فرنسا تسعى لترسيخ وجودها في منطقة المحيطين الهندي والهادىء
مر أكثر من عام منذ إبرام معاهدة أوكوس الأمنية الثلاثية بين الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة، والأزمة الدبلوماسية التي أعقبت ذلك بين فرنسا وأستراليا، وبعد الصدمة الأولية التي تسبب فيها الإعلان عن أوكوس، لم يكن أمام فرنسا أي خيار سوى إعادة صياغة سياستها الخاصة بالشراكة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وقال الدكتور جون لوب سامان، وهو زميل باحث في معهد الشرق الأوسط التابع لجامعة سنغافورة الوطنية، وزميل أول غير مقيم في المجلس الأطلسي: إن “النزاع لم يفسد العلاقة الثنائية بين باريس وكانبيرا فحسب، ولكنه تسبب أيضاً في تعقيد خطط فرنسا في المنطقة”.
ورغم أن وسائل الإعلام قرأت في البداية السخط الفرنسي على أنه نزاع تجاري بسبب إلغاء طلب أستراليا لشراء غواصات من إنتاج شركة نافال غروب الفرنسية والتي كانت تبلغ قيمتها عدة مليارات من الدولارات، كانت الصفقة مجرد عنصر في استراتيجية أوسع نطاقاً لترسيخ وجود فرنسا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وحتى سبتمبر(أيلول) عام 2021، كان من المفترض أن تعتمد هذه الاستراتيجية على ركيزتين، وقد أرسى تقارب فرنسا مع الهند ركيزة “المحيط الهندي”، بينما مثلت الشراكة مع أستراليا ركيزة “المحيط الهادئ”.
وأضاف سامان، المستشار السياسي السابق في وزارة الدفاع الفرنسية وحلف الناتو في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية، أنه “منذ نزاع أوكوس، اتخذ انخراط فرنسا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ عدة أشكال. فعلى المستوى الثنائي، كان أحد التطورات الأكثر أهمية هو تقارب فرنسا مع أندونيسيا”.
وعلى هامش جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمر(أيلول) الماضي، التقى دبلوماسيون فرنسيون مع نظرائهم من الهند وأستراليا لإحياء ذلك الإطار، ورغم أنه ربما تستمر المشاورات الثنائية، فإنه ليس هناك أي توقعات في الوقت الحالي بأن فرنسا سوف تعيد النظر في الشراكة مع كانبيرا كركيزة لاستراتيجية فرنسا بشأن منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وتابع سامان أن “الأمر المثير للاهتمام كان عقد اجتماع ثلاثي آخر خلال الجلسة العامة للأمم المتحدة في سبتمر(أيلول) الماضي بنيويورك. فعلى هامش الجلسة عقدت الهند وفرنسا والإمارات العربية المتحدة أول اجتماع لهم معاً”.
وتستضيف الإمارات قيادة البحرية الفرنسية للمحيط الهندي من عام 2009، إضافة إلى نحو 800 فرد من القوات الفرنسية، وبالصدفة فإنه في يوم 15 سبتمبر(أيلول) 2021، الذي تم فيه الإعلان عن اتفاق أوكوس، استضاف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد.
وأصبحت استراتيجية فرنسا بشأن منطقة المحيطين الهندي والهادئ أيضاً أكثر طموحاً على مستوى متعدد الأطراف، وفي العامين الماضيين عمقت باريس انخراطها في منظمات إقليمية، ففي عام 2020 أصبحت عضواً رسمياً في رابطة الدول المطلة على المحيط الهندي “أيورا”، وفي نوفمبر(تشرين الثاني) عام 2022، حصلت فرنسا على وضع دولة مراقب في اجتماعات وزراء دفاع رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان).
وهدف استراتيجية فرنسا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ليس مواجهة الصين ولكن تعزيز الشراكات التي تركز على المصالح المشتركة وليس على التهديدات المشتركة. ومثل هذا الخطاب الفرنسي يعتبر نقداً شبه مستتر للموقف الأمريكي، والذي ينظر إليه في باريس (وكذلك في بعض العواصم الآسيوية) على أنه يسعى للاستقطاب بدرجة كبيرة للغاية.
وتظل دوائر صنع السياسة الآسيوية متشككة بشأن القوة العسكرية والاقتصادية التي يمكن أن تنشرها دولة مثل فرنسا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ عند مقارنتها بقوى عظمي مثل واشنطن وبكين، وتدرك فرنسا جيداً الحاجة لعلاج هذا الفجوة المتعلقة بالمصداقية وأعلنت في العام الماضي عن عمليات نشر جديدة لقوات بحرية لتعزيز وجودها في المياه الآسيوية.
ولاينتاب أي شخص في باريس الوهم بأن فرنسا يمكن أن تكون نداً للقدرات الأمريكية والصينية، وبدلاً من ذلك فإن الهدف يتمثل في الحفاظ على موارد كافية لجعل القوى الوسطى الآسيوية تعتبر الاقتراح الفرنسي بديلاً حقيقياً، ويعد قيام فرنسا بوضع نفسها كلاعب بديل للولايات المتحدة في السياسة الخارجية، مشروعاً صعباً.
وفي نهاية المطاف، فإن مصداقية قدرات فرنسا ونواياها قضية مترابطة، وربما يكمن المفتاح لحلها في قدرتها على تطبيق استراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وأوضح سامان أنه بموجب هذا النهج، سوف يقدم الاتحاد الأوروبي الموارد التي لايمكن أن توفرها فرنسا اعتماداً على نفسها، ومن المحتمل دعم قدرة أوروبا على التحرك كبديل حقيقي للمنافسة بين الولايات المتحدة والصين.
واختتم سامان تقريره بالقول إنه “بالنسبة للدبلوماسيين الفرنسيي ، يعني هذا أنه يتعين عليهم إبقاء الاتحاد الأوروبي منخرطاً في آسيا في وقت يركز فيه على الحرب في أوكرانيا، وبمعنى آخر أنه ربما يتم تقرير مستقبل استراتيجية فرنسا الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ في بروكسل وبنفس القدر في عواصم آسيوية”.
د ب أ