تغيّر عادات مريض السكري تخفف المضاعفات وتسهّل الشفاء
أكد متخصّصون أهمية التوعية بداء السكري، بوصفه مسألة من مسائل الصحة العامة العالمية، فالتوعية هي الحل الأمثل لمنع انتشاره وتحسين الوقاية والتشخيص والتدبير العلاجي للحالة المرضية.
وشددوا على أهمية تغيير المريض عاداته الحياتية، ليتمكن من تخفيف مضاعفات المرض، والشفاء منه، بالحمية الغذائية والتمارين الرياضية وتناول العقاقير، والمتابعة المستمرة وإجراء التعديلات، وفقاً لحالة المريض، ليتخذ القرارات الصحيحة عند التعامل مع المرض والتعايش معه.
وأوضحوا أن مرض السكري من النوع الثاني، يمكن الوقاية منه باتباع أنماط الحياة الصحية. كما يمكن الكشف المبكر عنه بالفحوص الدورية، ويمكن تداركه في مرحلة ما قبل السكري، ومنع تطوره إلى الإصابة بالمرض، عبر خطة علاجية تعتمد على تعديل الحمية الغذائية وزيادة النشاط البدني في أغلب الحالات.
بحسب منظمة الصحة العالمية، فإن السكري واسع الانتشار بين كلا الجنسين في الدول الأعضاء في إقليم شرق المتوسط بمنظمة الصحة العالمية. ويراوح انتشاره في هذه البلدان من 3,5% إلى 30%. وإن ستة من البلدان العشرة ذات الانتشار الأعلى للسكري في العالم هي من الإقليم: البحرين والكويت ولبنان وعُمان والسعودية والإمارات. وبحلول عام 2025، من المتوقع أن يكون عدد المصابين بالسكري أكثر من الضعف في أقاليم إفريقيا وشرق المتوسط وجنوب شرق آسيا بمنظمة الصحة العالمية. وفضلاً عن ذلك فإن الكثير من البلدان في الإقليم تُبلغ حالياً عن ظهور السكري النوع الثاني في سن الشباب على نحو متزايد. ويرجع ذلك إلى أنماط الحياة القليلة النشاط على نحو متزايد، والسمنة. كما أن ارتفاع ضغط الدم والأمراض القلبية الوعائية في تزايد.
دمج السكري بالبرامج الوطنية
أكدت وزارة الصحة ووقاية المجتمع، أن الإمارات تحتل المرتبة الثانية عالمياً في تسجيل الأدوية المبتكرة، منها أدوية علاج السكري. كما أن الخطة الاستراتيجية التي وضعتها لمواجهة المرض، أسهمت في تراجع معدلات الإصابة بنسبة 6.8% خلال السنوات الأخيرة. وأوضحت أن دولة الإمارات حققت الكثير من الإنجازات البارزة في مكافحة مرض السكري، حيث تم دمج إدارة مرض السكري في كثير من البرامج الوطنية، مثل الأجندة الوطنية 2021، وأهداف التنمية المستدامة لدولة الإمارات 2030، والاستراتيجية الوطنية لجودة الحياة 2031.
ولفتت إلى أنه منذ إطلاق الأجندة الوطنية، وبدعم من جميع الجهات الصحية والشركاء انخفض معدل انتشار السكري من 18.6% إلى 11.8%، أي بمعدل 6.8 %، بفضل التطور الملحوظ لنظام الرعاية الصحية.
الذكاء الاصطناعي
وأكدت هيئة الصحة بدبي، أن لديها استراتيجية قوية متعددة الأوجه، تشمل جميع جوانب الوقاية من مرض السكري، واستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والتطبيب عن بُعد، لإدارة ومنع مرض السكري من النوع 2، بسبب السمنة والنظام الغذائي غير الصحي، وقلة النشاط البدني. وجميع مراكز الرعاية الصحية الأولية تعمل لضمان الوقاية والعلاج المبكر والإحالات المتخصصة والرعاية في الوقت المناسب. كما أنشأت الهيئة وحدات لأمراض الغدد الصم للبالغين والأطفال في مستشفى دبي، ومركزاً متخصصاً للسكري في دبي، يوفر أعلى مستويات الجودة في رعاية مرضى السكري المتعددة التخصصات.
400 مليون مصاب
وعلى الصعيد العالمي، تقدر منظمة الصحة العالمية، أن عدد المصابين بمرض السكري ارتفع من 108 ملايين عام 1980، إلى 422 مليوناً عام 2014. كما ترى المنظمة أن مرض السكري تاسع سبب رئيس للوفاة في عام 2019، مع ما يقدر ب 1.5 مليون وفاة ناجمة مباشرة عن المرض.
نسبة مرتفعة
أكد الدكتور علي محمد الدبيات، استشاري غدد صمّ وسكري، في «مستشفى برايم»، دبي أن مرض السكري مرتفع في دولة الإمارات بنسبة عالية، مقارنة بالمعدل العالمي، ويعود ذلك للكثير من الأسباب، الأول نوع مناعي، والارتفاع ليس بنسبة عالية جداً، أما الارتفاع الكبير في السكري فيكون بسبب البدانة، ونقص النشاط الجسدي والرياضي الذي يطغى على طابع الحياة هنا.
وقال: البدانة لها أسباب كثيرة، منها الغذاء المصنّع الغني بالسعرات الحرارية الدفينة، والاعتماد على السكريات المكررة بشكل كبير، ضمن أنواع الأغذية المتنوعة والسريعة التي يتناولها الناس بكثرة، مع قلة النشاط الجسدي، لارتفاع الحرارة العالي، مع الرطوبة العالية التي تتسبب وتقلل من القدرة علي القيام بالنشاطات الخارجية، واعتماد الناس على وسائل النقل بشكل كبير، بدلاً من المشي أو ركوب الدراجة الهوائية.
وأضاف: الأطعمة والمواد الاستهلاكية لها دور كبير في البدانة وفي مقاومة الإنسولين، وفي تطور السكر من النوع الثاني، وكذلك الاستعداد الوراثي للناس هنا في الإمارات يزيد خطر الإصابة بالسكري، ونقص النشاط الجسدي الذي يساعد على حرق الغلوكوز والدهون، ما يؤدي إلى تراكم الدهون بالجسم، ما يزيد من مقاومة الإنسولين ويؤدي إلى الإصابة بالسكري.
وقال: مرض الاضطراب السكري يسبب مشاكل كثيرة بالجسم على المدى البعيد، ومنها الإصابات الكلوية والجفاف، ما يؤدي إلى فشل كلوي على المدى البعيد أو اضطراب في أعصاب الجسم المتعددة، بما فيها الجهاز العصبي أو الهضمي أو الجهاز الحسي بالقدميين، أو الدماغ أو القلب أيضاً. ارتفاع السكري يؤذي الأوعية الدموية الكبيرة والصغيرة، ويؤدي إلى اعتلال الشبكية واضطراب الكلية، واضطراب العصب المحيطي، ويمكن كذلك أن يؤدي إلى السكتات الدماغية والأزمات القلبية وانسداد الشرايين.
وأضاف: نسبة الإصابة بالسكري في الدولة ليست قليلة مقارنة بعدد السكان وهذه النسبة تزيد مع العمر. ولكن في السنوات الأخيرة بدأت تظهر حالات من ارتفاع السكري لدى صغار السن أو اليافعين، لارتباط السكري بالبدانة وكلاهما يؤدي إلى مشاكل وعراقيل كبيرة منتشرة في الدولة منها ارتفاع الضغط والكوليسترول واعتلال الأعصاب والاضطرابات القلبية وحتى اضطرابات المفاصل والعضلات.
عدد من الحلول
وعن الحلول، قال: لا يوجد حل واحد لعلاج السكري؛ بل يجب العمل علي عدد من الحلول في الوقت نفسه، ومن ذلك.. يجب تثقيف الناس بالغذاء الصحي والابتعاد عن الأغذية المصنعة قدر المستطاع، وتثقيف الناس عن قدر السعرات الحرارية التي يستخدمونها يومياً للتخفيف من الإصابة بالبدانة والسكري، وتشجيع النشاط البدني والرياضي، وهذا يبدأ من النشاط المدرسي إلى النشاط المهني والعملي الذي يساعد على تخفيف البدانة وتجنب الإصابة بالبدانة والسكري.
لافتاً إلى أن التثقيف مهم جداً ويمكن أن يكون هذا على صعيد الدولة من المدارس إلى الجامعات. والعناية الصحية يجب أن تكون بتدريب الأطباء وأخصائيي التغذية الصحية، حيث يكون لهم دور كبير في نشر الوعي لدى الناس للالتزام بنظام حياة صحية ورياضية طبيعية. أما بالنسبة لمرضى السكري، فيكون بالعلاج الذي يصفه الطبيب مهماً جداً ويجب الالتزام به حتى نتفادى العراقيل والمشاكل المرتبطة أو المستقبلية علي المدى البعيد.
الكشف المبكر
وأكد د.هشام حرب، استشاري الغدد الصماء في مستشفى الإمارات التخصصي في مدينة دبي الطبية، أن نسبة الإصابة بالسكري قد تكون مرشحة للزيادة في الأعوام القادمة، بحسب تقارير الاتحاد العالمي للسكري.
وقال: يوجد عدد كبير من المصابين بالسكري لكن لم يشخّصوا بعد، بسبب غياب الأعراض الدالة على المرض، لذلك لا بدّ من تفعيل برامج الكشف المبكر والوقاية من السكري. بالرغم من أنه لا يمكن تجاهل الأسباب الوراثية لمرض السكري. لكن تبقى العوامل البيئية مهمة جداً وعلى رأسها النمط الغذائي غير الصحي وقلة النشاط البدني والضغوط النفسية.
النشويات والسكريات
وأضاف: تناول الوجبات الغنية بالنشويات والسكريات، الذي هو جزء من العادات الغذائية في المنطقة، عامل مهم في تفاقم المرض عند من يوجد لديه استعداد للإصابة. وانتشار تناول الوجبات السريعة، خاصة بين الأطفال والمراهقين، ما يزيد احتمال إصابتهم بالمرض.
وتناول وجبات صحية متوازنة مثل الحمية المتوسطية (Mediterranean diet) الغنية بالخضروات والفواكه والحبوب الكاملة بكميات معتدلة و البقوليات وزيت الزيتون والأسماك ومشتقات الحليب، عامل مهم في الوقاية من السكري والكثير من الأمراض المزمنة الأخرى. وأوضح أن أرقام سكر الدم المرتفعة لفترة طويلة من الزمن، تؤدي إلى تلف في الأوعية الدموية المنتشرة في كل أنحاء الجسم، وهذا يشمل الأوعية الكبيرة الحجم والصغيرة الحجم. لذا مضاعفات مرض السكري تشمل معظم أعضاء الجسم وخصوصاً«الكلية والعين والقلب والدماغ والأعصاب». لافتاً إلى أنه على الرغم من التوعية المستمرة وتوافر علاجات مهمة للمرض، يبقى، للأسف، مرض السكري من أهم أسباب القصور الكلوي، ونقص التروية القلبية، الجلطات الدماغية والعمى.
