عبدالله سلمان: اتفاقية خور عبد الله التميمي في ضوء اتفاقية فيينا والمعاهدات الدولية

في القضايا الكبرى التي تمس سيادة الدول ومصالح شعوبها لم يعد ممكناً الفصل بين القانون والسياسة إذ إن الأحداث المصيرية لا تنشأ في فضاء قانوني خالص كما أنها لا تنفصل عن السياقات السياسية التي تشكل بيئتها. وبصفتي معنياً بالشأن السياسي العراقي أجد لزاماً أن أتناول بنظرة شاملة قضية اتفاقية خور عبد الله التميمي التي أُبرمت بين العراق والكويت عام٢٠١٣ فبالرغم من أنني لست متخصصاً قانونياً إلا أن التداخل العميق بين القانون الدولي والواقع السياسي الذي عاشه العراق وقتها يفتح الباب واسعاً لفهم مشروعيتنا في مراجعة هذه الاتفاقية. فمن نافلة القول إن الاتفاقيات الدولية لا تُقاس فقط بنصوصها المجردة بل بظروف عقدها والسياق السياسي الذي صيغت فيه. ومن هنا نسلط الضوء على هشاشة الوضع السياسي العراقي وشبهات الفساد التي شابت عمليةابرام الاتفاقية والمصادقة عليها إلى جانب تأثيرات الاحتلال الأجنبي التي أضعفت من شرعيتها القانونية بما يمنح الشعب العراقي اليوم قاعدة قانونية وسياسية صلبة لإعادة النظر فيها والغائها.
تُعد اتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله التميمي ٢٠١٣ بين العراق والكويت من أكثر الاتفاقيات إثارة للجدل في تاريخ العلاقات الحديثة بين البلدين خصوصاً في ظل ما أُثير من شبهات فساد أثرت على قرار المصادقة العراقية منهنا يبرز التساؤل الجوهري هل يمتلك العراق وشعبه قانونياً الحق في المطالبة بإبطال هذه الاتفاقية وما هي الأسس القانونية التي يجب ان يعتمدها في سبيل ذلك ؟
الأساس القانوني لإبطال الاتفاقيات وفق اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات
تنص اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات ١٩٦٩ التي تُعتبر المرجع العالمي لتنظيم العلاقات التعاقدية بين الدول على عدة أسس قانونية يمكن لاي دولة من خلالها الطعن في صحة أو استمرار أي معاهدة .
المادة ٥٠ :– الفساد في ممثلي الدولة
إذا ثبت أن التعبير عن إرادة الدولة بالالتزام بمعاهدة كان نتيجة فساد أحد ممثليها جاز للدولة إبطال المعاهدة.
تطبيق ذلك على الحالة العراقية إثبت بأدلة قاطعة أن المسؤولين العراقيين الذين تفاوضوا أو صادقوا على الاتفاقية تلقوا رشى أثرت في قرارهم فيحق للعراق الطعن بإبطالها استناداً إلى هذه المادة.
وكانت المحكمة الاتحادية العراقية قد أصدرت حكماً في سبتمبر ٢٠٢٣، بعدم دستورية قانون التصديق على الاتفاقية الموقعة عام ٢٠١٣ معتبرة أنه لم يحصل على أغلبية الثلثين المطلوبة لمصادقة البرلمان على المعاهدات الدولية.
وقد تعزز هذا الحكم القضائي بما تكشف لاحقاً من معطيات موثقة تمس النزاهة الإجرائية التي رافقت عملية إبرام الاتفاقية إذ صرّح النائب الكويتي عبدالكريم الكندري في مقابلات إعلامية موثقة بأن عدداً من المسؤولين العراقيين وأعضاء في مجلس النواب العراقي تلقوا “منافع مالية وهدايا شخصية” من الجانب الكويتي بالمليارات بغرض التأثير غير المشروع على قراراتهم خلال مرحلتي التفاوض والمصادقة على الاتفاقية.
ولم تقتصر هذه المعطيات على تصريحات الجانب الكويتي فحسب، بل أن عدداً من المسؤولين العراقيين أنفسهم أقروا في مناسبات مختلفة بأن شبهة الفساد المالي شملت شخصيات بارزة من داخل العراق من بينهم وزراء سابقون وأعضاء في مجلس النواب كانوا فاعلين ومؤثرين بشكل مباشر في ملف الاتفاقية.
هذا الإقرار العلني يُشكّل وفقاً لمبادئ القانون الدولي قرينة قوية على انتهاك مبدأ “حرية الإرادة التعاقدية”، وهو مبدأ جوهري نصّت عليه اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969. كما يندرج هذا الفعل ضمن ما يعرف قانوناً بعيب “فساد الممثلين” (Corruption of a State’s Representative) كما ورد في المادة (50) من الاتفاقية ذاتها، والتي تُمكّن الدولة المتضررة العراق في هذه الحالة من المطالبة بإبطال الاتفاقية لانتفاء شرط الإرادة الحرة والنزيهة وقت التوقيع والمصادقة.
وعليه فإن توفر حكم قضائي بعدم الدستورية مقترناً بشهادات معلنة حول شبهة الفساد من كلا الجانبين يُشكّل أساساً قانونياً متيناً لمطالبة العراق مستقبلاً بإلغاء الاتفاقية أو إعادة التفاوض حولها وفق الأطر المعترف بها دولياً.
المادة ٤٩ الغش :-
إذا تم التوصل إلى المعاهدة ابرمت نتيجة غش من احد الاطراف المتعاقدة يجوز للطرف المغشوش إبطالها وهنا يكون الشعب العراقي الذي مورست بحقه كل أنواع الغش والخداع من قبل الطبقة الحاكمة والكويت ، وإذا تمكن العراق من إثبات أن الجانب الكويتي مارس تدليساً أو تعمّد إخفاء معلومات حيوية أثرت على طبيعة الاتفاقية يضمن حقه في الغاء الاتفاقية.
المادة ٥٢:- الإكراه أو استخدام القوة
رغم أن هذا الشرط لا ينطبق مباشرة لعدم وجود تهديد عسكري مباشر، الا ان الشعب العراقي يمكنه مستقبلا بنقض هذه الاتفاقية حيث كان العراق حينها فيوضع ضعف سيادي بعد الاحتلال الأمريك ٢٠٠٣ وهو شكل من أشكال الإكراهالسياسي غير العسكري لكن الاكراه الحقيقي استخدم من قبل الطبقة الفاسدة الحاكمة ضد الشعب العراقي الذي رفض الاتفاقية جملة وتفصيلا .
ولكن الإطار الأوسع الذي يمكن العمل به في الغاء الاتفاقية هو مبادئ معاهداتجنيف ١٩٤٩و القانون الدولي الإنساني. وعلى الرغم من أن اتفاقيات جنيف قد صُممت في الأصل لضمان حماية المدنيين وأسرى الحرب إلا أن جوهرها يرتكز كذلك على مبدأ قانوني راسخ يتمثل في عدم مشروعية أي اتفاقيات تُبرم في ظل غياب السيادة الوطنية الكاملة أو تحت وطأة الاحتلال. وعند النظر إلى السياق السياسي الذي وُقعت فيه اتفاقية خور عبد الله التميمي عام ٢٠١٣ كان العراق يمر بمرحلة اللادولة إذ كان نظامه السياسي آنذاك يعاني من هشاشة واضحة وتعرض لاختراقات داخلية بفعل ممارسات الفساد إلى جانب تأثيرات مباشرة وغير مباشرة من قوى أجنبية، في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وايران. ومن هذا المنطلق يبرز أساس قانوني مشروع يمكّن العراق من الدفع بأن ظروف غياب السيادة التامة وقت توقيع الاتفاقية تضعف من مشروعيتها بما ينسجم مع المبادئ المستقرة في القانون الدولي التي ترفض إلزام الشعوب باتفاقيات أُبرمت في ظل الإكراه السياسي أو الهيمنة الخارجية
قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة مبدأ حق الشعوب في مواردهاالطبيعية وحدودها
قرار ١٨٠٣ (١٩٦٢)” لجميع الشعوب الحق في السيادة الدائمة على مواردهم الطبيعية”
العراق يمكنه الغاء الاتفاقية التي اضرت بالمصلحة الاقتصادية والسيادة البحرية وبالتالي تتعارض مع هذا المبدأ الأممي.
استناداً إلى نصوص اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات ومبادئ القانون الدولي المتعلقة بحماية سيادة الشعوب يمتلك العراق من حيث المبدأ القانوني حقاً مشروعاً مستقبلاً في المطالبة بإبطال اتفاقية خور عبد الله التميمي إذا تمكن من إثبات أن موافقته تمت تحت تأثير فساد غش و انعدام سيادة حقيقية غير أن نجاح هذا المسعى يعتمد على توافر أدلة قضائية قاطعة وإرادة سياسية وطنية ومسار قانوني طويل ضمن إطار المحاكم الدولية المختصة .
إن هذه القضية بما تمثله من مساس مباشر بسيادة العراق ووحدة أراضيه تفرض على جميع القوى السياسية العراقية بمختلف توجهاتها الفكرية والسياسية أن تترفع عن خلافاتها الجزئية وأن توحّد صفوفها وتُظافر جهودها في الدفاع عن الحقوق الوطنية الثابتة.
إن الحفاظ على تراب العراق وسيادته ووحدة أراضيه هو مسؤولية وطنية مشتركة تعلو فوق كل الاعتبارات الحزبية أو الفئوية وهو واجب وطني وأخلاقي لا يقبل التهاون أو المساومة. ومن هذا المنطلق فإن الاصطفاف الوطني الصادق بعيداً عن المصالح الضيقة هو الطريق الأمثل لاستعادة الحقوق الوطنية.
جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز