مقالات رئيس التحرير

د علي الجابري : تظاهرات ايران .. من هو المحرك لها والى أين ستنتهي؟

التظاهرات التي انطلقت في ايران منذ أيام كانت شرارتها إقتصادية نتيجة ارتفاع البطالة وسوء الاوضاع المعيشية في البلاد وتنذر بتفاقم الوضع خلال الفترة المقبلة بعد ان قامت قوات الامن بالتصدي لها بطريقة عنيفة .. ولكن السؤال من هو المحرك لها .. ومن يقودها داخلياً والى أين ستنتهي؟

 

  • التظاهرات الحالية بدأت في مدينة مشهد وهي ثاني أكبر المدن الايرانية ثم إنتقلت لمدينة كرمنشاه وبعدها شيراز لتتحول بسرعة الى اكثر من عشرين مدينة إيرانية، وهناك مناطق ومدن أخرى مرشحة لتنظيم تظاهرات في الفترة القادمة بعد انكسار حاجز الخوف.
  • التظاهرات انطلقت في وقت تعاني فيه ايران من معدلات مرتفعة من التضخم والبطالة رافقتها قرارت اتخذتها الحكومة ساءت من الاوضاع الاقتصادية للشعب الايراني، وابرز تلك القرارات استبعاد نحو ثلاثين مليون مواطن من الدعم الحكومي النقدي ورفع اسعار الوقود بنسبة تصل الى خمسين في المئة.
  • التظاهرات الحالية تختلف عن التظاهرات الكبيرة التي سبق ان اندلعت في ايران عام 2009 في كثير من الاسباب والتفاصيل ويمكن ان نلخصها بما يلي:

 

1- كانت تظاهرات 2009 انطلقت لاسباب سياسية أعقبت الانتخابات الرئاسية التي نتج عنها تجديد ولاية الرئيس السابق احمدي نجاد، اما هذه التظاهرات فقد بدأت لاسباب إقتصادية محلية بحتة ، لكنها سرعان ما تحولت الى تظاهرات سياسية بإمتياز، ورفعت شعارات اقوى من الشعارات السابقة ، ولذلك تتهم السلطات الايرانية جهات خارجية بانها تقف ورائها، لانها باتت تدعو علانية الى إسقاط نظام الولي الفقيه واستهدفت المرشد علي خامنئي بالاسم.

 

2- كانت التظاهرات في عام 2009 تدعو الى الاصلاح (أي انها تنطلق من داخل النظام نفسه) ويقودها المرشح الرئاسي (مير علي موسوي) ، لذلك كان من السهل استهدافها واعتقال الرأس الموجه او المحرض لها .. اما التظاهرات الحالية فإنها انطلقت من دون تخطيط مسبق لاسباب تمس حياة المواطنين جميعهم وليس فئة دون اخرى كما ان التظاهرات الحالية لا توجد لها قيادة موحدة يمكن إستهدافها او توجيه الاتهام لها بالتدبير للانقلاب على الحكم لذلك لم تجد سلطات نظام الملالي غير إلصاق التهمة بمجاهدي خلق بانهم من يقف وراء التظاهرات والتحريض على الدولة.

 

3- في حقيقة الامر فإن المقاومة الايرانية متمثلة بمنظمة مجاهدي خلق لم تكن تتوقع في البدء اندلاع شرارة التظاهرات الى هذا المستوى لكنها تمكنت منذ اليوم الاول من توجيه اتباعها في ايران الى إستغلال التظاهرات وتوجيهها سياسياً وعدم الاكتفاء بالتظاهر من اجل تحسين الوضع الاقتصادي .. لذلك بدأت شعارات اليوم الثاني وما تلاه تأخذ طابعا سياسياً جريئاً تمثل في مهاجمة رأسي النظام (المرشد علي خامنئي والرئيس روحاني). 

 

4- ما يميز التظاهرات الشعبية في عام 2009 انها كانت تتماشى مع خط الانتخابات ضمن اطار النظام نفسه لذلك كان شعارها وقتذاك (أين صوتي؟ ) وفي هذا دلالة علي إيمان بالنظام الحالي لكن الخلاف يدور حول التزوير الذي تم في الانتخابات .. اما التظاهرات الحالية فإنها بدأت تتحدث علانية عن ضرورة وقف دعم الميليشيات المسلحة في العراق وسوريا واليمن ولبنان ، وضرورة ان تغادر ايران سوريا وتوقف صرف الاموال على بلدان اخرى بينما شعبها يعاني من ضائقة إقتصادية.

 

5- عدم وجود قيادة معلنة للتظاهرات ، واتهام منظمة مجاهدي خلق بقيادتها وتوجيهها من شأنه أن يديم زخمها ، حيث لا يمكن إستهداف قياداتها في الداخل ، كما ان وجود منظمة مجاهدي خلق في خارج ايران يسهل عليها التحرك الدولي لاسناد التظاهرات سياسياً ، والتحرك الاعلامي الفاعل الذي لمسناه في مؤسسات المنظمة منذ انطلاقة التظاهرات حتى الان، حيث توجد لديهم قدرة على تغطية ونقل الاحداث من داخل ايران اولا باول.

 

 

الموقف العربي والدولي

 

  • اذا كانت التظاهرات التي جرت عام 2009 إتسمت بعدم وجود موقف دولي او امريكي واضحين ، مع وجود صمت عربي ونأي بالنفس عن مشكلة يراها الكثير داخلية ، فإن الوضع الحالي تغير تماماً، حيث ان إدارة ترامب تختلف عن ادارة اوباما التي صمتت ستة أشهر حتى خرجت بتصريح يدين التعسف وقمع المتظاهرين وقت رئاسة اوباما، ونلاحظ ان رد فعل الرئيس الحالي كان اسرع مما كان يظن الكيثير ، وواضح من تعليقه وتصريحات ادارته انهم يقفون الى جانب المتظاهرين ضد النظام الايراني وهذا الامر يعطي زخما للمعارضين للنظام في المضي بقوة نحو اهداف اكبر من تحسين الوضع الاقتصادي. كذلك جاء تصريح نائب ترامب ليؤكد ان ادارة ترامب لن تتخلى عن المتظاهرين الايرانيين كما فعل اوباما، وهذه اشارة واضحة بالدعم للمتظاهرين.
  • الموقف العربي يختلف جذرياً في الوقت الراهن ، فالكثير من الدول العربية تشكو خلال السنوات الماضية من التدخلات الايرانية ودعم الميليشيات المسلحة في العراق وسوريا ولبنان واليمن ، وبات موقف دول الخليج واضحاً في المواجهة مع النظام الايراني خاصة بعد تشكيل التحالف العربي الذي يقود الحرب ضد اتباع ايران في اليمن (الحوثيين).
  • من المؤكد ان تغييرات جذرية في الموقفين العربي والدولي تشكل فرصة سانحة للقوى الرئيسية المعارضة في ايران من التحرك بشكل أقوى من اجل التغيير الحقيقي في ايران.. لكن ذلك يعتمد على مقدار الدعم الدولي والعربي الذي يمكن ان يتوقف عند حد معين او يتواصل حتى إسقاط نظام ولاية الفقيه.
  • المعارضة الايرانية لا يوجد فيها قوة منظمة ومدربة غير مجاهدي خلق والمتحالفين معها، وهي غير قادرة على التغيير الكامل من دون دعم واسناد دولي وعربي في كل المجالات .. وقدرة المعارضة على التاثير في الداخل لن تتواصل ما لم يشعر الشعب الايراني ان هناك توجه دولي وعربي شاملين للتغير الحقيقي بدون تغييرات ترقيعية.

 

 

نتائج التظاهرات حتى الان

 

تدرك السلطات الايرانية انها في مأزق حقيقي لكنها تحاول السيطرة على التظاهرات عبر الترغيب والترهيب ومحاولة اقناع الشعب بوجود مؤامرة خارجية لذلك نجد ان سكرتير تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي يصرح علانية "ان رفع اسعار الوقود وغيره من المواد بدون رفع دخل المواطنين ليس عملاً صحيحاً وان على الحكومة والمجلس ان يعطوا اجابات واضحة ومقنعة  للمواطنين ". بينما تشير وكالة تسنيم التابعة لقوة القدي الايرانية ان "هذه التجمعات نظمت لانتقاد القضايا الاقتصادية ومع ذلك ليس هناك اي من الشعارات التي تخص القضايا الاقتصادية، وان الشعارات هي ذاتها شعارات الفتنة التي أطلقت عام 2009 التي كانت تستهدف اركان النظام".

