د. عبدالرزاق محمد الدليمي: سكوت القبور الامريكي البريطاني
قامت الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2003 بتشكيل وقيادة تحالف دولي شاركت فيه بريطانيا وأستراليا لإسقاط الدولة والنظام العراقي، وذلك بحجة نشر الحرية والديمقراطية في العراق وتحرير العراق من اهله!!!، وبأسباب خادعة لكن السبب الحقيقي وراء الغزو هو ازاحة العراق من خارطة العالم وتجهيل شعبه الذي عرف بذكائه ،وهو صاحب اقدم واعرق الحضارات البشرية، وتيسير عمليات التطبيع مع الكيان الصهيوني ناهيك عن السيطرة على موارد العراق ومقدّراته وثرواته الطبيعية، وكذلك اضعاف العراق وجيشه الوطني الجبار الذي كان مناهضاً للهيمنة الغربية الامريكية في الشرق الأوسط ومناصراً للقضايا العربية والانسانية المشروعة ومدافعا صلبا عنها.
صادف السبت الماضي الذكرى الثالثة لانتفاضة تشرين التي أنطلقت في ارجاء العراق 2019 ضد كل ما حدث ويحدث من عدوان يومي وجرائم وفساد منذ ان وطئت احذية الاحتلال الامريكي البيرطاني الصهيوني المتخادم مع نظام الشر في طهران في 9 أبريل عام 2003م منذ ذلك اليوم الاسود في تاريخ البشرية والانسانية وبلاد الرافدين تسبح على بحيرات من الدماء، حيث أشعلت الحرب فتيل الطائفية والفتنة والمذهبية والعرقية، في بلد كان ينظر إليه أنه أحد الدول العربية القوية بالمنطقة، من حيث عدد السكان وتكوين الجيش وعدد العلماء، ولكن بعد الاحتلال خطط المحتلين افتعال وتفجير أزمات التناحر والاقتتال والتنازع، وقتل من قتل وغيب من غيب وسجن من سجن وشرد من شرد، وهجر الملايين من خيرة ابناء العراق الى الخارج عدا التهجير القسري داخل العراق وزادت الحكومات الفاسدة المتعاقبة على السلطة في تعميق الخلافات مع الجميع، سيما بعد زرعت المحاصصات الطائفية والصراعات والفوضى والبلبلة باسم “الديمقراطية” المشوهة المستوردة من الخارج والتي كانت وبالا على العراقيين، فظهرت وجوه كالحة متخلفة تعزف على وتر نشاز وهبت الرياح الصفراء التي شوهت وضربت القيم والعادات والتقاليد في العراق رغم انها تدعي انهم عراقيون الا ان الحقائق اثبتت انهم صناعة هجينة غريبة عن العراق واهله همها الوحيد بعد مصالحها ولاءها للخارج، تحمل في عقولها وعمائمها السموم التي تفتك وتنتقم من الجميع.
أن احتلال العراق وما يحصل فيه كان وسيبقى اكبر خطيئة تاريخية، إن ما حلّ فيه من الظلم والمصائب والويلات؛ لم يحل بغيره من دول العالم في هذا القرن، الذي يُزْعم الغرب الصهيوني أنه قرن الحضارة والثقافة وحقوق الإنسان، وان واقع العملية السياسية ، التي اتفقا الامريكان والبريطانيين مع ملالي طهران ان يتم توزيع الحكم فيها على اسس طائفية وعرقية، ووضعوا لها دستوراً هجينا مجير لبعض الفئات على حساب الفئات الأخرى، اضافة الى ما تضمنه من فقرات ملغمة لتؤدي في النهاية لتقسيم العراق، والقضاء على لحمة أبنائه ،أن من تولى زمام الحكم في العراق خلال السنوات العشرين الماضية افراد لا ينتمون إلى العراق أصلاً أو ولاءً، ولا تهمهم إلا مصالحهم، ومصالح أسيادهم، وأحزابهم، من خلال مسرحية الانتخابات الزائفة والضغوط، والوعود الكاذبة بالتغيير والإصلاح.
