أخبار

“مكتب خدمات المجاهدين”.. النواة الأولى لتنظيم القاعدة

يُعتبر مكتب "خدمات المجاهدين العرب" الذي أسسه عبدالله عزام، في بيشاور ليكون بيتاً للمهاجرين عام 1984، حاضنة التكفيريين الوافدين إلى أفغانستان، وشَكَّل المكتب بالتعاون مع "معسكر مأسدة الأنصار"، و"بيت الأنصار" 1984، اللذين أسسهما أسامة بن لادن المدرسة الأساسية للمسلحين الأفغان.

انبثقت من تلك المدرسة تيارات تكفيرية شديدة الخطورة كتنظيم "القاعدة" 1988، وكذلك تنظيم "داعش" الذي ظهر وانتشر في سوريا والعراق منذ 2003، إضافة للعديد من التنظيمات الأخرى التي غالبيتها منشقة عن تنظيم "القاعدة".

ولد عبدالله عزّام، في حنين الفلسطينية عام 1941، وكانت وقتها لا تزال تحت الانتداب البريطاني، وبعد أن نال درجة الليسانس في الشريعة من جامعة دمشق، ثم سافر إلى القاهرة ليحصل على شهادة الماجستير من جامعة الأزهر عام 1969، وبعدها ارتحل إلى الأردن، وعمل بوزارة الأوقاف، ثم مدرساً وأستاذاً بالجامعة الأردنية، وقد تقرب من جماعة الإخوان، حتى حصل على مكانة كبيرة عند الإخوان والسلفيين الجهاديين.

في عام 1980؛ أصدر الحاكم العسكري الأردني قرارا بفصل عزام من عمله، فانتقل إلى السعودية للتدريس في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، ثم طلب أن يُعار عام 1981 إلى الجامعة الإسلامية الدولية بـ"إسلام آباد"، عاصمة باكستان؛ ليكون قريبا من حركة "الجهاد الأفغاني".

بدأ عزام العمل المسلح مع المجاهدين الأفغان عام 1982، وبعد أن استقر في مدينة بيشاور الباكستانية القريبة من الحدود الأفغانية شَكَّل أول خلية للمجاهدين العرب عام 1984؛ حيث قام بتأسيس "مكتب خدمات المجاهدين"، وهو هيئة إغاثة للمجاهدين امتد نشاطها إلى كشمير شرقا والبوسنة غربا، وتتفرع عن المكتب بيوت للضيافة، اشتهرت في سنوات 1985 – 1991؛ حيث استضافت المئات من العرب، ووفر المكتب عددا من المندوبين لاستقبال المجاهدين وإعدادهم عسكريا وبدنيّا وروحيّا.

فكان لا يتوقف عند حدود العمل الدعوي، لكنه نقل الأمر إلى المستوى التنظيمي والتدريبي، وشارك المركز في تطوير صيغة الجهاد الأفغانية تحت قيادة عزام، الذي تولى التوجيه والقيادة الروحية إلى جانب أسامة بن لادن، وتولى مسؤولية تمويل إمارة المجاهدين، وائل حمزة جليدان، الذي تتهمه السلطات الأمريكية بأنه وفر دعما ماليّا ولوجستيّا لتنظيم "القاعدة"، وترك دراساته العليا في إحدى الجامعات الأمريكية ليتولى النواحي الإدارية والتنظيمية.

واستمر الثلاثة في إرسال بعثات الجهاد والإغاثة إلى الولايات الأفغانية، وكانت كل بعثة إغاثية مشكَّلة من نحو 10 أفراد مهمتهم إيصال الدعم المادي، وشراء السلاح، وفتح المدارس والمستوصفات، وضمت كلُّ بعثة معلمين وأطباء؛ كثيرا ما كانوا يتحولون إلى مقاتلين، وقُتِلَ غالبيتهم في مختلف الولايات الأفغانية.

التمويل
عمل مكتب الخدمات على كسب تمويله من خلال جمع التبرعات من العديد من البلدان الغربية، والولايات المتحدة؛ حيث أُنشِئت فروع المكتب في أكثر من 33 مدينة أمريكية؛ من أجل دعم الجهاد الأفغاني المسلح، أغلق معظمها في أعقاب حادث الحادي عشر من سبتمبر(آيلول) 2001، فعلى سبيل المثال Global Relief Foundation المؤسسة العالمية للإغاثة الخيرية، ومقرها بريدج فيو، بولاية إلينوي، تأسست عام 1992، وهي ثاني أكبر مؤسسة خيرية إسلامية في الولايات المتحدة كانت على علاقة بمكتب خدمات المجاهدين، كما أسهمت هذه الفروع في التجنيد المباشر؛ حيث التحق نحو 200 مهاجر من الشباب العربي، تم تدريبهم في الولايات المتحدة بحركة الجهاد الأفغاني.

وأمد "مكتب خدمات المجاهدين" قوافل المجاهدين بالتجهيزات اللازمة لإتمام عملها الجهادي المسلح، كما ساعد في ترحيلهم وتوزيعهم على جبهات القتال المختلفة، وشارك في الاعتناء بضحايا الحروب والجرحى.

امتد دور المكتب للعناية بأسر وأبناء القتلى من الجهاديين؛ حيث افتتح قسما لكفالة الأيتام والأرامل داخل أفغانستان، وبناء عدة دور للأيتام، وكان أحد الأدوار الرئيسية للمكتب عمليات الحشد الدعوي والخطابات الحماسية، التي تُسهم في رفع معنويات المسلحين الأفغان.

وأدى المكتب دورا مهمّا في تشكيل لجنة العلماء المعنية بإصدار الفتاوى التي يحتاج إليها الجهاديون للاستمرار في حربهم، وما يطرأ عليهم من إشكاليات ومسائل فقهية مختلفة.

القاعدة
في ظل التعاون بين عزام وبن لادن، خلال عام 1986 تم إنشاء ستة معسكرات لتدريب وتجنيد الشباب الحالم بمغامرات الجهاد المسلح.

ليشهد عام 1988 إنشاء قاعدة معلومات، باسم "سجل القاعدة"، تشمل تفاصيل كاملة عن حركة المجاهدين العرب قدوما وذهابا والتحاقا بالجبهات، ومن طبيعة هذا السجل تبلور اسم واحد من أخطر التنظيمات الإرهابية في العالم، وهو تنظيم "القاعدة"، على أساس أن "سجل القاعدة"، تَضَمَّنَ كلَّ التركيبة المؤلفة من "بيت الأنصار"، أول محطة استقبال مؤقت للقادمين إلى الجهاد قبل توجههم للتدريب، ومن ثم الإسهام في الجهاد ومعسكرات التدريب والجبهات.

واستمر استعمال كلمة "القاعدة" من قِبَل المجموعة التي استمر ارتباطها بأسامة بن لادن، والذي تولى "مكتب الخدمات" إدارته، وأصبحت السجلات مثل الإدارة المستقلة.

وبعد مقتل عبدالله عزام 1989 مع اثنين من أولاده عن طريق لغم أرضي، أصبح "مكتب خدمات المجاهدين" تحت قيادة بن لادن، الذي صار مسيطرا على المشهد الجهادي في أفغانستان، حتى مقتله عام 2011.

ثم تسلم مهام التنظيم خليفته أيمن الظواهري الزعيم الحالي لتنظيم "القاعدة"، الذي أنشئ قبل شهور قليلة من مقتل عبدالله عزام، ومن حينها لم يعد يظهر المكتب بصورة منفردة، بل كأداة من أدوات تنظيم "القاعدة".

 
 
 
 
 
24
زر الذهاب إلى الأعلى