 

كما اشارت خطب الجمعة في المساجد التابعة لادارة الولي الفقيه ان هذه التظاهرات هي (تظاهرات المنافقين) في اشارة الى منظمة مجاهدي خلق التي يطلق عليها النظام الايراني منظمة "منافقي خلق". وهو ما دفع رئيس السلطة القضائية في ايران صادق لاريجاني الى الطلب من النيابات العامة التدخل بقوة لوقف التظاهرات والتعامل معها بصرامة. لذلك فقد كانت نتائج القمع خلال الايام الخمس الاولى كما يلي :

 

1- مقتل اكثر من عشرين شخصاً في العديد من المدن الايرانية وفقاً لارقام رسمية بالاسماء اوردتها المعارضة الايرانية.

2- اعتقال اكثر من ألف شخص حتى الان في المدن الايرانية خلال التظاهرات او من خلال مداهمة منازل البعض منهم ليلاً..

 

شعارات المتظاهرين

 

لغرض فهم طبيعة التظاهرات لابد من ان نوثق جميع الشعارات التي رفعت خلالها لانها توضح تحول كبير في هدفها من اقتصادي الى سياسي بحت يدعو الى إسقاط النظام .. ومن ابرز الشعارات التي أحصيناها خلال الايام الاولى ما يلي:

 

  • إستح يا سيد علي واترك الحكم
  • الموت للديكتاتور
  • لا تخافوا .. كلنا متحدون
  • ليعلم خامنئي انه سيسقط قريباً
  • خامنئي قاتل .. وحكمه باطل
  • غادروا سوريا .. فكروا فينا
  • الموت لروحاني
  • ايها السيد الرأسمالي .. أعد لنا اموالنا
  • لا المدفع ولا الدبابة تجدي نفعا .. يجب قتل المرشد
  • عذراً سيد علي .. حان وقت رحيلك

 

 

القوى المعارضة المؤثرة سياسيا

 

اولا : مجاهدي خلق

 

القوة الاساسية التي تلعب دورا كبيرا في توجيه التظاهرات داخليا وخارجيا هي مجاهدي خلق .. ويبدو انهم الاقدر والاقوى على التحكم في الوضع في ايران حاليا وان نفوذهم بدأ يقوى  .. كما ان قدرتهم على تغطية التظاهرات بالفيديو اولا بأول يظهر وجود بارز لانصارهم في الداخل. ويبقى فعلهم وتأثيرهم مرتبطا بمدى الدعم والاسناد الدولي الذي يمكن ان يحصلو عليه للاستمرار في مشروع اسقاط نظام الولي الفقيه (كما يهدفون) .

 

ثانيا : القوى الاحوازية العربية

 

لا يبدو للقوى السياسية الاحوازية في الخارج اي دور يذكر في تلك التظاهرات او استغلالها للتاثير في وضع الاحواز، وانهم جميعاً فوجئوا بالتظاهرات ولم يكونوا مستعدين لها وهم الان يؤمنون بضرورة التدخل بقوة لعدم تضييع الفرصة والاستفادة من ضعف النظام في طرح قضية الاحواز. لذلك سارعت بعض القوى الاحوازية الى اعلان تشكيل هيئة تنسيسقية عليا تشرف على ادارة الحراك الشعبي في الاحواز، لكنها بالمقابل خطوة اغاضت الكثير من الاحوازيين لانها جاءت بمضمون تشكيل حكومة منفى احوازية لاحقا؟! وهي ما اعتبرها كثيرون خطوة غير محسوبة، ربما تزيد من الانقسام بينهم؟!

لكن الملاحظ ان جميع القوى الاحوازية تعمل حاليا على محاولة الظهور اعلامياً للمطالبة بتحرير الاحواز او محاولة الايحاء بوجود دور فاعل لهم على الارض.  بينما حقيقة الامر انهم ما زالوا حتى الان في اطار البحث عن طريقة للتعامل مع ملف التظاهرات.

 

لمراسلة الكاتب

info@euro-times.com

 

زر الذهاب إلى الأعلى