آراء

جيفري كمب: اختبار بايدن الأكبر.. الميزانية والبنية التحتية

خرج جو بايدن من شهرين كانت فيهما معدلاته في استطلاعات الرأي في أدنى مستوى لها. إذ هوى معدل تأييده الشعبي من 50 في المئة إلى 44 في المئة بسبب ثلاث أزمات هذا الصيف هي: الزيادة في عدد الإصابات الجديدة بـ«كوفيد-19»، والظروف المناخية السيئة عبر الولايات المتحدة، والانسحاب الفوضوي والمثير للجدل من أفغانستان. ويتعين على بايدن الآن التركيز على الكونجرس وجهوده الرامية إلى تمرير تشريع تاريخي يمكن أن يصبح أساساً لثورة اجتماعية جديدة. 
بايدن كان يأمل أن يشهد صيف عام 2021 بدايةَ النهاية بالنسبة لوباء «كوفيد-19»، بفضل المعدل المرتفع من عمليات التلقيح التي تجري للأميركيين. لكن العكس هو الذي حدث، إذ تفشى متحور دلتا من الفيروس، وخاصة في تلك الولايات التي عرفت أدنى الأرقام بخصوص عدد الأشخاص الملقَّحين، حيث مرّر زعماءٌ «جمهوريون» بارزون، مثل حاكمي ولايتي تكساس وفلوريدا، قوانين تمنع على السلطات المدرسية اشتراط ارتداء الأطفال للكمامات. غير أن هذه الخطوة المثيرة للجدل كانت محل تنديد قوي من قبل السلطات الطبية في وقت ارتفعت فيه معدلات «كوفيد-19» وأُدخل فيه عددٌ متزايدٌ من الأطفال المستشفى من أجل تلقي العلاج من أعراض كوفيد. ولئن كان هناك رد فعل غاضب ضد الحكام الجمهوريين بسبب ما قاموا به، فإن ذلك لا يفيد شيئاً في مساعدة بايدن إذا كانت النتيجة النهائية هي زيادة انتشار الفيروس عبر البلاد، وما يتلو ذلك من قلق وتخوّف من عدم وجود نهاية في الأفق لوباء غيّر حيوات الجميع منذ أكثر من 18 شهراً. 
الظروف المناخية الكارثية، والتي هي أيضاً مثل «كوفيد-19» لا يمكن تحميل مسؤوليتها لبايدن، إلا أنها تسببت في اضطرابات للمجتمع وزادت من المشاكل المالية لكثير من الأسر التي تعاني أصلا من الوباء. لقد خلقت فترات الجفاف التاريخي في الغرب الأميركي الظروفَ المثالية لأسوء حرائق غابات في التاريخ الحديث. كما أدت الأعاصير في خليج المكسيك وعلى طول الساحل الشرقي إلى أمطار طوفانية من مدينة نيوأورليانز إلى مدينة نيويورك. وباتت العلاقة بين الظواهر المناخية المتطرفة والتغير المناخي علاقة ثابتة الآن، وقد خلقت ضغطاً على إدارة بايدن من أجل توفير تمويل أكبر لحالات الطوارئ التي يتوقع أن تزداد في المستقبل. 
وإلى ذلك، أدى النقاش الأساسي حول الانسحاب الأميركي من أفغانستان إلى إضعاف شعبية بايدن أكثر، لاسيما بين نخبة الأمن القومي والصحافة. غير أن معظم الأميركيين يؤيدون قرار إنهاء عشرين عاماً من الحرب، وإنْ كانوا يعتقدون أن الأزمة شكّلت كارثةَ علاقات عامة بالنسبة لبايدن. وما زال من المبكر جداً الجزم بشأن ما إن كانت أفغانستان ستكون مهمة كثيراً في الانتخابات المقبلة بالنظر إلى المشاكل الداخلية الأكثر إلحاحاً.
بيد أن تحدي بايدن الأكبر الآن هو العمل مع الكونجرس، هذا الخريف، من أجل تمرير مشروع قانون يتعلق بالبنية التحتية وتقدر كلفته بتريليون دولار. وهذا إلى جانب مشروع قانون ميزانية من شأنه تمكين «الديمقراطيين» من تمرير مشروع قانون إنفاق تبلغ قيمته 3,5 تريليون دولار بدون دعم «جمهوري». وتجدر الإشارة هنا إلى أن الديمقراطيين يمتلكون أغلبية هزيلة في مجلس النواب ومتكافئون عددياً مع الجمهوريين في مجلس الشيوخ (خمسين مقابل خمسين). غير أنهم مع نائبة الرئيس كمالا هاريس سيكونون قادرين نظرياً على تمرير مشروع القانون على اعتبار أنها قادرة دستوريا على حسم التصويت وترجيح كفة حزبها الديمقراطي. لكن هذا يعتمد على ما إن كان كل أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين الخمسين سيستطيعون إيجاد طريقة للتوافق والتصويت معاً. والحال أنه من المستبعد أن يكون ذلك ممكناً إذا لم يخفّض الثمن المرتفع للتشريع المقترح. 
وفي حال استطاع بايدن وفريقه تمرير تشريعي الميزانية والبنية التحتية بنجاح، فإن ذلك سيعني التغير الأكثر دراماتيكية في السياسة الاجتماعية الأميركية منذ «الصفقة الجديدة» التي أتى بها فرانكلين دي روزفلت في ثلاثينيات القرن العشرين. أما إذا فشل بايدن وحزبه في هذا الجهد، فإن فرص حفاظ الديمقراطيين على سيطرتهم على مجلسي النواب والشيوخ في انتخابات عام 2022 ستكون مهدَّدَةً. وهذا بدوره لن يشكّل خبراً ساراً بالنسبة لبايدن في وقت يفكر في الترشح لولاية ثانية كرئيس للبلاد في عام 2024. 

مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونل إنترست»

نقلا عن الاتحاد

زر الذهاب إلى الأعلى