مقالات رئيس التحرير

د. علي الجابري : لا تغتصبوا نادية مراد مرة أخرى؟!

ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بالتعليق بعد الاعلان عن فوز العراقية الايزيدية "نادية مراد"، بين مؤيد ومعارض، بينما قام كثيرون بالنيل منها مرة أخرى، بذريعة إنها لا تستحق الجائزة لوجود المئات من الايزيديات غيرها قد تعرضن للاغتصاب، بينما راح البعض الى أبعد من ذلك وأتهمها بالخيانة العظمى لزيارتها "إسرائيل" وغير ذلك من الاتهامات.

نعم .. ان هذه الفتاة الايزيدية لم تكن ضحية التنظيم الارهابي لوحدها، لكنها كانت أيقونة الدفاع عن قضية يندى لها جبين الانسانية جمعاء ، شعوباً وحكومات، وخاصة أولئك التي كانوا يجدون في تنظيم داعش الارهابي ممثلاً عن الاسلام وذراعه الطولى في الوقوف بوجه "الكفر"!!

سُبيت ومعها المئات من الفتيات الايزيديات، وقُتلت والدتها واخوتها الستة، وتتابع "كلاب النار" على إغتصابها "بإسم الاسلام" وهو براء منهم، وتمكنت بشجاعة من الهرب من هذا التنظيم الظلامي، وأخذت على عاتقها مهمة الدفاع عن الفتيات الايزيديات اللواتي عانين من الظلم والاستعباد الجنسي اللاإنساني ، لتذكّر العالم أجمع بتقصيره في واجبه بمحاربة خفافيش الظلام حتى إستباح الوطن وإستباح فتياته العذراوات؟!

بالمقابل ، ليس فخرا لاحد ان تفوز نادية مراد بهذه الجائزة ، لا للحكومة العراقية التي يقع على زعيمها انذاك "نوري المالكي" الذنب الاكبر في السماح لتنظيم داعش الارهابي بإستباحة ثلثي الاراضي العراقية، وقتل خيرة شباب العراق، من ضحايا سبايكر، مروراً بالفتيات الايزيديات، وليس إنتهاءً بآلاف الشباب الذي ضحوا بدمائهم من أجل استعادة الارض التي ضاعت بسبب نزوات المالكي ورعونته وطائفيته، التي أوصلت العراق الى حافة الانهيار، من أجل أن يدوم حكمه على أنقاض الوطن المتهالك!!

كما إنه ليس فخراً للكثير من العراقيين والعرب الذين كانوا يساندون علناً أو خفاءاً هذا التنظيم الارهابي ، وينظرون إليه على أنه منقذ العرب السنة من "الشيعة الصفويين"، بينما اغلب ضحاياه كانوا من المناطق السنية في العراق!! ولم يفرق في إرهابه بين شيعي وسني وكردي أو أيزيدي، فكل من يخالف فكره ونهجي يجب ان يذبح بإسم الدين!!

وليس فخراً لحكومات العالم اجمع أن تصمت على سبي الايزيديات كما سُبي العراق من هذا التنظيم الظلامي ، وتنتظر حتى تخرج نادية مراد بشجاعة فائقة لتكشف عورات العالم ، وتدفعه الى التحرك إنسانياً.

نادية مراد لم تكن أول ولا آخر الضحايا، لكنها كانت صوتهم الشجاع الذي إنطلق ببراءة ليذكر العالم بتقصيره بحق العراقيات اللواتي تعرضن للسبي والاغتصاب والقتل، لعلها تمكنت من إيقاظ من لديهم ضمائر في العالم، لانقاذ ما تبقى من الفتيات العراقيات؟!

أما اولئك الذين إتهموها بزيارة "إسرائيل" أو إنها تخضع لاجندات منظمات خفية تحركها، فأقول لهم : لا تغتصبوها مرة أخرى بكلامكم واتهاماتكم هذه، ولا تحملوها أكثر مما لا طاقة لها به، لانها فتاة بسيطة مسالمة غير متحزبة ، جُلَّ اهتمامها ينصب على نقل معاناة شقيقاتها اللواتي ما زال مصير المئات منهن مجهولاً، وبدلا من أن تلعنوها وترمونها بسهام الخيانة العظمى، حاسبوا الحكومات التي تفتح تمثيلاً رسمياً لـ "إسرائيل" في بلدانها، وحاسبوا المسؤولين والسياسيين الذين يحُجّون الى "تل أبيب" وكثير منهم من العراقيين؟! لان هؤلاء يذهبون مع سبق الاصرار والخيانة !! 

ضعوا أنفسكم مكان نادية مراد ، وجربوا ان تتذوقوا مرارة معاناتها وفقدانها كل أفراد عائلتها ثم إرموها بحجر؟! 

 

 

رئيس تحرير صحيفة يورو تايمز

 

زر الذهاب إلى الأعلى