جاءت انتفاضة تشرين لتقول للعالم ان الشعب العراقي يحق له أن يحلم بدولة آمنة يسود فيها السلام بعد عقدين من التدخل الأجنبي والتشرذم الطائفي والاغتيالات وغياب الأمن وبعد أن تعرت كل الذيول التي رافقت المحتل في جريمته وتدميره والتي تسلمت السلطة منه بعد انسحابه عسكريا والتي ساهمت في تكريس طائفية مقيتة راح ضحيتها مئات الآلاف من المواطنين على اختلاف مللهم ونحلهم. وخرج العراقيين لاحياء أمل يعيد لهم على امتداد وطنهم النور ويزيح عنه الظلمة الحالكة، ليس بسبب غياب الكهرباء فقط، ولكن بسبب غياب الحياة الآمنة المستقرة وفي العودة إلى حياة طبيعية في دولة موحدة ومجتمع موحد وحيث لا مكان فيه لأجنبي محتل او ذيوله أيا كان لونهه سيما بعد أن تكشفت حقيقة أسباب ودوافع المؤامرة الكبرى التي استهدفت تدمير العراق.
ان العالم اليوم لا يحتاج إلى كثير من العناء للتعرف على حجم المأساة في العراق اليوم فالصور والأرقام بالرغم من كل التعتيم الإعلامي تتحدث عن نفسها رائحة المأساة باتت تزكم الأنوف ولجان حقوق الإنسان على امتداد العالم لم يعد مقبولا سكوتها على الجريمة المستمرة منذ فرض الحصار الغاشم ثم الاحتلال وخاصة بعد أن انفضح كل المستور وبان جبل الجليد كله وتكشفت الفضيحة التي لم يعرف مثل هولها العالم على مر العصور وسيذكرها التاريخ كواحدة من أبشع حالات الظلم الإنساني في عالمنا الذي شهد لأول مرة جريمة اغتيال دولة وتشريد الملايين من شعبها مع سبق الإصرار.
الطائفية والعنصرية والعشائرية والمناطقية اصبحت سلاح فتاك لتفتت ابناء المجتمع الواحد، وأصبح العراق ميداناً للمليشيات المتطرفة وخاضعاً للنفوذ الصفوي منذ الغزو الأمريكي البريطاني للعراق والعدوان الذي انتهى باحتلال بلد عربي كبير حيث بدأ بكذبة وانتهى بمأساة، وهذه الكذبة بررت غزو واحتلال دولة مستقلة، وكانت ادعاءات امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل تمثل بداية هذه الكذبة الكبيرة التي صنعتها وصدقتها إدارة الرئيس الأمريكي بوش الابن، وكان مسلسل الإعداد لهذه الحرب بدأ “برغبة” من القيادات الأمريكية اليمنية الصهيونية المتطرفة لتعزيز مواقفها الأيديولوجية وخدمة مصالحها الإستراتيجية في أمريكا وعلى المستويين الإقليمي والدولي، ولم يكن من السهل تحويل هذه “الرغبة” إلى حقيقة دون إيجاد مبررات تسمح بارتكاب جريمة عدوان يرفضها القانون الدولي، ومن هنا بدأ البحث عن مبررات يمكن استخدامها لارتكاب هذه الجريمة كغطاء للقرار الذي تم اتخاذه على أعلى مستويات القيادة الأمريكية بوجوب غزو العراق، ومن ثم تحولت “الرغبة” إلى “قرار” غير قابل للنقض.
رغم ان عصابات اليمين الأمريكي المتطرف في واشنطن ولندن كانا يستخدمان تهمة “انتهاك حقوق الإنسان” كمبرر لشن عدوانها على العراق، الا انهما الان يغلقون عيونهم ويصمون اذانهم عن كل الانتهاكات الموثقة لحقوق الإنسان في العصر الحديث التي يعيشها الشعب العراقي يوميا والتي كانت قبل الغزو مبرر لشن العدوان على العراق ، وما يحدث في العراق منذ عشرين عاما جعافا يسلط الضوء على حقيقة الامبريالية الأمريكية البريطانية وممارساتها غير القانونية وغير الأخلاقية في مجال حقوق الإنسان،ففي الوقت الذي تظهر فيه دولتا الاحتلال تعاطفهما الهش مع ثورة التغيير في ارجاء القوميات المستعمرة،من قبل النظام الصفوي الساساني في طهران…الا ان هاتين الدولتين المارقتين لم تحركا ساكنا عما يجري من نزيف الدم العراقي في انتفاضاتها المستمرة ضد الاحتلال وعملائه طيلة عشرين عاما، لاسباب عديدة ابرزها ان النظام المهلهل الهجين في العراق هم من اوجدوه ويدافعون عنه باستقتال؟؟!!!مع ملاحظة ان كل مايحدث للشعب العراقي والشعوب المغلوب على امرها في مايسمى دولة ايران وكذلك في كل الشرق الاوسط ،كان المخطط والمنفذ هم البريطانيين وتبعهم الامريكان.
جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز