“ألكسندر بلاتس”: قبلة السياح نهارا و”بؤرة” للمخدرات ليلا
في العاصمة الألمانية برلين، وخلال النهار، تتحول ساحة ألكسندر أو (ألكسندر بلاتس Alexanderplatz) إلى قبلة للسياح. فالآلاف من الزوار القادمين من مختلف أصقاع العالم يملؤون الساحة ويتدفقون على برج التلفزيون والساعة العالمية. لكن عند حلول الليل تعكس الساحة وجها آخر: فهي تتحول إلى ما يمكن تسميته بـ "سوق" للمخدرات ومرتع للعنف والجريمة.
ولم تكن جنبات ساحة ألكسندر أبدا هادئة، وشهد الوضع في السنوات الأخيرة تصعيدا، إذ تحصل مشاجرات جماعية وسرقات وأعمال سطو وتجارة مخدرات. ففي هذه السنة تم تسجيل 5.600 حالة لدى الشرطة. وتحصل في المتوسط حالتان من التسبب في جروح جسدية وسبعة أعمال سرقة يوميا.
وحالة الشاب جوني لم تُنس بعد: ففي أكتوبر من عام 2012 أراد هذا الشاب تقديم المساعدة لأحد المعارف خلال شجار ضد مجموعة من الشباب، إلا أنه تعرض للضرب في رأسه، وتوفي لاحقا بسبب جروحه.
الأمن له أولوية سياسية
في ساحة ألكسندر، التي يطلق عليها البرلينيون "ألكس"، انخفض عدد المخالفات المعلن عنها هذا العام. لكن على المستوى الاتحادي يُسجل ارتفاع واضح في أعمال العنف. وهذا غيًر الأجواء السياسية في ألمانيا: فالأحزاب الكبيرة تطالب بحضور أكبر للشرطة في الشوارع ـ وهذه هي إحدى النقاط القليلة التي يوجد حولها إجماع في مفاوضات تشكيل ائتلاف حكومي في ألمانيا.
ومن المقرر أن يتم مع نهاية العام فتح مركز جديد للشرطة في ساحة ألكسندر. ففي الظروف الطبيعية سيشغل هذا المركز 200 رجل شرطة، كما يقول روني بيرينت، مدير دائرة الشرطة التي تقع فيها ساحة ألكسندر. لكن حاليا لا يمكن تلبية هذا الشرط، لا ماليا ولا بشريا، إذ بالكاد يمكن تشغيل ثلاثين موظفا.
والآن تقوم فرق من الدائرة بدوريات، ونلتقي مجموعة من خمسة رجال شرطة سيقومون هذه الليلة بدوريات عندما يختفي آخر المتسوقين في محطات مترو الأنفاق. وإحدى المجموعات الأولى التي يفتشها الشرطة مجموعة تتكون من ستة أفغان. الشرطة تطلب منهم أن يبرزوا هوياتهم الشخصية. بعد ذلك يأمر رجال الشرطة الشبان الأربعة والبنتين بوضع أيديهم على واجهة أحد المحلات ويفتشونهم بحثا عن مواد غير قانونية لكن لا يجدون معهم شيئا.
بيد أن هوية الشاب ستار البالغ من العمر 16 عاما لا يمكن قراءتها والتحقق منها، ليقتاده الموظفون إلى فريق شرطة آخر للتأكد من هويته. ويقول ستار: "هذه الإجراءات جيدة، لقد سبق لي أن رأيت أشخاصا يحملون سكاكين. أنا لم أرتكب مخالفة، نادرا ما آتي ليلا إلى ساحة ألكسندر. أنا هنا فقط مع بعض الأصدقاء. نحن نقيم بعيدا بعض الشيء وقضينا فترة بعد الظهر هنا". ولم تظهر بصمات ستار في السجل الجنائي ـ ما يعني أن بإمكانه الانصراف.
اتهام بالعنصرية
فريق رجال الشرطة يجوب محطات مترو الأنفاق مساء في نوفمبر. ومع بداية فصل الشتاء يمكن توقع أن تزداد حركة الأعمال الإجرامية حول ساحة ألكسندر. فعندما تشتد درجات البرد القارس في المدينة يغادر تجار المخدرات الحدائق نحو محطات مترو الأنفاق الدافئة في الساحة، ولذلك تريد الشرطة الآن البرهنة على حضورها.
ويصادف رجال الشرطة على الرصيف أشخاصا يعرفونهم: إنها مجموعة من ستة شبان، سبق وألقي القبض على اثنين منهم لحيازتهما مخدرات. المارة البرلينيون وبعض السياح ينظرون في الوقت الذي يفتش فيه رجال الشرطة مجموعة الشبان. "منذ متى يوجد هذا العدد الكبير من الشرطة؟"، تسأل امرأة مرافقها. فحضور الشرطة يلفت الانتباه وكذلك قيام الشرطة في الغالب بتفتيش أشخاص لهم ملامح أجنبية.
أحد المارة يتوجه إلى رجال الشرطة، ويسأل: "ما الذي يحصل هنا؟، أنتم تقومون بهذا فقط بسبب الأحكام المسبقة". ويتهم البعض شرطة برلين بالعنصرية. الشرطي ماتياس بورشيرت يدافع عن تصرفات فريقه، ويقول بأن قرار التفتيش يُتخذ بناء على تجربة. ويقول بورشيرت بأنه لا توجد وصفة جاهزة للقيام بتفتيش أحد الأشخاص.
وتفيد شرطة برلين أن الجزء الأكبر من الجنايات في ساحة ألكسندر يرتكبه شباب، والكثير منهم لاجئون من سوريا وأفغانستان والعراق وباكستان. والكثير منهم لا يتوفرون على رخصة إقامة طويلة الأمد ولا على رخصة عمل ـ فسوق العمل الألمانية تقدم لهم قليلا من الآفاق.
سيدة من المارة تقول بأنها تشعر بأمان أكبر بفضل حضور الشرطة القوي، وتفيد بأن "الوضع ساء جدا في ساحة ألكسندر، ليس لدي طريق آخر للذهاب إلى البيت. أشعر بأمان أكبر مع حضور الشرطة، لاسيما كامرأة".
مخدر "بونساي" ينتشر في برلين
إنها ليلة هادئة نسبيا بالنسبة إلى رجال الشرطة الذين لم يعثروا إلا على زجاجة غاز مسيل للدموع لدى أحد الشباب، في حين أن المخدرات والأدوية المهدئة تُعد من الأشياء التي يعثر عليها رجال الشرطة يوميا، وحتى أعمال العنف تحصل في الغالب في ساحة ألكس تحت تأثير الكحول والمخدرات.
والمخدر الاصطناعي بونساي (Bonsai) هو المنتشر حاليا بين المستهلكين ـ وتحذر الشرطة من أن هذا المخدر قد يتسبب بالإغماء لمن يتناوله، وهو يُباع بأسعار منخفضة. وفي منتصف الليل تنتهي مهمة فريق الشرطة، ليأتي النهار الموالي بالسياح ويأتي الليل بالجريمة.
م.أ.م