مقالات رئيس التحرير

د. علي الجابري : هكذا يساعد العراق إيران في التغلب على العقوبات الامريكية

منذ فرض العقوبات الامريكية على إيران، والاخيرة تحاول التخلص من الاثر السلبي لها، عن طريق فتح منافذ تكون بمثابة “رئة” لها لمنع انهيار اقتصادها المتداعي، واحتمالات تعرضها لضربة موجعة في قلب اقتصادها، بما يدفع الشعب الايراني الى محاولة التخلص من النظام القائم من الداخل.

وايران تدرك جيداً مخاطر الحصار الاقتصادي الذي تتعرض له، واثره على وضعها الداخلي المتهالك، وشعبها الناقم من تبديد ثرواته لدعم مخططات التوسع الاقليمي ودعم حلفاء النظام في بعض الدول العربية، لذلك فهي تبحث عن كسر هذا الطوق الخانق المفروض عليها من خلال استغلال وجود اتباعها في رأس السلطة في بعض البلدان.. وهنا يبرز العراق واحداً من اهم المنافذ التي يمكن لايران ان تخفف من وطأة الحصار الخانق الذي يمكن ان يصيبها بالشلل بمرور الوقت.

النفوذ السياسي للايرانيين في العراق صاحبه نفوذاً إقتصادياً ربط عصب الحياة في العراق بالصادرات الايرانية، وتلك إستراتيجية عمل عليها الايرانيون منذ إحتلال العراق عام 2003.. وكانت احد ابرز شروط الاستيزار في العراق – على سبيل المثال- ان لا يقوم الوزراء بإعادة بناء المصانع العراقية او تطوير الكهرباء او الزراعة وغيرها من مجالات الحياة في العراق لكي يبقى مرتبطاً بأيران الى درجة الانهيار في حالة التخلي عنها، وتلك اخطر الادوار التي لعبتها الاحزاب السياسية العراقية الموالية لايران التي نفذت هذه الاجندة بشكل دقيق تحسباً لمثل هذا اليوم.

بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية وقرارها فرض عقوبات شديدة على النظام الايراني ، احدثت ضرراً كبيراً في الاقتصاد الايراني، لكن ثغرات واضحة في نظام العقوبات أبقت متنفساً للنظام الايراني، والعراق احد ابرز تلك الثغرات؟!

يعتمد العراق على الغاز الايراني والكهرباء والمنتجات النفطية المكررة والصادرات من غير الطاقة ، بما يوفر تدفقات مالية كبيرة وايرادات للخزينة الايرانية تخفف من وطأة العقوبات عليها،  وليس بإمكان واشنطن فعل الكثير للحد من هذا النفوذ وتقليل اعتماد بغداد على ايران، لان الضغط عليها للقيام بذلك يهدد بزعزعة استقرار البلد المضطرب سياسياً، خاصة وانه تعافى للتو من احتلال تنظيم داعش الارهابي للعديد من مدنه.

وليس امام امريكا من خيار سوى الاستمرار في تمديد الاعفاءات من العقوبات على المشتريات العراقية للكهرباء والغاز الايرانيين لتزويد مولداته بسبب الحالة السيئة لمنشآت توليد الطاقة في العراق..  ورغم ان الولايات المتحدة تطالب الحكومة العراقية النأي بنفسها عن الطاقة الايرانية ، لكن المسؤولين العراقيين يقولون ان البحث عن مصادر بديلة قد يستغرق عدة سنوات، واصلاح البنية التحتية للكهرباء في البلاد يستغرق وقتاً اطول.

في صيف العام الماضي ارادت ايران ايصال رسالة تهديد ضمنية للشعب العراقي عندما قامت بوقف امدادات الكهرباء عن العراقيين، ما تركهم يعانون من انقطاع التيار الكهربائي في ذروة موسم الحرارة ، وبسببه اندلعت تظاهرات في البصرة، حيث احتج السكان على نقص مياه الشرب والكهرباء والفساد وعدم توفر فرص العمل، وهو ما دفع اتباع النظام الايراني في الحكومة العراقية الى الادعاء ان التوقف عن إستيراد الكهرباء من ايران يمكن ان يؤدي الى انهيار الوضع في البلاد بشكل كامل فيما لو استمر لفترات طويلة، وتلك ذريعة تسوقها الحكومة العراقية الى واشنطن لاقناعها بضرورة إستثناء العراق من العقوبات المفروضة على ايران؟! 

ولهذا تعمل ايران بكامل نفوذها السياسي في العراق ان تأتي بوزراء عراقيين يتعهدون لها بعدم بناء منشآت الكهرباء او المصانع او المزارع لكي تبقى الحاجة للصادرات الايرانية كبيرة الى درجة توقف الحياة عن العراق من دونها!!

ووفقاً لارقام دولية نمت التجارة الثنائية بين العراق وايران ثلاثة مليارات دولار للفترة من مارس 2018. لغاية مارس 2019 بزيادة سنوية بلغت 36٪ ، لكن ايران تأمل في رفع التبادل التجاري الى 20 مليار دولار في السنوات القادمة، ويرى التجار الايرانيون ان العراق يمكن ان يكون بديلاً لتوجيه تجارتهم الدولية من خلاله، وهناك سعي لربط شبكات السكك الحديدية بين العراق وايران كجزء من خطة أوسع لتمكين ايران من نقل بضائعها الى سوريا وموانئها المتوسطية؟

ومن اجل ضمان عدم تعرض التعاون الاقتصادي لخطر انتهاك العقوبات الامريكية ، ذكرت تقارير دولية ان البلدين قاما بإنشاء نظام للدفع يشبه آليات اوروبا التي اوجدتها للسماح للشركات الاوروبية ممارسة اعمالها التجارية في ايران لاغراض محددة، بينما تشير تقارير ان المحافظين في ايران يضغطون بإتجاه الاعتماد على العراق اكثر من الاوروبيين.

ورغم ان واشنطن تراقب عن كثب العلاقات التجارية بين ايران والعراق بسبب مخالفة العقوبات، وعاقبت شركة مقرها بغداد بزعم انها تقوم بتهريب اسلحة بمئات الملايين من الدولارات الى الميليشيات العراقية المدعومة من الحرس الثوري الايراني، كما تمت معاقبة بنك في العراق لتورطه في تحويل الاموال لصالح الحرس الثوري الايراني ، الا ان من الصعوبة وقف هذا التعاون بين البلدين بسبب النفوذ الكبير لتحالف الفتح في العراق والذي يضم كل القوى الموالية لايران والميليشيات المسلحة التي دخلت العملية السياسية من نوافذ متعددة بقوة السلاح والمال خلال الانتخابات الاخيرة، ولم يتردد متحدث بإسم تحالف الفتح عن التنديد بقرار امريكا فرض عقوبات اقتصادية على الحرس الثوري الايراني في ابريل الماضي.

ومن هذا المنطلق فإن الولايات المتحدة تدرك ان ايران سوف تقوم بتجنيد حلفائها في العراق لشن حرب بالوكالة ضد المصالح الامريكية في حالة تصعيدها الصراع مع النظام الايراني، خاصة وان الميليشيات العراقية استبقت الصراع بإرسال رسائل واضحة عندما قامت بإطلاق صواريخ على السفارة الامريكية في بغداد.

لذلك فإن الرهان الامريكي والايراني يبدأ من العراق، حيث يسعى كل طرف الى إستثمار نفوذه في العراق لاضعاف خطط الاخر ، رغم ان الحكومة العراقية تحاول ان تقف على الحياد في هذا الصراع ، الا ان الفصائل العراقية المتنفذة الموالية لايران في العراق لن تنتظر ان تتعمق جراح ايران بالمزيد من العقوبات الخانقة، لانها تدرك ان نهاية النظام الايراني يعني نهايتها بالكامل، لذلك ستكون القوة التي تتقدم المواجهة مع الولايات المتحدة وتخوض حرباً أو مواجهة محدودة بالنيابة ، لعلها تدفع الولايات المتحدة الى التراجع ، كما ان تلك الفصائل وخلفها ايران، لن تسمح بإعادة السيناريو الذي مر به العراق ابان الحصار الاقتصادي حتى انهكه بالكامل، وسوف تحاول ان تشعل مواجهة بطريقة ما مع الولايات المتحدة في القريب العاجل ، لانها تعتقد ان الخسائر ستكون اقل مما لو ضرب الحصار عصب الحياة في ايران بقوة مع مرور الزمن ، وهو ما اكده احد قياديي تحالف الفتح الموالي لايران عندما قال نحن وايران لن نسمح للولايات المتحدة ان تواصل حصارها وعقوباتها حتى إضعاف النظام، ولابد من ان نقوم بعمل يرغم الولايات المتحدة على التراجع ، حتى وان إستدعى الامر البدء بمواجهة عسكرية معها؟

كل هذه المؤشرات تؤكد ان وجود قوى سياسية متنفذة موالية لايران داخل العراق وميليشيات مسلحة تأتمر بأوامرها، يعد اخطر ما يهدد العقوبات الامريكية المفروضة على ايران، وان الخطوة الاولى لتحجيم نفوذ ايران ودفعها على التراجع عن مخططاتها النووية ومد نفوذها في المنطقة يبدأ من العراق قبل ايران، من خلال تحجيم نفوذ الاذرع الايرانية التي تهدد بشكل علني بإنها ستقاتل مع ايران، وتهدد بضرب المصالح الامريكية في العراق والمنطقة، بينما تلوذ الحكومة العراقية بالصمت إزاء هذه التصريحات، وكأنها راضية عنها ؟!

 

 

*رئيس تحرير صحيفة يورو تايمز 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى