تحقيقات ومقابلات

جفاف وحرائق غابات وعطش.. حرارة الصيف تلهب أوروبا

أدت موجات تاريخية من الحر والجفاف في أوروبا، إلى موجة عنيفة من حرائق الغابات في فرنسا، ودفعت بالسلطات البريطانية إلى إعلان حالة الجفاف رسمياً في أجزاء من البلاد مع بلوغ معدل جفاف نهر التايمز أعلى مستوياته، فيما أدى الحر إلى اندلاع حرائق غابات في ألمانيا وانخفاض كبير في منسوب نهر الراين.

وشهدت أوروبا هذا الصيف سلسلة من حرائق الغابات في وقت تكتوي فيه دول القارة بموجات حر متتالية، ما يسلط الضوء مجدداً على مخاطر تغير المناخ على الصناعة وسبل العيش.

وامتدت حرائق الغابات إلى إسبانيا والبرتغال وسط مخاوف على الزراعة، مع توقعات بانخفاض محصول الذرة في الاتحاد الأوروبي 15 بالمئة بسبب موجة الحر والجفاف، في وقت ترتفع فيه أسعار الغذاء بسبب الحرب في أوكرانيا.

حرائق وموجة حر في فرنسا

في فرنسا، قال مسؤولون الجمعة إن ارتفاع درجات الحرارة وتفاقم الجفاف يهددان بالتسبب في نشوب حرائق غابات جديدة في جنوب غربي البلاد، على الرغم من انحسار حريق هائل يستعر في المنطقة منذ أيام خلال الليل.

ويعمل رجال إطفاء من ألمانيا ورومانيا واليونان على الأرض لمساعدة نظرائهم الفرنسيين على التصدي للنيران في منطقة جيروند وكذلك على جبهات أخرى، بما في ذلك في بريتاني في الشمال الغربي.

وهناك المزيد من رجال الإطفاء في طريقهم من مختلف أنحاء أوروبا للانضمام إلى هذه الجهود.

وقالت السلطات المحلية في جيروند إن خطر اندلاع حرائق جديدة “كبير للغاية” بالنظر إلى الأحوال الجوية.

ومن المتوقع أن تصل درجات الحرارة إلى 40 درجة مئوية في الجنوب الغربي مع توقعات بارتفاع الحرارة أيضاً في معظم أنحاء فرنسا، وفقاً لتنبؤات هيئة الأرصاد الرسمية.

وذكرت الهيئة أنه من المقرر أن تنحسر موجة الحر، وهي الثالثة رسمياً في فرنسا هذا الصيف، السبت على أن تنتهي الأحد بهبوب عواصف.

وأتت النيران على نحو 18 ألف فدان من الغابات في جيروند وجرى إجلاء 10 آلاف شخص.

وتوجه 361 من رجال الإطفاء من أوروبا إلى جنوب غرب فرنسا لدعم 1100 رجل إطفاء يعملون ليل نهار للحد من حريق هائل اشتعل مجدداً في لانديراس في جنوب غربي البلاد، حيث احترق 14 ألف هكتار في يوليو الماضي.

وقالت المفوضية الأوروبية إنه تم إرسال 4 طائرات من أسطول مكافحة الحرائق التابع للاتحاد الأوروبي إلى فرنسا، من اليونان والسويد.

وأعلنت بولندا عزمها إرسال 146 رجل إطفاء اعتباراً من الخميس، للمساعدة في الجنوب، اعتباراً من ظهر الجمعة، بحسب الرئاسة الفرنسية.

 وفي تغريدة على “تويتر”، شكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ألمانيا واليونان وبولندا، ورومانيا والنمسا، مؤكداً أن “شركاءنا يأتون لمساعدة فرنسا في مواجهة الحرائق”.

وقال رجال الإطفاء إنهم تمكنوا من إنقاذ قرية بولان بيليه، التي خلت من سكانها بعد أن طلبت الشرطة منهم إخلاء منازلهم مع اقتراب ألسنة اللهب. لكن الحريق وصل إلى أطراف القرية، مخلفاً وراءه منازل متفحمة وجرارات معطلة.

وتعرضت منطقة جيروند لحرائق غابات كبيرة في يوليو.

وصرح جان لوي دارتايل رئيس البلدية لراديو كلاسيك، قائلاً إن “المنطقة مشوهة تماماً. نحن مدمرون. نحن مرهقون…(هذه الحرائق) هي القشة التي قصمت ظهر البعير”.

جفاف في بريطانيا

وأعلنت بريطانيا رسمياً حالة الجفاف في أجزاء من إنجلترا، الجمعة، فيما واجهت الأسر قيوداً جديدة على استخدام المياه خلال موجة طويلة من الطقس الحار والجاف، تمثل اختباراً صعباً للبنية التحتية في البلاد.

وقالت وكالة البيئة في بيان إن أجزاء من جنوب ووسط وشرق إنجلترا أصبحت رسمياً في حالة جفاف، ما يعني أن شركات المياه ستكثف جهودها للتعامل مع تداعيات الطقس الجاف على المزارعين والبيئة.

