آراء

د. عبدالرزاق محمد الدليمي: المنطقة ماذا والى اين بعد زيارة ترامب؟

تشير سير التوقعات والاحداث الى ان المنطقة العربية ربما تشهد تطورات معقدة ومتعددة الأوجه في المستقبل القريب، تتأثر بعوامل سياسية واقتصادية واجتماعية منها التحديات السياسية والجيوسياسيةوالتي تأتي في مقدمتها الصراعات الإقليمية التي ستظل قائمة، مثل مايحدث في غزة والعراق والسودان وسوريا واليمن، وهذه بحد ذاتها مصادر رئيسية لعدم الاستقرار. رغم المحاولات المتوقع أن تستمر الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى حلول عسيرة لها، بحكم التعقيدات على الأرض التي كانت وستبقى تعيق تحقيق اي تقدم بهذا الاتجاه.

 كذلك تبرز مسألة التحولات في موازين القوى فواضح جدا ان المنطقة تشهد تحولات مهمة في موازين القوى، مع احتمال تراجع نفوذ بعض الفصائل المسلحة وظهور لاعبين جدد مع ملاحظة استمرار التأثير الإيراني في بعض المناطق مثل العراق واليمن، بالمقابل تحاول ،السعودية والإمارات والى حد ما قطر، تعزيز نفوذها بالمنطقة اما العلاقات البينية نلاحظ وجود بيئة قد تكون مناسبة لإعادة بناء التحالفات وتعزيز الروابط بين الدول العربية بشكل عام ودول الخليج العربي كما أن اتفاقيات التطبيع بين دول مثل السعودية وإيران قد تمهد الطريق لمزيد من الاستقرار السياسي والأمن المشترك بشكل حذر طالما ان النظام في ايران يمارس نوع من التاكتيكات التي تعرقل اي تطور ايجابي باتجاه خلق الاستقرار بالمنطقة! في حين يلاحظ المهتمين  ان التحديات الداخلية مازالت تؤرق انظمة بعض الدول العربية سيما التي تتعلق بالحريات السياسية وحقوق الإنسان، وقد تستمر هذه القضايا في إثارة القلق.

من جانب اخر نرى ان موضوع التحديات والفرص الاقتصادية ربما يؤشر جانب ايجابي من حيث التوقع أن يحقق الاقتصاد العربي نمواً إيجابياً بشكل عام، مدفوعاً بأداء الدول المنتجة للنفط. ومع ذلك، ستظل هناك تباينات كبيرة بين الدول، حيث ستستفيد الدول المصدرة للنفط من ارتفاع أسعار الطاقة، بينما قد تواجه الدول المستوردة للنفط تحديات اقتصادية واجتماعية.

 وستظل معدلات التضخم والبطالة، خاصة بين الشباب، من أبرز التحديات الاقتصادية. تعاني العديد من الدول من مشكلات مزمنة في توفير فرص العمل وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي.اما موضوع الأمن الغذائي فواضح انه مايزال يشكل عقبة كبيرة وتحديات خطيرة في بعض الدول، خاصة تلك التي تعاني من النزاعات والكوارث الطبيعية، مثل الجفاف، وربما تمثل هذه الفترة فرصة للدول العربية المصدرة للنفط لتنويع اقتصاداتها بعيداً عن قطاع الطاقة، من خلال تجميع الاحتياطيات والاستثمار في مشاريع تنموية شاملة ومستدامة.وهناك إمكانات هائلة للتحول الرقمي في الاقتصادات العربية، مع التركيز على تطوير البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتقديم خدمات رقمية مبتكرة.

ورغم اهمية ما اشرنا اليه سابقا لابد على الدول العربية الانتباه الى مسألة مهمة جدا تتعلق بالتغيرات الاجتماعية كالفقر حيث تشير التوقعات إلى استمرار ارتفاع مستويات الفقر في بعض الدول العربية، خاصة خارج دول مجلس التعاون الخليجي العربي

 واستمرار تفاقم التحديات الاجتماعية مثل اللامساواة، وتحديات تمكين الشباب والمرأة، في صدارة أولويات التنمية.

 ناهيك عن تداعيات النزاعات حيث سيكون لإعادة الإعمار في المناطق المتضررة من النزاعات، مثل غزة والعراق وسوريا ولبنان واليمن، دوراً حاسماً في تعزيز التعافي الاقتصادي والاجتماعي.

 وهناك ايضا اشكاليات التحول المجتمعي حيث يمكن أن تدفع التحديات الحالية نحو تحولات مجتمعية، مع تزايد الوعي بأهمية التكيف مع التغيرات المناخية وتعزيز المرونة المجتمعية.