زيادة الوزن
وقال: مرض السكري من أكثر الأمراض انتشاراً، لارتباطه بمشاكل السمنة وزيادة الوزن على الخصوص، إلى جانب أمراض أخرى واسعة الانتشار، مثل أمراض شرايين القلب التاجية التي تؤدي إلى الجلطات القلبية، وارتفاع ضغط الدم وبعض أنواع السرطانات، والحلول متعددة وتبدأ بالوقاية من حدوث المرض وتطوره، عن طريق الكشف المبكر للمرض، أو التشخيص بمرحلة ما يسمى «ما قبل السكري»، عند الذين لديهم عوامل خطورة للإصابة بمرض السكري مثل: السمنة والوزن الزائد، وقلة الحركة والنشاط البدني، متلازمة المبيض المتعدد الكيسات عند الإناث، ووجود قصة عائلية، ارتفاع ضغط الدم والكولسترول والدهون الثلاثية، وأمراض شرايين القلب التاجية والجلطات الدماغية والإصابة السابقة بالسكري أثناء الحمل. لافتاً إلى أن إنقاص الوزن عند الذين يعانون السمنة بمعدل ١٥ إلى ٢٠ % من وزن الجسم قد يمنع تطور المرض والسيطرة عليه بشكل ممتاز. أما بعد تشخيص المرض، فمن المهم جداً إجراء الفحوص الدورية لاكتشاف أي مضاعفات، قد تصيب أعضاء الجسم، بوقت مبكر وعلاجها بالطريقة المناسبة. لافتاً إلى أن الالتزام بنمط صحي غذائي وممارسة الرياضة وتناول الأدوية التي ينصح بها الطبيب وزيارته بشكل منتظم، كلها عوامل تؤخر من الإصابة بالمضاعفات وربما تمنع حدوثها. ويجب أن يعرف مريض السكري الكثير عن مرضه، ليتأقلم معه ويمنع تطوره ويتمتع بنوعية حياة جيدة.
هجوع المرض
من جهة أخرى، تظهر الدراسات أيضاً، بأن احتمالات هجوع المرض والشفاء منه تزداد كثيراً في الحالات الآتية: مدة مرض السكري التي لا تزيد على 5 سنوات، ووجود السيطرة السابقة على المرض وإبقاء الخضاب السكري HbA1c أقل من 8%، وكذلك عند المرضى الذين لا يستعملون الكثير من الأدوية لعلاج المرض. وأضاف: من المؤسف حقاً أن يصل عدد مرضى السكري من النوع الثاني في العالم إلى نحو 500 مليون مصاب، بالرغم من إمكانية الوقاية وكذلك الشفاء منه. والمعرضون لحدوث مرض السكري (النوع الثاني) يجب فحصهم حتى دون وجود الأعراض، والمعرضون هم من في عمر 45 سنة أو أكثر، وزيادة معدل الوزن/ الطول مع وجود أحد الأسباب الآتية: الخمول البدني، أو أحد الأقارب مصاب بالمرض، أو وجود مرحلة ما قبل السكري سابقاً، ومرض تكيسات المبيض، وزيادة الضغط عن 140/90، وارتفاع الشحوم الثلاثية، وانخفاض الكوليسترول الحميد، وحدوث السكري الحملي في السابق، وإنجاب طفل وزنه أكثر من 4 كغ، ووجود أمراض وعائية.
يقول د. بشار الأفندي، من مستشفى توام: صحيح أن النوع الأول من مرض السكري، وهو الذي يبدأ في عمر مبكر نسبياً، بسبب عدم تصنيع الإنسولين بشكل قطعي منذ البداية، هو مرض غير قابل للشفاء حالياً، ولكن الحقيقة العلمية تثبت أن النوع الثاني (وهو النوع الشائع عند كبار العمر وبعض الصغار) مرض قابل للشفاء، وتسهم الكثير من العوامل المسببة لحدوث النوع الثاني من مرض السكري في نقص (فاعلية) هرمون الإنسولين التدريجية، بالرغم من وجوده بكميات مرتفعة في البداية، ما يتسبب في ارتفاع مستويات السكر في الدم، وحدوث الاختلاطات المعروفة. وقال: لا شك بأن التدخل المبكر لمنع (إعياء) خلايا البنكرياس، هو المبدأ الأساسي في شفاء مرض السكري، وتؤكد الدراسات أن تنزيل الوزن والالتزام بالحمية يعيدان فاعلية الإنسولين المتوافر أولاً، ومن ثم نشاط خلايا البنكرياس وفاعليتها. كما يساهمان في توظيف بعض الخلايا المتخصصة (الهاجعة) لتصبح خلايا بيتا قادرة على صنع الإنسولين. وتؤكد الدراسات المتعددة أن خسارة أي كمية من الوزن والمحافظة على الوزن الجديد، تمنح العديد من الفوائد الطبية التي تشمل: تحسين مستوى السكر في الدم، تخفيف الأعراض، منع حدوث المضاعفات وعلاج المضاعفات.
المصدر/ الخليج الإماراتية