كشف المستور

باريس تكشف تفاصيل تصفية زعيم فرع «القاعدة} المغاربي

 

باريس / الشرق الاوسط

يوم الثلاثاء في 3 يونيو (حزيران) الحالي، اتصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون صباحا بنظيره الجزائري عبد المجيد تبون. وعقب الاتصال صدر في باريس والجزائر بيانان تقليديان يتحدثان عن عزم البلدين على التعاون وتعزيز العلاقات الثنائية والتباحث في موضوعي ليبيا ومنطقة الصحراء. 

وجاء في البيان الجزائري أن الرئيسين «اتفقا على التنسيق فيما بينهما من أجل وضع حد لمعاناة السكان وإعادة فرض الأمن والاستقرار في المنطقة». لكن الحقيقة أن الهدف المقصود من الاتصال الهاتفي، وفق ما تسرب من معلومات، هو أن الرئيس الفرنسي أراد إطلاع نظيره الجزائري على العملية الرئيسية التي كانت تحضر لها القوات الفرنسية شمال مالي ولكن على مقربة عشرين كلم من الحدود الجزائرية نظرا لـ«الحساسية» الجزائرية إزاء كل ما يحصل عسكريا قريبا من الحدود. يضاف إلى ذلك أن المستهدف وهو زعيم «القاعدة في بلاد المغرب»، جزائري الجنسية وكذلك جنسية العديد من مساعديه.
وبالفعل، فإن مجموعة مجوقلة من القوات الخاصة الفرنسية العاملة في مالي تحت اسم «السيف» نفذت إنزالا، عصر ذاك اليوم، في واد يقع على بعد 80 كلم شرق مدينة تسالي المالية مستهدفة عبد الملك درودكال زعيم «القاعدة» ومن معه. 
ونجحت المجموعة في القضاء على دروكال وعلى عدة كوادر رئيسية من «القاعدة» كانوا برفقته وهو ما اعتبرته باريس «إنجازا رئيسيا» في الحرب على الإرهاب.
وللتذكير، فإن فرنسا تنشر في المنطقة قوة «برخان» المؤلفة من 5100 عسكري ومهمتها الرئيسية محاربة التنظيمات الإرهابية الناشطة في منطقة الساحل، وأهمها اثنتان: «القاعدة» وتنظيم «داعش» في الصحراء الكبرى. الوادي المشار إليه يقع قريبا من قرية تل خندق وهو مجرى مياه تأتيه الإبل والماشية وهو المكان الذي اختاره درودكال للاجتماع مع مساعديه. ولا تنفي المصادر الفرنسية أنها استفادت من معلومة نقلتها المخابرات الأميركية بفضل مسيراتها «درون» المرابطة في قاعدة شمال النيجر، وبفضلها تغطي استعلاميا مساحات شاسعة في منطقة الساحل. وثمة تعاون استخباري وثيق بين الطرفين الفرنسي والأميركي في المنطقة. 
ويفيد الجانب الفرنسي بأنه استفاد من «معلومات مصدرها أطراف أخرى» لكنه يرفض الكشف عن هويتها تاركا لها حرية الحديث عن ذلك. والثابت أن العملية العسكرية نفذتها «مجموعة تدخل مشكلة من طوافات ووحدات أرضية وذلك بدعم وحماية من الطيران» الفرنسي ولم تتم العملية إلا بعد التأكد من «الهدف». 
ووفق عدة تقارير، فإن المخابرات الفرنسية «فوجئت» بوجود درودكال في هذه المنطقة إذ كان الرأي السائد أنه يتحرك على الحدود الجزائرية – التونسية وليس شمال شرقي مالي وقرب حدود الجزائر. 
وينطبق على درودكال التعبير الفرنسي الذي يسمي هدفا رئيسيا «سمكة كبرى» بالنظر لموقعه ودوره القديم في «النشاط» الإرهابي من الجزائر إلى أفغانستان إلى الساحل الأفريقي. ويعد درودكال مهندس إطلاق «التجمع من أجل نصرة الإسلام والمسلمين» الذي يديره إياد أغ غالي المنتمي إلى طوارق مالي.
بعد التأكد من هوية درودكال ومن مكانه بدقة، كان درودكال مع أربعة من معاونيه خارج سياراتهم وقد افترشوا الأرض. واقتربت منهم مجموعة من 15 فردا من القوات الخاصة أنزلت بالطوافات الثلاث. 
وفي الوقت عينه، كانت مسيرة فرنسية من طراز «ريبير» تراقب ما يحصل ميدانيا إضافة إلى طائرة حربية مستعدة للتدخل. ومع اقتراب القوة، حصل تبادل لإطلاق النار وقتل درودكال وتوفيق الشايب الذي كان يدير التنسيق مع «التجمع» ويهتم بدعاية «القاعدة». وإضافة إلى ثلاثة قتلى، تم أسر الرابع الذي تم استنطاقه ثم سلم للسلطات المالية. وعثرت المجموعة على وثائق وحواسيب وهواتف جوالة. وتفيد باريس بأنه تم دفن درودكال في المكان الذي قتل فيه.
تعتبر باريس أن ما حققته نجاحا رئيسيا. إلا أن خبراء منطقة الساحل يعتبرون أن ما تحقق «لن ينهي المشكلة» فيها. وأشارت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي، أكثر من مرة في الأسابيع الأخيرة، إلى أن قوة «برخان» استطاعت أن تسجل العديد من النقاط في الحرب على الإرهاب وأن فرنسا تعول على المزيد منها عندما تصبح قوة «تاكوبا» قيد التشكيل التي ستتكون من وحدات كوماندوس أوروبية جاهزة للعمل مع نهاية الصيف القادم.
وفي السياق عينه، أطلقت باريس أمس ائتلافا واسعا يضم دولا أفريقية وأوروبية لمواجهة التنظيمات الإرهابية في المنطقة ولدعم القوات المحلية والقوة الأفريقية المشتركة المسماة «جي 5». 
وكان من المقرر أن تستضيف باريس اجتماعات عبر الإنترنت بمشاركة 45 وزيرا للدفاع والخارجية لإطلاق الائتلاف الذي أُدخلت عليه تعديلات وجرى الإعلان عنه لأول مرة في قمة عقدت في يناير (كانون الثاني) الماضي.
ولا تخفي باريس منذ سنوات رغبتها في الحصول على دعم أوروبي ودولي مادي وعسكري أوسع للحرب على الإرهاب في منطقة الساحل. ووعدت السعودية العام الماضي بتقديم 200 مليون دولار للقوة الأفريقية المشتركة فيما دولة الإمارات وعدت بتقديم 100 مليون دولار. ومن المقرر أن تعقد قمة فرنسية – أفريقية في موريتانيا الشهر القادم لمتابعة ما تقرر في قمة مدينة بو الفرنسية «جنوب غربي البلاد».

زر الذهاب إلى الأعلى