مقالات رئيس التحرير

د. علي الجابري : لماذا يختبئ إخوان السويد خلف مسميات أخرى؟

رغم ان الدراسة التي كشفت عنها الوكالة المدنية السويدية للطوارئ (MSB) مؤخراً لم تأتي بجديد حول وجود تنظيم للاخوان المسلمين في السويد يعمل على خلق مجتمع مواز للمجتمع السويدي مختلف في القيم، الا انها أثارت جدلاً واسعاً بين المؤيدين والمعارضين للدراسة، مع أن هذه حقيقة ثابتة لا يمكن انكارها ولا يمكن إنكار ولاء الكثير من المنظمات الاسلامية لهذا التنظيم. وبمراجعة بسيطة لمواقفهم مما حصل في مصر على سبيل المثال، او إطلاع بسيط على ما يكتبه إتباع التنظيم في السويد في مواقع التواصل الاجتماعي يمكن إدراك ان نتائج الدراسة حقيقة، والعلاقة بين تلك المنظمات والاخوان أعمق بكثير مما قيل.

وربما يسأل سائل: لماذا يخفي أتباع التنظيم او قياداته علاقتهم به، او ينكرونها أساساً ؟ وهم يعيشون او يحملون جنسية بلد يحترم الحريات والمعتقدات !! وهل لدى أتباع التنظيم ما يخشون ان يفضح أو يخضع لمحاسبة القانون؟

قبل سنوات كنت قد أنتجت فيلماً وثائقياً عن تنظيم الاخوان في دولة الامارات ومحاولاته السيطرة على نظام الحكم في هذه الدولة الخليجية التي لم تعرف الاحزاب منذ تأسيسها.. وعند إطلاعي على ملفات التنظيم التي كُشِف عنها خلال محاكمتهم، او من خلال المقابلات التي أجريتها في هذا الوثائقي مع أعضاء سابقين في التنظيم، تأكد لي ان أهم مقومات العمل في تنظيم الاخوان هو السرية، وهو مبدأ يتم تدريب المنتمين إليه منذ نعومة أظفارهم عند إنخراطهم بنشاطات اجتماعية او رياضية او ثقافية، قبل ان يدركوا انهم اصبحوا أعضاءً في أكبر التنظيمات الاسلامية المثيرة للجدل. ومبدأ السرية في العمل قد يبرره البعض بعلاقة هذا التنظيم مع الحكومات العربية التي إتسمت بين المد والجزر طيلة العقود الماضية. لكن ما معنى أن تعمل بسرية في بلد أوروبي حر يسمح لافراده إعتناق أي فكر أو دين حتى وإن كان هذا الفكر ضال ومؤذ في بعض الاحيان، والقانون لا يحاسب على النيات او المعتقدات ما لم يرتكب الاشخاص جريمة بحق المجتمع داخل البلاد.

ولعل خير مثال على ذلك إلتحاق الكثير من الاسلاميين المتطرفين في السويد بتنظيم داعش الارهابي وجبهة النصرة وغيرها من التنظيمات المتطرفة، ومشاركتهم في القتال وتنفيذ عمليات إرهابية في العراق وسوريا، لكنهم عادوا الى السويد دون تبعات قانونية، بل ان بعض الجهات الرسمية بدأت تبحث في كيفية إدماجهم في المجتمع من جديد، لابعادهم عن الافكار المتطرفة؟

إن من النتائج السلبية لاي عمل او تنظيم سري هو إخفاء حقيقة ما يفكر به أصحاب هذا الفكر أو التنظيم، لان من يحمل نوايا سليمة ومفيدة للمجتمع يكشف عن نفسه دون الاختباء خلف مسميات عديدة !! ومن حق المجتمع السويدي بما فيه السويديون من ذوي الاصول العربية أن يطمئن الى ان كل المنظمات والجمعيات الاسلامية وغير الاسلامية تعمل وفقاً للقانون ولا تشوبها شائبة، مادية أو فكرية أو سياسية مخالفة للقيم في السويد او للقيم الانسانية.

وبغض النظر عن الجمعيات الموالية للاخوان في السويد، فإن ما تمر به البلدان الاوروبية من مخاطر إرهابية غير مسبوقة يتطلب مكاشفة حقيقة لوضع اليد على الاسباب الحقيقية التي تدفع بالشباب السويدي والاوروبي الى ترك بلدانهم والالتحاق بمنظمات إرهابية تفخخ أجسادهم ليقتلوا الابرياء في العراق وسوريا ؟! 

هل نخفي رؤوسنا في الرمال حتى يحدث ما لا يحمد عقباه، نتيجة التغاضي عن الارهابيين الذين ذهبوا سراً للقتال مع داعش؟ من دون أن نبحث عن الذي زرع هذا الفكر الضال في عقول هؤلاء وغرر بهم للالتحاق في ساحات المعارك بحثاً عن (الشهادة)؟! 

وهل نبرئ بعض المساجد ورجال الدين في السويد من التحريض وزيادة الشحن الطائفي وتجنيد الشباب وجمع الاموال تحت مسميات وهمية كالصدقات والمساعدات الانسانية لاطفال سوريا والعراق وعلاج المرضى ، لكنها في الحقيقة تذهب لشراء الاسلحة وقتل الناس ودعم المسلحين بمختلف إنتماءاتهم ليقتل بعضهم بعضاً ؟!

إن تقرير الوكالة السويدية يجب ان لا يقف عند حد الاعلان عن جهة تنتمي لهذا التنظيم او ذاك ، وعلينا ان لا نسمح لاي طرف ان يبني مجتمعات موازية خلف الكواليس ، وعلى الجميع العمل تحت الضوء طالما انه لا يوجد لديهم ما يخفونه أو يخشون فضحه.

وهنا أود أن أقتبس ما قاله احد المسؤولين الاماراتيين عندما خاطب أتباع تنظيم الاخوان في بلاده : هل انتم على إستعداد للعمل كمواطنين تحملون جنسية هذا البلد وتتركون الولاء لتنظيمات خارجية ؟ واتمنى أن لا يكون جوابهم مماثلاً لما قاله اخوانهم هناك !!

 

 

* رئيس تحرير صحيفة يورو تايمز

 

لمراسلة الكاتب : dr.ali@europressarabia.com 

 
زر الذهاب إلى الأعلى