وقال وزير المياه ستيف دوبل في بيان، عقب اجتماع لمجموعة الجفاف الوطنية “طمأنتنا جميع شركات المياه بأن الإمدادات الأساسية لا تزال آمنة، وقد أوضحنا أن من واجبها الحفاظ على تلك الإمدادات”.

وأضاف: “نحن مستعدون بشكل أفضل من أي وقت مضى لفترات الطقس الجاف، لكننا سنواصل مراقبة الوضع عن كثب، بما في ذلك الآثار المترتبة على المزارعين والبيئة، واتخاذ المزيد من الإجراءات حسب ما تقتضي الحاجة”.

انخفاض منسوب التايمز

وبلغ معدل جفاف منبع نهر التايمز أعلى مستوياته على الإطلاق في اتجاه مجرى النهر، إذ يبدو أن إنجلترا تتجه صوب موجة جفاف يقول بعض الخبراء إن البلاد غير مستعدة لها.

وقال مكتب الأرصاد الجوية في بريطانيا إن يوليو الماضي كان الأكثر جفافاً في إنجلترا منذ عام 1935، إذ بلغ متوسط هطول الأمطار 23.1 مليمتر أي 35 بالمئة فقط من المتوسط لهذا الشهر. وشهدت بعض أجزاء البلاد أكثر شهور يوليو جفافاً على الإطلاق

ويمتد نهر التايمز بطول 356 كيلومتراً عبر جنوب إنجلترا، من جلوسترشير في الغرب مروراً بقلب لندن، قبل أن يصب في البحر في إسكس إلى الشرق.

ويجف الينبوع الطبيعي الذي يغذي النهر أو منبعه في معظم فصول الصيف. لكن هذا العام، وصل الجفاف إلى مجرى النهر بشكل أكبر مما كان عليه في السنوات السابقة، وفقاً لملاحظات خبراء الحفاظ على البيئة.

وقال أليسدر نول المسؤول في منظمة “ريفرز ترست” المعنية بالحفاظ على الأنهار والبيئة لـ”رويترز”: “إنها (مياه النهر) ضحلة للغاية هنا… ولكن ليس عليك سوى أن تذهب أبعد من ذلك بكثير في هذا الجزء الصغير من نهر التايمز لتجد نفسك واقفاً على أرض جافة. وفي الحقيقة، هذه الأرض ينبغي أن تظل رطبة ويجب أن تكون دائماً رطبة”.

وأضاف أن المياه الضحلة الدافئة تحتوي على كمية أقل من الأكسجين الذي تحتاجه الأسماك وغيرها من أشكال الحياة البرية لتزدهر.

حظر خراطيم المياه

وفي وقت سابق الجمعة، أعلنت شركة “يوركشير” للمياه حظراً لاستخدام خراطيم المياه سيبدأ في 26 أغسطس، ما يمنع العملاء من استخدام الخراطيم لري الحدائق أو غسل السيارات أو ملء أحواض السباحة.

ودخل حظر الخراطيم والرشاشات لعملاء شركة “ساوث إيست” للمياه حيز التنفيذ الجمعة، بينما قالت شركة “تيمز ووتر”، التي تزود 15 مليون شخص في أنحاء لندن بالمياه، إنها تخطط أيضاً لفرض قيود.

المياه جواً للماشية والماعز

وواجهت أجزاء كبيرة من أوروبا أسابيع من درجات الحرارة المرتفعة التي تسببت في اندلاع حرائق غابات كبيرة، وأدت لانخفاض منسوب مياه نهر الراين في ألمانيا.

ودفعت سويسرا بطائرات هليكوبتر عسكرية لنقل المياه جواً إلى الأبقار والخنازير والماعز العطشى التي تعاني تحت أشعة الشمس الحارقة في مروج جبال الألب في البلاد.

وفي إسبانيا، تسببت العواصف الرعدية في اندلاع حرائق غابات جديدة وأُجلي مئات الأشخاص من مسار أحد الحرائق في مقاطعة كاسيريس.

مخاطر على الزراعة

ومع توالي موجات الحر التي اجتاحت أوروبا هذا الصيف، ودرجات الحرارة الحارقة وحالات الجفاف غير المسبوقة، عاد التركيز مجدداً على مخاطر تغير المناخ التي تهدد الزراعة والصناعة وسبل العيش.

ومن المتوقع أن يؤدي الجفاف الشديد إلى تراجع محصول الذرة في الاتحاد الأوروبي بنسبة 15 بالمئة، لينخفض إلى أدنى مستوى له منذ 15 عاماً، في وقت يواجه فيه الأوروبيون ارتفاع أسعار المواد الغذائية نتيجة انخفاض صادرات الحبوب من روسيا وأوكرانيا عن المعدل الطبيعي.

الشرق

زر الذهاب إلى الأعلى