د. علي الجابري: لماذا طلبت اسرائيل تدخل الولايات المتحدة في الحرب؟ أبعاد معلنة وأخرى خفية

كشفت وسائل الاعلام العالمية يوم الاحد 15 يونيو 2025، ان إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة الامريكية التدخل المباشر في حربها مع ايران.. هذا الطلب الذي يُدرِك الجميع أهميته الظاهرة في الجوانب المعنوية والسياسية، في أن لا تَبقى إسرائيل تخوض المعركة لوحدها، وتعزز قدراتها بدخول مباشر للولايات المتحدة، وهو ما يدفع دول اخرى – ربما- في خوض المواجهة وحسمها، إلا ان قراءة معمقة للمشهد تكشف عن أسباب استراتيجية وعسكرية أعمق من مجرد الدعم السياسي واللوجستي.
الهدف الاساسي: تدمير البرنامج النووي
بما ان إسرائيل تعتبر البرنامج النووي الايراني يشكل تهديداً وجودياً لها، وإنه السبب الرئيس الذي يدفعها لخوض الحرب مع ايران، ورغم ان الجيش الاسرائيلي يمتلك قدرات جوية هائلة ومتقدمة وأسلحة دقيقة، إلا ان تدمير المنشآت النووية الايرانية، وتحقيق هدفها الرئيس من هذه الحرب يعد تحدياً بالغ الصعوبة، او مستحيلاً ، بدون تدخل الولايات المتحدة، لان بعض المنشآت النووية بُنيت في أعماق الارض بمديات تصل الى مئات الامتار، ولا يمكن للقدرات التي تمتلكها اسرائيل أن تصل لهذا العمق واختراق التحصينات الدفاعية.
كلمة السر.. فوردو
ويمكن القول ان كلمة السر في البرنامج النووي الايراني، والحلقة الاصعب فيه، هي “منشأة فوردو”، التي شُيّدت في أعماق جبل، وتحت الارض بعمق يقدر بمئات الامتار، ما يجعل اختراقها وتدميرها بواسطة القنابل التقليدية مهمة شبه مستحيلة بالنسبة لإسرائيل.. فما هو الحل؟
الحل امريكي
وفقاً لجميع المختصين، فإن الولايات المتحدة الامريكية هي الوحيدة القادرة على تدمير هذا المفاعل النووي، لانها تمتلك الأسلحة القادرة على تدميره، وهي – أي الولايات المتحدة – لم تزود اسرائيل بتلك الاسلحة ومن أبرزها:
القنبلة الخارقة للتحصينات GBU-57 المعروفة بإسم “Massive Ordnance Penetrator” (MOP) والتي تزن أكثر من 13 طناً، وهي مصصمة خصيصاً لتدمير الأهداف شديدة التحصين تحت الارض، وهذه القنبلة تحتاج الى طائرات خاصة لحملها، من طراز “B-2 Spirit”، وهذا الطراز لا تمتلكه اسرائيل. ولا يمكن للمقاتلات الاسرائيلية من طراز F-15 أو F-35 حمل القنابل الخارقة للتحصينات المطلوبة،.
وبالتالي فإن ذلك يؤكد إنه لا يمكن تدمير البرنامج النووي الايراني من دون مشاركة فاعلة للولايات المتحدة الامريكية، وتلك ضرورة لا مفر منها وليست خياراً تكتيكياً.
ومن دواعي القول بضرورة مشاركة الولايات المتحدة في المواجهة مع النظام الايراني، ان التفوق التقني لإسرائيل لا يكفيها لخوض حرب موسعة مع ايران بما تمتلكه من جيش وأذرع منتشرة في الكثير من الدول العربية ، وهي بحاجة الى قوة رادعة مثل الولايات المتحدة لكي لا تنزلق في مستنقع حرب طويلة ومفتوحة لوحدها، كما ان مشاركة الولايات المتحدة قد يردع “محور المقاومة” التابع لإيران من التصعيد ضد اسرائيل، حتى وإن شارك بشكل محدود في المواجهة.
فوردو.. جوهرة البرنامج النووي الايراني
رغم ان إيران تمتلك العديد من المنشآت النووية التي يُكمِل بعضها الاخر، إلا أنه يمكن ان نَصِفْ منشأة “فوردو” النووية ( Fordow Fuel Enrichment Plant – FFEP) التي تقع بالقرب من منطقة “فوردو” جنوب مدينة قم وسط ايران، وتبعد حوالي 160 كيلومتراً من طهران، بإنها “جوهرة البرنامج النووي الايراني”، وتوصف بأنها “الجبل النووي الذي يُطارِد إسرائيل”. فهذه المنشأة المتخصصة بتخصيب اليورانيوم، شُيّدت داخل جبل صخري، بعمق قد يصل الى 800 أو 1000 متر تحت الارض، موزعة عبر عدة أنفاق بطول يصل الى مئات الامتار، ومداخل عديدة محمية بسياج مزدوج ، لضمان حمايتها من الهجمات الجوية ، ما يجعل تدميره بواسطة الاسلحة التقليدية بالغ الصعوبة. حيث يعتقد ان سماكة الصخور فوقها تقدر بعشرات الامتار.
وتم تزويد هذه المنشأة بأنظمة دفاع جوي متقدمة مثل : S-300 الروسية وBavar-373 الايرانية، ما يعزز صعوبة نفاذ أي ضربة جوية.
وقد أعلنت ايران عن المنشأة عام 2009 بعد أن كانت تخفيها عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، وهو ما شكّل صدمة للمجتمع الدولي وقتذاك.
وبدأت “فوردو” بتخصيب اليورانيوم رسمياً عام 2011، وكانت درجة التخصيب فيها 20%، ثم رفُعِت النسبة الى 60% وهو مستوى يُقرِّب إيران من “العتبة النووية” المطلوبة لتصنيع سلاح نووي والتي تبلغ (90%).
هذه المنشأة تمتلك ما يقارب من 3,000 جهاز طرد مركزي من الجيل الاول، بالاضافة الى عدد متزايد من أجهزة IR-6 المتقدمة القادرة على التخصيب بكفاءة أعلى. لذلك ترى اسرائيل في إستمرار هذه المنشأة النووية تهديداً استراتيجياً كبيراً لوجودها.
خلاصة
ووفقاً لما ورد اعلاه، لا يمكن لإسرائيل ان تُحقق أهدافها المعلنة من وراء هذه الحرب بتدمير البرنامج النووي الايراني، الا بالتمكن من “منشأة فوردو” التي يستحيل القضاء عليها من دون مشاركة الولايات المتحدة الامريكية، وهو ما يجعلنا نرجح انه لا يمكن منع ايران من مواصلة برنامجها النووي وإمتلاك السلاح النووي، إلا عن طريق تدمير منشآتها بالقوة ، وفي مقدمتها منشأة “فوردو”، أو ان يتم التوصل لإتفاق سياسي بين الولايات المتحدة وايران عن طريق المفاوضات التي توقفت بسبب الهجوم الاسرائيلي، وحتى الآن لا يبدو ان هناك ضوء في آخر نفق المفاوضات بين الطرفين، حتى قبيل الهجوم الاسرائيلي، وفقاً لتصريحات الادارة الامريكية الاخيرة.
+ رئيس تحرير صحيفة يورو تايمز السويدية الناطقة بالعربية