأوروبي بالظهور بشكل أقوى داخل التحالف العسكري".

النتائج

يُعتقد أن الناتو ليس لديه نية لإنشاء صواريخ نووية جديدة في أوروبا ، لذا من المتوقع أن تعمل الدول الأوروبية بجدية لتعزيز تحالفاتها الدفاعية الجديدة، وهي : المملكة المتحدة ، ألمانيا ، بلجيكا ، الدنمارك ، إستونيا ، هولندا) وأسبانيا والبرتغال) – وفقا لاجتماع باريس في 25 يونيو ، 2018. و يبدو أن فرنسا هي التي ستتولى قيادة التحالف الأوروبي. ويشمل التحالف الأوروبي الجديد التخطيط وتحليل الأزمات العسكرية والإنسانية الجديدة ، والأنشطة المشتركة المحتملة لمواجهة حالات الطوارئ.

والاكثر من ذلك، فإن فرنسا ستتجاوز الاتحاد الأوروبي وأعضاء الناتو  بضم على سبيل المثال فنلندا وبريطانيا ، التي من المقرر أن تغادر الاتحاد الأوروبي عام 2019. ولكن من وجهة نظر الخبراء العسكريين ، لن يكون التكامل الدفاعي للاتحاد الأوروبي سهلاً ، كما يتضح من التعاون الدائم (PESCO) الذي تم توقيعه في عام 2017.

لا شك في أن أي اتحاد عسكري مستقل من قبل أوروبا سيضعف حلف الناتو ويقلل من اعتماد أوروبا على الولايات المتحدة، من وجهة النظر هذه ، ستستفيد أوروبا لأن مصالحها غالباً ما تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة.بسبب اختلاف أولويات أو مصالح الولايات المتحدة مع دول أوروبا في العديد من القضايا ، على سبيل المثال ، تجد أوروبا نفسها مجبرة على دعم الولايات المتحدة في أفغانستان أو العراق رغم انها لا تمثل أي مصلحة أوروبية منظورة.

إن توسع الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو نتج عنه مزيد من الأخطاء والثغرات الدفاعية الأمنية  فمن المحتمل أن تجد أوروبا نفسها قريبة من موسكو اكثر من واشنطن ، سياسياً ، بالإضافة إلى العامل الجغرافي. وهذا يعني إن أوروبا ممكن ان تتوصل مع موسكو لتوقيع معاهدات واتفاقات جديدة حول مجمل القضايا التي تخص المنطقة، على سبيل المثال الوضع المتازم في سوريا وكذلك قضية الهجرة والامن السيبراني.وهذا يعني أن بناء جيش أوروبي موحد يمكن أن يبعد أوروبا عن واشنطن ويصب بالتالي في مصلحة موسكو، وتخسر الولايات المتحدة اقرب حليفاتها، أوروبا.

 

ألتوصيات

تحتاج دول المنطقة الى جانب دول أوروبا ان تتعامل مع حقيقة، وهي تراجع الولايات المتحدة عن دورها الريادي، وهذا ما انعكس بتخلي ترامب من عدد من الاتفاقات والمعاهدات الدولية، وبالتالي، لم يعد الرهان على الولايات المتحدة مضمونا، مما يستدعي فتح ابواب اوسع للعلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية مع موسكو وكذلك مع الصين، خاصة تلك التي تتعلق بقضايا أمن دول المنطقة، الامن الاقليمي والدولي.

 

*رئيس المركز الاوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى