آراء

جلال النداوي : كلام آخر.. في حادثة إحراق قناة دجلة الفضائية

ترددت كثيرا قبل ان اشرع في كتابة هذه السطور بسبب خشيتي من ان اجد نفسي في اتون مايجري بالشارع العراقي من حماقات اخرها ماقام به بعض الرعاع ممن استهتروا ولم يجدوا مايردعهم ، واخص بالذكر ماشهدته مكاتب قناة دجلة الفضائية في بغداد من غوغائية فوضوية همجية احرقت المبنى وحطمت اجهزة البث والاقسام الفنية والادارية ..

لااعتقد ان المشهد يحتاج الى الاسهاب في شرح الاسباب والدوافع التي تقف وراء هذا الاعتداء الذي لايمكن ان يصنف بمعزل عما يجري في العراق من تجاوزات لاطراف توصف بأنها تنتمي للطائفة الشيعية على جزء اخر في المجتمع ، من خلال فرض ارادات غير مستساغة ولامقبولة ،، فمثلا الاعتراض على قناة دجلة الغنائية التي استمرت في بثها بينما تحيي الطائفة الشيعية مراسم العاشر من محرم ، هو واحد من صور محاولات فرض هيمنة هذه الطقوس على المجتمع بأكمله .. 
ولكي ندخل في الموضوع مباشرة نقول انه لا وجود لما يملي ويحتم على المؤسسات المجتمعية كما بقية الاديان والمذاهب في العراق لا قانونيا ولا شرعيا التقيد بهذه المراسم ، الا ان العراقيين وعلى مدى تاريخهم درجوا على احترام مشاعر الاخوة التي تربطهم فيما بينهم بما يترجم روح التعاطف الانساني تقديرا لهذه المناسبة او غيرها .. 
ولكن الملفت انه وبعد التمدد الايراني في العراق وتحديدا في السنوات الاخيرة بدأت الحركات والأحزاب الموالية لايران بمحاولة فرض هيمنتها على بقية اطياف المجتمع لاجبارها على الانصياع للالتزام بتطبيق تقاليدها وشعائرها بالقوة وبأساليب استفزازية كثيرة غير مألوفة لدى العراقيين بما يثير حفيظتهم وانزعاجهم ..
وامام هذه الظاهرة التي باتت تتجدد في كل عام انبرى عدد غير قليل من المثقفين وذوي الرأي من ابناء الطائفة الشيعية بمعارضة هذا النهج ، بينما بقي العتب على عدد كبير منهم ممن التزموا جانب الصمت واتخذوا موقفا متفرجا امام العديد من جرائم القتل الوحشي والتعذيب والتغييب والاعدامات بالجملة والانتهاكات لعراقيين من أبناء جلدتهم دون ان يدلوا ولو بكلمة تعبيرا عن رفضهم لهذه السلوكيات ، لاسيما ان ممارسات جرت خلال الاعوام الماضية ومازالت اقل مايقال عنها انها غير اخلاقية وابرزها محاولات الاستقواء على الاخر المدعومة بقوة السلطة وتحديدا في المناطق والمحافظات الغربية التي لاوجود فيها للشيعة اطلاقا..
ومن وجهة نظرنا المتواضعة فأنه لابد ان يتكفل الجميع بالعمل على منع نشر النزعات الطائفية والعمل على عودة روح التآخي والتآزر والشعور بالمواطنة وانقاذ البلاد من الانزلاق نحو المآسي التي لا تحمد عقباها ، ويتوجب ان يتحمل وزر ذلك بالدرجة الاساس النخبة المثقفة من ابناء الشيعة برفضهم لهذه الممارسات واعلان وقوفهم الى جانب بقية الشرائح الاجتماعية والدينية تعبيرا عن موقف وطني كبير يسجل لهم في هذه المرحلة الحرجة..
كما يتطلب الامر موقفا مهنيا وحازما من قبل شبكة الاعلام العراقية في الدفاع عن المؤسسات التلفزيونية والصحفية وعدم الانجرار وراء الرغبات الحزبية المدعومة خارجيا بخلاف ما يقره الدستور في تأمين الحريات وأجواء الديمقراطية ، مثلما يتعين على القضاء العراقي ملاحقة المعتدين ومعاقبتهم وفقا للقانون وليس ارضاء ً للميول والاهواء والنزعات الضيقة.

 

* كاتب وصحفي عراقي مقيم في باريس

زر الذهاب إلى الأعلى