آراء

نزار العوصجي: السطوة الفكرية والديمقراطية التجريدية

في منتصف القرن السابع عشر الميلادي ، أُجبر رجال الدين المسيحيين انذاك ، على التراجع والإنغلاق داخل الكنيسة ، بسبب وعي الناس على يد فلاسفة الأنوار ، وانتشار الطباعة وزيادة العلم والمعرفة ، فتوقفت الكنيسة عن التدخل بشؤون الدولة ، وعن تحليل وتحريم أشياء بديهية .. توقفت الكنيسة عن التدخل بحياة الأفراد .. توقف رجال الكنيسة بالإكراه ، عن رمي فتاويهم في كل صغيرة وكبيرة .. ذلك بسبب الوعي الفكري لدى العامة من ابناء الشعب ، وما تبعه من الثورات التي قامت ضد الكنيسة ..

لم يستيقظ الكهنة في الصباح ليقرروا عدم التدخل في حياة الآخرين طوعاً من ذات انفسهم ، بل إن الوعي الفكري لدى الكثير من فئات المجتمع ، فرض ( بالقوة ) مفاهيم الحرية على رجالات الكنيسة ، وهذا الطريق كلف الشعوب زمناً ليس بالقصير ، الى جانب الأف من الضحايا وأكوام من الجثث التي إسهمت في نجاح تلك الثورات ..

ما إشبه اليوم بالأمس ، فها نحن اليوم نعيش في كنف ثلة الدجل التي تلبس لباس الدين ( عدة الشغل ) ، ورغم ذلك نجد ان هنالك الملايين من الجهلة ينقادون خلف هؤلاء الدجالين ( المعممين ) ، مؤمنين ومصدقين باكاذيبهم وخرافاتهم ، لا لشيئ سوى لانهم ساذجين مسلوبي الأرادة ، قد غشت اعينهم عن الحقيقة ، يتبعون مجموعة من المعممين والمشعوذين بطريقة مقززة ، تقشعر لها الابدان وتشمئز منها النفوس المؤمنة بالله فعلاً ..

والآن ، وبعد مايزيد عن ثلاثة قرون مضت على ذاك الزمن المظلم ، وبعد قيام ثورة المعلومات وانتشار الانترنت ، الذي يتولى فضح اساليب الكذب والدجل والشعوذة التي يتبعونها ، وبعد كل هذه التخبطات والهزائم والدِماء ، أما آن لنا أن نرى كيف يتقدم غيرنا من البشر ، فنثور ثورة حقيقية تنهي سلطة شريعة القرن السابع ، ومنظومة النكاح ومفاهيم الحلال والحرام ، ونعيد الدين إلى حظيرة العبادة الشخصية ( بين الأنسان وخالقه ) ، بعيداً عن الإملاءات والتصنيفات وكراهية الآخر المختلف عنا انتماءاً وفكراً !!!

الديمقراطية التجريدية ..

التجريد هو انتزاع وازالة كل ماله صلة بالانتماء للوطن والوطنية ، وسلخه عن المجتمع والتقاليد والقيم الأصيلة ، والدفع باتجاه التخلي عن التمسك بالاخلاق والفضيلة ، ليصبح الانسان مجرد من وطنيته واخلاقه وانسانيته وقيمه وانتمائه ، إي انسلاخه تماماً عن كل ما من شانه تحديد هويته الوطنية ، وعن المجتمع الذي ينتمي اليه اصلاً ..

هكذا كان تصميم وهدف قوى الشر في غزو العراق ، والأحتلال البغيض باسم الديمقراطية المزيفة ، التي نفذت باسلوب متقن ومدروس ، صمم ليكون مرتداً ومنافياً للثقافة العربية والاسلامية ، ومتناقضاً مع عادات وقيم المجتمع العراقي ، القيم الملتزمة في كثير من جوانبها ، لتجريد المواطن العراقي من انتمائه للوطن والوطنية ، وللقيم والاخلاق المتوارثة ، التي شكلت اساس بناء الذات العراقية عبر مر العصور ..

فباسم الديمقراطية التجريدية ، اصبح كل شيئ مضلل ومخالف لحقيقته محلل ومسموح به ، وعلى المواطن المتذبذب الشخصية ، ان يمجد ويمدح ويفاخر جهاراً ، بما جاء به المحتل من مفاهيم ديمقراطية فوضوية لا انسانية ، ترتفع به الى قمة الانكسار والاستسلام والعبودية الفكرية ، والى ظلام اكثر عتمة بحجة الديمقراطية المتفسخة ، فيتحول الى تابع ، كما هو عليه الحال في هذا الزمن الأغبر ..

إلى متى سنستمر بالتغابي والتعامي والتغاظي عن الحقيقة الساطعة سطوع الشمس ، التي تُظْهِر أن الحرية والديمقراطية المزيفة التي جاء بها الاحتلال البغيض ، لا تعدوا عن كونها اكاذيب منمقة زائفة ، صممت للنيل من كرامة الشرفاء من ابناء الوطن ، وسلب القيم المجتمعية والاخلاقية التي تربوا عليها ، وتحريف مفهوم الديمقراطية الفكرية الحقيقية وتزيفها ، لذا نقول : لابد من ان الاستفاقة قبل فوات الأوان …

كفى دماء … كفى غباءً واستغباء !!!

جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز

زر الذهاب إلى الأعلى