ما العمل؟

رغم اهمية وخطورة ما اشرنا اليه اعلاه الا ان ذلك لايمنع من تحقيق نتائج جادة وايجابية ان توفرت الارادة الخيرة وتظافرت الجهود العربية الرسمية والشعبية بشكل منظم حيث يمكن التعويل على التعاون الإقليمي الذي يمكن أن يؤدي تعزيز الروابط والتعاون بين الدول العربية إلى معالجة التحديات التنموية المشتركة، مثل الفقر والاستدامة البيئية وعدم المساواة الاجتماعية.

 والتركيز كذلك على الاستثمار في التنمية البشرية و توفير فرص العمل للشباب، ودمج المرأة في القوى العاملة، وتحسين الخدمات التعليمية والصحية، يمثل ركيزة أساسية لتحقيق النمو المستدام. ولاننسى اهمية العمل الجاد الجماعي والمفرد لمواجهة التغير المناخي فالمنطقة تواجه تحديات مناخية كبيرة، وهناك فرصة للدول العربية لقيادة الجهود الإقليمية والعالمية في مجال التخفيف من آثار التغير المناخي والتكيف معه، خاصة مع استضافة مؤتمرات الأطراف (COP) في المنطقة.

بشكل عام، ستظل المنطقة العربية في مفترق طرق، حيث تتداخل الفرص الواعدة مع التحديات المتصاعدة. يعتمد مستقبلها على قدرة الدول على التكيف مع هذه التحولات وتبني استراتيجيات شاملة ومستدامة لمعالجة القضايا الملحة وتعزيز الاستقرار والازدهار.

ملاحظات عن زيارة دونالد ترامب الأخيرة إلى الخليج العربي وانعكاساتها على مستقبل الشرق الأوسط

تأتي زيارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى منطقة الخليج العربي في توقيت إقليمي ودولي بالغ الحساسية، إذ تتقاطع الأزمات الاقتصادية العالمية، وتراجع الثقة في الحماية الأميركية التقليدية، مع محاولات إعادة تموضع لقوى كبرى في الشرق الأوسط، لا سيما الصين وروسيا. وفي ظل هذا المشهد، تبدو هذه الزيارة أكثر من مجرد تحرك دبلوماسي، بل تمثل مؤشرًا على اتجاهات المرحلة القادمة، ومحاولة لإعادة ضبط ميزان النفوذ الأميركي في المنطقة.

رغم ملاحظاتنا الكبيرة والعميقة لما تعنيه الزيارة الا اننا  سنقف عند بعض المؤشرات المفصلية المهمة منها  ان الزايرة ربما ستعزز المحور الأميركي  الخليجي بعد توقيع اتفاقيات تسليح أو شراكات أمنية جديدة والدعم ألاميركي ألاقوى لبعض الأنظمة الخليجية مقابل التزامات مالية أو استراتيجية وتعزيز التعاون ضد نفوذ إيران أو الحركات السياسية المعارضة للأنظمة القائمة. وهذا سيؤدي الى مزيد من الاستقطاب الإقليمي، خاصة إذا تم تهميش أدوار دول أخرى مثل تركيا أو قطر. اضافة الى زيادة الضغط على القوى المقاومة أو الحركات الإسلامية، وشيطنتها دولياً.

كذلك العودة الى صفقة القرن بصيغة جديدة وإعادة إحياء التطبيع بين إسرائيل ودول جديدة من الخليج. واستثمارات خليجية في مشاريع إسرائيلية – أميركية مشتركة تحت شعار السلام الاقتصادي. وهذا ما زاد من تصاعد الغضب الشعبي في بعض الدول العربية. بالاعتقاد ان كل ذلك ادى الى تراجع القضية الفلسطينية على المستوى الرسمي العربي، مقابل تفعيلها شعبياً وربما أمنياً كذلك محاولاات لدفع دول الخليج للانخراط أكثر في تحالفات مثل ناتو عربي في محاولات لإبعاد الصين وروسيا عن التأثير في المنطقة. كذلك اعادت الزيارة الى الواجهة بقوة مسألة سباق التسلح إلاقليمي. مقابل تفكك محتمل لتحالفات غير أميركية (مثلاً السعودية – الصين) وزيادة الاعتماد على واشنطن في القرارات المصيرية. من جانب اخر توضحت الصورة بان الرئيس ترامب سيستغل نتائج الزيارة للتأثير على الداخل الأميركي لتعزيز صورته أمام من انتخبه وإظهار نفسه كزعيم عالمي قادر على إعادة الهيمنة الأميركية وتصوير دول الخليج كحلفاء مرنين وناجحين اقتصادياً بسبب دعمه.

المتوقع بعد الزيارة حدوث  استقرار نسبي مشروط بالقمع وتوسيع العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل وتصعيد غير مباشر بين المحور الأميركي-الخليجي ضد محور إيران-سوريا-حزب الله وبروز قوى اجتماعية عربية جديدة ترفض هذه السياسات، مما قد يؤدي لمرحلة اضطرابات جديدة.

جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز

زر الذهاب إلى الأعلى