د. عبدالرزاق محمد الدليمي: ملاحظات حول قانون تحرير العراق من النفوذ الإيراني

كثر الحديث في الفترة القريبة الماضية بين الأوساط العراقية من مختلف التوجهات حول مشروع قانون “تحرير العراق من النفوذ الإيراني” المقدم إلى الكونغرس الأميركي والذي يحمل في ظاهره شعاراً جذاباً، لكنه يطرح إشكاليات قانونية وسيادية عميقة لا يمكن تجاهلها. فالعراق يفترض أن يكون دولة ذات سيادة،؟؟!! وأي محاولة لتقنين التدخلات الخارجية تحت اية مسميات ومنها التحرير يجب أن ينظر اليه من زوايا تحليلية عميقة و دقيقة ومن منظور وطني خالص.
من الناحية القانونية مثلا يمهد القانون لتوسيع تدخل الولايات المتحدة في الشأن العراقي تحت ذريعة مكافحة النفوذ الإيراني، (مع ملاحظة أن النفوذ الإيراني لم يكن ليكون موجودا في العراق لولا موافقة دولة الإحتلال الرئيسية امريكا )من عيوب القانون انه يمنح الإدارة الأميركية صلاحيات قد تُستخدم مستقبلاً لفرض سياسات أو عقوبات أو حتى دعم أطراف داخلية معيّنة، ما يُخلّ بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المنصوص عليه في القانون الدولي.
أما من الناحية العملية، فالسؤال الأهم: هل يتحرر العراق المحتل اساساً بإرادة امريكا التي احتلته العراق علما ان العراق المسيطر عليه امريكيا لا يحتاج إلى قانون أميركي لتحريره، فامريكا هي صاحبة الحل والعقد فيه والنفوذ الايراني فيه نفوذ خادم وبموافقاها علما ان تحرير العراق من كل أنواع الاحتلالات يحتاج اولا واخيراً إلى إرادة وطنية جامعة، ومؤسسات قوية، وقرار سيادي مستقل (غير موجود ) يرفض كل أشكال التبعية – سواء كانت لإيران أو لأميركا أو لأي طرف خارجي آخر.
ان الواجب الوطني العراقي اليوم يجب أن يحتم رفض تحويل العراق إلى ساحة لتصفية الحسابات بين نفوذ الدول التي احتلته والعمل على تعزيز الوحدة الداخلية، واستعادة القرار السياسي والأمني والاقتصادي من أي نفوذ أجنبي، من خلال ايجاد أدوات دستورية وطنية، لا مشاريع دولية مشروطة.
السؤال الأكثر الحاحا هو هل قانون تحرير العراق من النفوذ الإيراني سينقذ العراق من سطوة إيران وعملائها؟ وهل سيؤدي إلى تقويض نفوذ إيران في العراق وإضعاف الجماعات والمليشيات المسلحة والسياسية الموالية لها؟ إضافة إلى تساؤلات هامة اخرى حول مدى فعاليته في تحقيق هذا الهدف وإنقاذ العراق من سطوة إيران وعملائها.
بحسب التقارير المنشورة، يتضمن مشروع القانون عدة بنود رئيسية تهدف إلى تحقيق ما يلي:
حل الميليشيات المرتبطة بإيران: يسعى القانون إلى حل المليشيات والفصائل المسلحة بما فيها مايسمى بالحشد الشعبي التي تعتبرها الولايات المتحدة موالية لإيران وتصنيف بعضها كمنظمات إرهابية.
كذلك وقف المساعدات الأمنية الأمريكية المشروطة حيث يربط القانون استمرار المساعدات الأمنية الأمريكية للعراق بإقصاء الميليشيات الموالية لإيران من مؤسسات الدولة.
كما يقترح القانون دعم المجتمع المدني ومواجهة الدعاية الإيرانية و إلى تعزيز دور المجتمع المدني العراقي ودعم جهود مواجهة ما يعتبره نفوذ واسع للجماعات الإيرانية وفرض عقوباتعلى شخصيات وكيانات تعتبرها الولايات المتحدة وكلاء ومسهلين للميليشيات المدعومة من إيران.
كما يلزم مشروع القانون الإدارة الأمريكية بتقديم خطة تنفيذية للكونغرس خلال فترة زمنية محددة لتطبيق بنوده.
وتوفير فرص لإمكانية تحقيق الأهداف والتحديات على الرغم من الأهداف المعلنة الطموحة للقانون، إلا أن هناك العديد من التحديات التي قد تحد من فعاليته في إنقاذ العراق من النفوذ الإيراني وعملائه
ان عملية طرح هذا المشروع في هذه الظروف الحرجة حيث تزداد عمليات التعقيد بالمشهد العراقي وتنامي بالنفوذ الإيراني في العراق المتشعب والمتداخل في مختلف المؤسسات السياسية والاقتصادية والأمنية. غير المحصور بالميليشيات المسلحة، بل يمتد ليشمل أحزابًا سياسية نافذة وشخصيات مؤثرة في الحكومة والبرلمان.
وهذه القوى العميلة لايران سيكون لها ردود افعال لاسيما و انها ابدت رفضها ومقاومتها الشديدة لهذا القانون، وتخطط إلى تقويض تنفيذه بكل الوسائل المتاحة. كما تحاول ان تعمم خطابا دعائيا جوهره ان تشريع القانون وتطبيقه قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار السياسي الضعيف والهش في العراق، خاصة إذا تم تنفيذه في ظل التداعيات الإقليمية التي قد تؤدي إلى تصعيد التوترات الإقليمية بين الولايات المتحدة وإيران، مما قد ينعكس سلبًا على الوضع في العراق.
كذلك قد يواجه تطبيق بنود القانون تحديات قانونية ولوجستية كبيرة، خاصة فيما يتعلق بحل الميليشيات وفرض العقوبات.
إن أي خطوة أمريكية تهدف إلى تقليل نفوذ الطرف الإيراني او غيره في العراق لابد وان تتوفر لها مقومات وزخم من القوى الوطنية العراقية القادرة على احداث التغيير وفعاليته وهذه القوى على مايبدو غير موجودة حاليا!
والسؤال المهم الذي يقض مضاجع العراقيين هل سينجح هذا القانون في إنقاذ العراق؟
من الصعب الجزم بشكل قاطع ما إذا كان “قانون تحرير العراق من النفوذ الإيراني” سينجح في تحقيق هدفه. لانه يعتمد بشكل كبير على كيفية تطبيق القانون، وردود الفعل الداخلية والإقليمية، وقدرة القوى الوطنية العراقية المناهضة للاحتلالين الامريكي والفارسي على استغلال هذه الفرصة لا يتراجع سيادة العراق واستقلاله.
سيما إذا علمنا إن “قانون تحرير العراق من النفوذ الإيراني” يمثل محاولة من قبل بعض الأطراف في الولايات المتحدة يغلب عليها الطابع الاستهلاكي اكثر من الفعلي لتقويض النفوذ الإيراني في العراق. ومع ذلك، فإن هذه التطلعات حتما ستواجه تحديات كبيرة ومعقدة من معسكر ايران وذيولها وكما اكدنا سابقا فإن نجاح أي جهد حقيقي لإنقاذ العراق من السطوات الخارجية، بما في ذلك إيران، يعتمد أولاً وقبل كل شيء وجود ارادة وطنية عراقية حقيقية قوية لبناء دولة مستقلة ذات سيادة حقيقية.وللاسف هي غير موجودة حاليا ولن تكون مادامت هذه الثلل من العملاء المزدوجين يسرحون ويمرحون في بلدنا ولا ضوء في نهاية النفق!.
جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز