د. محمد القيسي: أوكرانيا ما بين غباء زيلينسكي وخبث ماكرون

استغرب الناس مما جرى في ذلك اللقاء الصاخب الذي جمع الرئيس الأمريكي مع الرئيس الاوكراني في المكتب البيضاوي في واشنطن، لكن المتابع يستطيع ان يفهم أسبابه و حيثياته ، فلقد كان هناك اتفاق تم في كييف بين الرئيس الاوكراني ووزير الخزانة الأمريكي ، على اعادة صياغة الاتفاقية الاقتصادية بناءا على طلب زيلنيسكي نفسه، وفعلا تم صياغتها باتفاق من قبل خبراء الطرفين الأمريكان والأوكرانيين بأن تكون اتفاقية إطارية ( اي تحدد الاطار العام للعمل على تنفيذ البنود المتفق عليها )، وهذا الموضوع معلن في اعلامهم وليس معلومات من عندي ، واعلنوا ان الرئيس الاوكراني سيذهب إلى واشنطن للتوقيع على تلك إلاتفاقية الإطارية.
وكان الأمريكان ابلغوا اوكرانيا ان هذه الاتفاقية ليس لها علاقة بموضوع انضمام أوكرانيا الى حلف الناتو ولا بموضوع الضمانات الامنية التي اعلن ترامب صراحة ان هذا الأمر ستتولاه الدول الاوروبية، وانه يؤيدها في ذلك، ولكن زيلينسكي عندما ذهب إلى واشنطن رفض التوقيع على الاتفاقية ( التي أُعدّت بالاشتراك بين الطرفين ) واشترط الدخول إلى الناتو، وتقديم أمريكا لضمانات امنية. وهذا على عكس ما تم الاتفاق عليه قبل مجيئه لواشنطن.
وزيلينسكي معروف بنقضه للاتفاقات ، فقد نقض اتفاقية مينسك التي وقعها مع روسيا قبل الحرب التي كانت تؤدي إلى سلام دائم مع روسيا ، وهو بذلك تسبب بالحرب ،وهو ايضا أوقف مفاوضات السلام في بداية الحرب التي جرت في تركيا ، وهذه الاحداث معروفة لكل متابع . بلا ادنى شك ان فرنسا وبريطانيا والمانيا وعدد آخر من دول اوروبا هي التي دفعت زيلينسكي للتخلص منر وقع الاتفاقية الإطارية مع الولايات المتحدة والذي كان من المفرض ان يتم في ذلك اللقاء ( الصاخب ) مع الرئيس ترامب حيث اراد زيلنسكي التذاكي على الرئيس ترامب والتملص من الاتفاق بذريعة المطالبة بشروط النظام للناتو وضمانات امنية .
ان هذه الاتفاقية ستجعل من تلك الدول الأوروبية خاسرة في هذه الحرب التي استثمرت فيها اموالا ( هي الاموال والأسلحة التي كانت تقدمها بأوكرانيا ) املا بتفكك الاتحاد الروسي كما تفكك الاتحاد السوفيتي، ومن ثم تحوله إلى دويلات صغيرة وضعيفة تسيطر عليها دول اوروبا الغربية وتحصل على ثرواتها بأرخص الاثمان .
الان الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن، فصمدت روسيا جيشا وحكومة وشعبا وبدى اقتصادها اكثر قوة وتماسكا في مواجهة اكبر قائمة عقوبات مرت على الدول في تاريخ البشرية ، وقدوم ادارة أمريكية جديدة تفهم اللعبة وتعرف كيف تدير النزاعات بما يحقق لها المصالح الاقتصادية ، ان التوقيع على هذه الاتفاقية مع الأمريكان سيجعل من دول الاتحاد الأوربي وبريطانيا خارج اللعبة ولن تحصل على اي ثمن ، اي تخرج من المولد بلا حمص كما يقول المثل العربي.
فرنسا بقيادة “الماكر” ماكرون اكثر المتحمسين لدفع الرئيس الاوكراني للاستمرار بالحرب ورفض خيار السلام ما لم تحصل على ثمن مجد لها ، فهي خسرت نفوذها في افريقيا الذي كانت تحصل منها على ثروات ومعادن رخيصة ، وعندها حلم قديم يراودها منذ ايام نابليون بالاستيلاء على روسيا ونهب الثروات التي في باطن أراضيها والماكر ماكرون هم المحرك الأساسي لاستمرار هذه الحرب مع روسيا . كذلك لابد من الإشارة إلى ان دول الاتحاد الاوروبي وادارة بايدن هم من دفعوا زيلينسكي لايقاف محادثات السلام في تركيا، وكذلك اتفاقية مينسك ( وهذا جاء باعتراف من رئيسة وزراء المانيا السابقة انجيلا ميركيل) .
زيلينسكي كومبارس استخدمته ولا تزال دول اوروبا لمحاربة روسيا، والان تعمل على استخدامه للضغط على الرئيس ترامب لتغيير تعامله مع القضية الاوكرانية وادخال أوروبا كطرف ثالث لكي تحصل على حصة من كعكة الثروات، وليس حبا بعيون زيلينسكي ولا حرصا على شعب أوكرانيا حتى لو تطلب ذلك الاستمرار بالحرب !
خبير اقتصادي عراقي مقيم في الدنمارك