«الحرب ضد كورونا» تعطّل حياة الإيطاليين
هذه ليست إيطاليا التي أعرفها، تضجّ بالحركة، وتجري الحياة في عروقها بفرح غالباً ما يلامس العبث. ثمّة غلالة من الكآبة تنسدل على «البلد الجميل» (Il Bel Paese) منذ أن تيقّن الجميع أنه لا بد من تغيير أسلوب الحياة، والتكيّف مع ما تقتضيه هذه الحرب ضد وباء «كورونا».
مدن الشمال تنطوي على ذاتها في قلق وخوف من المجهول، فيما تنعزل تدريجيّاً عن بقيّة العالم، وروما التي تعجّ عادة بالسيّاح تبدو مقفرة كأنها تترقب حدثاً جليلاً. حتى «المآثر» العاطفية لسيلفيو برلوسكوني، الذي قارب التسعين، وقرر أن يبدأ مغامرة عاطفية جديدة مع برلمانية في الثلاثين من عمرها، لم تعد تثير الاهتمام.
يوم الأربعاء الماضي، لم يتردد رئيس الوزراء جيوزيبي كونتي، في استخدام مصطلح «الحرب» عندما خاطب مواطنيه، ليعلن قرار إقفال جميع المدارس والجامعات، وإجراء مباريات كرة القدم من غير جمهور، وحظر التجمعات الكبرى، في هذا البلد الذي يقضي أهله حياتهم في الشوارع والساحات. ودعا المسنّين والمرضى، الذين يعانون من ضعف أصيل أو ناشئ في نظام المناعة، إلى عدم مغادرة منازلهم إلا في حال الضرورة القصوى، ليضيف: «هذه حرب لا سابقة لها، لكننا لن نستسلم، ومعاً سننتصر».
لكن خطاب كونتي الذي أعلن فيه أيضاً مساعدات بقيمة 5.7 مليار يورو للمؤسسات والعائلات، لم يساعد على تهدئة الأجواء السياسية المحمومة، ولم يبعث على الطمأنينة التي أصبح المجتمع الإيطالي بأمسّ الحاجة إليها بعدما قارب عدد الإصابات أربعة آلاف، وتضاعف عدد الوفيّات ثلاث مرات في غضون أربعة أيام ليصل إلى 148.
هذا الوضع المتأزم صحيّاً واقتصادياً وسياسياً استدعى ظهور رئيس الجمهورية سرجيو ماتريلا، لتوجيه رسالة رسمية إلى المواطنين، داعياً الجميع إلى التقيّد بالإجراءات التي تتخذها الحكومة للخروج من الأزمة وتحييدها عن الصراعات السياسية.
كانت وزارة الصحة قد وضعت خطة عاجلة لزيادة عدد وحدات العناية الفائقة بنسبة 50 في المائة، وشبه الفائقة بنسبة 100 في المائة، فيما كان المفوّض الحكومي المكلّف تنسيق حالة الطوارئ يشدّد على أن الأولوية ما زالت احتواء انتشار الوباء الذي وصل صباح أمس الخميس، إلى المنطقة الوحيدة التي كانت خالية منه وتقع عند سفح جبال الألب. وفي الساعات الأخيرة، بدأ الخوف يتمدد أيضاً في المقاطعات الجنوبية التي يزداد عدد الإصابات فيها، وحيث تعاني منظومتها الصحية من عجز كبير في التجهيزات والموارد البشرية. وتفيد السلطات الصحية في صقلية بأنه في حال تجاوز عدد الإصابات المائة، لن تتمكن مستشفيات الجزيرة من استيعابها.
اللجنة العلمية التي شكّلتها الحكومة في بداية الأزمة، وقالت إنها تعتمد على تقاريرها وإرشاداتها لاتخاذ الإجراءات الوقائية، شكّكت في نجاعة قرار إقفال المدارس والجامعات، لاعتبارها أنه «لا توجد قرائن علمية كافية تبرّر هذه الخطوة في الوقت الحاضر»، خصوصاً وأن بقاء حوالي 9 ملايين طالب في بيوتهم له تداعيات اجتماعية واقتصادية لن يكون من السهل معالجتها في مثل هذه الظروف. لكن رئيس بلدية ميلانو، جيوزيبي سالا، قال إن إجراءات الحكومة صائبة، وتوقع أن تكون بداية العودة إلى الحياة الطبيعية في المدينة بعد أسبوعين. تجدر الإشارة إلى أن ألمانيا وفرنسا قرّرتا عدم إقفال المدارس لعدم جدوى هذا الإجراء.
كانت جهات علمية عدة في إيطاليا قد وجهت انتقادات قاسية إلى الاتحاد الأوروبي، لتأخره في التحرّك من أجل تنسيق الجهود والإجراءات في الدول الأعضاء، كما انتقدت الحكومات الأوروبية التي تتصرّف بصورة منفردة لمواجهة الأزمة «ما يؤدي إلى بعثرة الجهود وزيادة مخاطر الانتشار، ويجعل من الصعب احتواء الوباء»، كما قال البروفسور بوناردي أستاذ العلوم الجرثومية في جامعة بولونيا.
وأفيد، أمس الجمعة، عن أول إصابة مؤكدة داخل الفاتيكان، في الوقت الذي تتردد أنباء عن احتمال إصابة البابا فرنسيس بالفيروس، بعد أن ألغى مشاركته وظهوره في احتفالات منذ الثلاثاء الماضي. لكن مكتب الناطق بلسان البابا أكّد أن فرنسيس يتعافى من حالة زكام عادي، وأن نتائج فحصه لـ«كوفيد – 19» جاءت سلبية.
aawsat