موفق الخطاب: رسالة إلى الرئيس دونالد ترامب

إلى السَّيِّدِ الرَّئِيسِ تْرامب،
تَحِيَّةً طَيِّبَةً،
سَيِّدِي الرَّئِيسَ…
في خِطابِكُمُ الشَّهِيرِ فِي #قِمَّةِ_الرِّيَاضِ، قُلْتُم:
“إِنَّ العَواصِمَ الخَلِيجِيَّةَ كَما الرِّيَاضُ وَأَبُو ظَبْيٍ، بُنِيَتْ عَلَى يَدِ قادَةٍ وَبُنَاةِ دُوَلٍ. وَلَكِنَّهُ قَدْ أُهْدِرَتْ تِرْيليُوناتُ الدُّولاراتِ فِي كابُلَ وَبَغْدادَ دُونَ نَتِيجَةٍ تُذْكَرُ.”
فَهَلْ تَجَنَّيْتُمْ -سَيادَتَكُمْ- عَلَى حُكَّامِ بَغْدادَ بِهٰذا التَّشْخِيصِ؟ أَمْ أَنَّكُمْ جَامَلْتُمْ قادَةَ دُوَلِ الخَلِيجِ بِمِدْحِكُمْ؟
رُبَّمَا لا يَخْفَى عَلَيْكُمْ -سَيَادَةَ الرَّئِيسِ– ما حَلَّ بِالعِراقِ مِن نَكَبَاتٍ وَفَوَاجِعَ، بَعْدَ تَهَوُّرِ الأَرْعَنِ جورج بوش الابْنِ حِينَ قَرَّرَ اجْتِيَاحَهُ لِلْبِلادِ طَيْشًا وَغُرُورًا.
فَإِنْ لَمْ يُخْبِرْكُمْ مُسْتَشارُوكُمْ، فَإِنِّي أُوجِزُ لَكُمُ القَوْلَ:
ما زالَ العِراقُ يَعُجُّ بِالْفَوْضَى، وَالسِّلاحِ المُنْفَلِتِ، وَالفَصائِلِ، وَالمُخَدِّراتِ، وَالتَّفَكُّكِ الأُسَرِيِّ، وَغِيابِ القانُونِ.
وَهُنالِكَ تَخَلُّفٌ فِي كُلِّ القِطاعاتِ المَصْرِفِيَّةِ وَالصِّحِّيَّةِ، وَانْهِيارٌ فِي التَّعْلِيمِ، وَالصِّناعَةِ، وَالزِّراعَةِ، وَقِطاعِ الطَّيَرانِ وَالمَطاراتِ المُتَهالِكَةِ.
رُبْعُ قَرْنٍ وَما زالَ العِراقيُّ يَكْتَوِي بِلَهِيبِ الصَّيْفِ، وَعَجَزَتِ الحُكُوماتُ المُتَعاقِبَةُ أَنْ تُوَفِّرَ لَهُ الكَهْرَباءَ بِكَرَامَةٍ، رُغْمَ عَشَراتِ المِلياراتِ الَّتِي نُهِبَتْ تَحْتَ غِطاءِ الكَهْرَباءِ.
وَجَنُوبُ العِراقِ يُقاسي العَطَشَ وَالتَّصَحُّرَ، وَالثَّرْوَةُ الحَيَوانِيَّةُ يُهَدِّدُها الهَلاكُ، وَنَخِيلُ العِراقِ قَدْ يَبِسَ سَعْفُهُ، وَالعِراقُ اليَومَ مِن أَكْثَرِ البِلادِ تَلَوُّثًا، وَتُسَجَّلُ فِيهِ أَعْلَى نِسَبِ الإِصَابَةِ بِأَمْرَاضِ السَّرَطانِ.
لا يَخْفَى عَلَيْكُمْ -فَخامَةَ الرَّئِيسِ– أَنَّ ما يَتَبَجَّحُ بِهِ حُكَّامُ المِنْطَقَةِ الخَضْرَاءِ وَمُطَبِّلُوهُم مِن إِعْمارٍ وَاسْتِثْمارٍ وَاسْتِقْرارٍ، هُوَ مَحْضُ كَذِبٍ.
فَمِقياسُ النَّهْضَةِ لَيْسَ بِبِناءِ الجُسُورِ وَلا بِالفَنادِقِ، وَلا تِلْكَ المَطاعِمِ الَّتِي تُقَدِّمُ الكَبابَ وَالمَسْكوفَ وَالقَيْمَرَ، وَلا بِالحَلْوَيَاتِ، وَلا بِانْتِشارِ الكافِيهاتِ وَالمَلاهِي وَالسَّيّاراتِ الفاخِرَةِ وَكَثْرَةِ المُتَنَزَّهَاتِ…
ثلاثةٌ وَعِشْرُونَ عامًا وَمَصانِعُهُمْ مَشْلُولَةٌ، وَمَصافِيهِم مُعَطَّلَةٌ أَوْ مَنْهُوبَةٌ، وَغَازُهُمْ يُهْدَرُ فِي الجَوِّ لِيَسْتَوْرِدُوهُ مِن إِيرانَ بِالمِلياراتِ، وَأَراضِيهِم مُتَصَحِّرَةٌ، وَمَوارِدُهُمْ المائِيَّةُ وَأَنْهارُهُمْ مُقْفِرَةٌ، وَسُدُودُهُمْ مُهَدَّدَةٌ بِالانْهِيَارِ.
وَنِظامُهُمْ المالِيُّ قَدْ عَفَا عَلَيْهِ الزَّمَنُ، وَمَصارِفُهُمْ خاوِيَةٌ، لِعَدَمِ ثِقَةِ المُواطِنِ بِإِيداعِ مُدَّخَراتِهِ، خَوْفًا مِن سَطْوَةِ الحِيتانِ، كَما فَعَلَ نور زُهَيْر بِمِلياراتِ التَّأْمِينَاتِ وَهُوَ طَلِيقٌ حُرٌّ.
وَسُرّاقُهُمْ يَتَكَاثَرُونَ أَسْرَعَ مِن البَكْتِيرْيا فِي المُسْتَنْقَعاتِ، وَدِيمُقْراطِيَّتُهُمْ المَزْعُومَةُ زَيْفٌ وَتَزْوِيرٌ، وَضَحِكٌ عَلَى الذُّقُونِ، لِيَتِمَّ تَدْوِيرُهُمْ كَما تُدَوَّرُ -أَجَلَّكُمُ اللهُ– النُّفايَاتُ.
ثَلاثَةٌ وَعِشْرُونَ عَامًا، وَنَفْسُ الوُجُوهِ الكالِحَةِ الَّتِي قَدِمَتْ مَعَ بريمر تَتَبادَلُ الأَدْوارَ بَيْنَ مُعَمَّمٍ، وَعَمِيلٍ، وَفاسِدٍ، وَسِمْسارٍ، مِن خِلالِ صُنْدُوقٍ مَنْخُورٍ بِالسِّلاحِ وَالمَالِ السِّياسِيِّ، تُشْتَرَى بِهِ الأَصْوَاتُ.
وَلَوْ عَدَّدْتُ لَكُمْ -سَيِّدِي الرَّئِيسَ– مَا خَلَّفُوهُ مِن مَفاسِدَ وَجَرائِمَ، لَمَا كَفَتْنا مُجَلَّداتٌ.
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ حَقَّ اليَقِينِ أَنَّ بَلَدَكُمُ العَظِيمَ هُوَ سَبَبُ البَلاءِ الَّذِي حَلَّ بِالعِراقِ، مُنْذُ احْتِلالِهِ، إِذْ نَصَّبْتُمْ عَلَى شَعْبِهِ أَعْتَى اللُّصُوصِ وَقُطَّاعِ الطُّرُقِ، الَّذِينَ لَمْ يَتْرُكُوا رَذِيلَةً إِلَّا ارْتَكَبُوهَا، وَلا فَضِيلَةً إِلَّا حارَبُوهَا.
وَهٰذِهِ هِيَ النَّتِيجَةُ الحَتْمِيَّةُ، حِينَ يُوَسَّدُ الأَمْرُ لِغَيْرِ أَهْلِهِ.
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ جَيِّدًا مَا اقْتَرَفَتْهُ الإِداراتُ الأَمْرِيكِيَّةُ السَّابِقَةُ بِحَقِّ الشَّعْبِ العِراقِيِّ، وَلا يَنْفَعُ اليَوْمَ، بَعْدَ الزِّلْزالِ المُدَمِّرِ، أَنْ تَتَقاذَفُوا التُّهَمَ مَعَ أَسْلافِكُمْ؛ فَأَنْتُمْ جَمِيعًا شُرَكاءُ فِي الجُرْمِ، وَالشَّعْبُ العِراقِيُّ يَدْفَعُ مِن دَمِهِ وَمُعاناتِهِ ثَمَنَ طَيْشِ حُكَّامِكُمْ.
نَتَمَنَّى -يا سَيَادَةَ الرَّئِيسِ– أَنْ تَلْتَفِتُوا إِلَى مَا خَلَّفَهُ أَسْلافُكُمْ، وَتُعِيدُوا لِلْمُواطِنِ العِراقِيِّ كَرَامَتَهُ، وَلِلْعِراقِ سِيادَتَهُ، وَتَكْنُسُوا مِن أَرْضِهِ الطَّاهِرَةِ الخَوَنةَ وَالعُمَلاءَ وَالأُذَنَابَ وَفَصَائِلَهُمْ.
وَتُوقِفُوا هٰذِهِ المَهْزَلَةَ الَّتِي اقْتَرَفْتُمُوهَا بِحَقِّ هٰذَا الشَّعْبِ.
فَعِقْدَانِ مِن العَذابِ وَالدَّمارِ، لَيْسَتْ بِفَتْرَةٍ قَصِيرَةٍ عَلَى شَعْبٍ صَابِرٍ.
فَالدَّمارُ أَسْرَعُ بِعَشَراتِ الأَضْعافِ مِن البِناءِ وَالاسْتِقْرارِ.
فَأَعِيدُوا لِلطُّفُولَةِ بَراءَتَها، وَارْسُمُوا البَسْمَةَ عَلَى شِفاهِهِم، وَأَشِيعُوا الفَرَحَ بَيْنَهُمْ، كَما أَقْدَمْتُمْ عَلَى قَرارِكُمْ التَّارِيخِيِّ الشُّجاعِ بِرَفْعِ العُقُوباتِ الاقْتِصادِيَّةِ عَنِ الشَّعْبِ السُّورِيِّ.
كاتب عراقي