د. علي الجابري: روسيا تعود لدمشق من باب “الجولاني”.. من المستفيد؟
إلتقى أحمد الشرع وفداً روسياً رسمياً يوم 28 يناير 2025، في دمشق في خطوة مفاجئة تشكل تحولاً في العلاقة بين العدوين اللدودين، حيث كانت روسيا الى وقت قريب تعد احمد الشرع “الجولاني” ليس سوى إرهابياً مطلوباً للعدالة.
الوفد الروسي الذي زار دمشق لأول مرة منذ سقوط نظام بشار الاسد وهربه الى موسكو، ترأسه نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، والمبعوث الخاص الى روسيا الكسندر لافرينتييف.
ويبدو ان هذه الزيارة مهَّدَ لها وزير الخارجية البيلاروسي “مكسيم ريجينكوف” الذي زار دمشق في 23 يناير الجاري، وتحدث مع الشرع حول ترتيبات هذه الزيارة الروسية بحسب معلومات متداولة. وكما هو معلوم فإن بيلاروسيا هي الاخرى كانت ابرز حلفاء روسيا الداعمين لنظام الاسد، وكانت تصف هيئة تحرير الشام “بالارهابيين”، وكانت بذلك ترد الجميل لنظام الاسد الذي صوت ضد قرار في الامم المتحدة ضد نظام بيلاروسيا التي اتهمت بانتهاك حقوق الانسان عام 2007.
ولكي نفهم ابعاد واهدف الزيارة لابد من ان نسلط الضوء على شخصية رئيس الوفد الروسي، ميخائيل بوغدانوف، هذا الرجل الذي خبر المنطقة جيداً من خلال عمله الدبلوماسي الطويل الذي بدأه كسفير في عام 1974 ، فضلاً عن اجادته اللغة العربية، ومعرفته بكل تفاصيل دول المنطقة بما فيها اسرائيل، كما انه يتولى الملف السوري منذ عام 2011.
أما الكسندر لافرينتييف ، فهو يوصف بأنه رجل فلاديمير بوتين الذي كان مسؤولاً لفترة طويلة عن تأكيد موقف الكرملين بشأن سوريا على المستوى الدولي، لاسيما من خلال المؤتمرات الدولية ، ومنها مؤتمري “الاستانة وسوتشي” الى جانب سيرغي لافروف، كما انه على دراية تامة بالمنطقة ، وكان احد روابط الاتصال الرئيسة بين بوتين والاسد.
هذا اللقاء اثار ردود فعل غاضبة لدى شريحة كبيرة من السوريين لانهم اعتبروا خطوة الشرع هذه خيانة لدماء السوريين، ولكنه هو الاخر قد يهدف الى تحقيق مكاسب اكبر من الاصرار على موقف مناوئ لروسيا ، واللعب بأوراق دولية اكثر.
وبالمقابل طرح هذا اللقاء تساؤلاتً عديدة عن جدوى تراجع روسيا عن مواقفها من “الشرع” وجماعته، حيث لطالما ربطتهم بتنظيم داعش الارهابي، بينما يتهم الشرع روسيا بأن طائراتها كانت السبب في مقتل آلاف المدنيين السوريين؟
بالنسبة لموسكو، فإن الامر مُلِح، لان سوريا التي تحكمها اليوم هيئة تحرير الشام ، علَّقت منذ ايام عقد امتياز أرصفة ميناء طرطوس (امتيازه عمره 49 عاماً) وتحد من الوصول الى هذه الارصفة. ومع ذلك، لا تزال هناك مئات الاطنان من المعدات الروسية في الاراضي السورية، مركبات عسكرية ومعدات امداد ومعدات بناء ورافعات في ميناء طرطوس، وكذلك في قاعدة “حميميم” الجوية المجاورة التي بنيت عام 2015 في بداية الالتزام الروسي الضخم بإنقاذ نظام بشار الاسد انذاك.
الامر الاكثر اثارة للقلق بالنسبة لموسكو هو الحالة المأساوية لأسطولها في البحر الابيض المتوسط ، ومع عزل مينائها الوحيد المخصص لنظامها التشغيلي في البحر الابيض المتوسط ، عانت من غرق السفن والاضرار ومشاكل اعادة الامداد.. والأسوأ من ذلك ان سفينتين حربيتين ، بحسب عدة اجهزة استخبارية ، هما “ايفان غرين والكسندر اوتراكوفسكي” متمركزتان في طرطوس.
وبعيداً عن المصالح المادية، فإن روسيا لا تريد ان تفقد ماء وجهها في المنطقة، خاصة وان حلفاؤها جميعاً في حالة يرثى لها، حيث باتت ايران اكثر ضعفاً مما كانت عليه.
ما مصلحة الشرع؟
بالمقابل يُطرح تساؤل كبير عن فائدة احمد الشرع وهيئة تحرير الشام في استقبال الوفد الروسي الرسمي رفيع المستوى؟ خاصة وانه تعرض لانتقادات كبيرة من آلاف السوريين في مواقع التواصل الاجتماعي، لانه بهذه الخطوة – بحسب بعض السوريين- اهان “شهداء الثورة” باستقباله حلفاء الاسد.
لكن يبدو انه اراد من هذه الخطوة أولاً تسجيل الاعتراف به كحاكم لسوريا، وارغام روسيا على الاعتراف بالوضع الجديد، حيث انه بوقوفه في قصر الشعب بدمشق واستقباله الوفد الروسي اعلن للعالم ان روسيا تراجعت عن موقفها الداعم للاسد واتهامها له بالارهاب، وانها جاءت اليه لمد يد التعاون والتنسيق؟!
ومن الواضح ان مسألة ميناء طرطوس وقاعدة حميميم والمعدات الروسية الهائلة ، تعد من اولويات حكومة هيئة تحرير الشام في دمشق.
والابعد من ذلك ، قد يكون الموضوع مفاجئاً للمتابعين للشأن السوري ، هو سعي الشرع الى الإلتفاف على العقوبات الغربية .. فهو قد يسعى ان يجعل من العدو السابق “روسيا” حجة للضغط ضد العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الامريكية والدول الاوروبية ، حيث ان العديد من الشركات الروسية كان لها تواجد في سوريا كسراً للعقوبات.. واذا كانت الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي قد رفعتا العقوبات جزئياً، لاسيما في مجالي الطاقة والموارد، فإن بقية العقوبات المفروضة منذ اكثر من عقد تثقل كاهل الاقتصاد السوري المدمر. وقد تحاول هيئة تحرير الشام الضغط لرفع العقوبات بالكامل او المطالبة بشراكة اقتصادية حقيقية مع الغرب، بإستثمار ورقة الضغط الروسية.
كما حاول الشرع تهدئة الشارع السوري من خلال الاعلان عن مطالبته الوفد الروسي بتسليم الرئيس السابق بشار الاسد، لكن لابد من الاشارة الى ان هذه المطالبة لا تخرج عن اطار الامنيات، وهو يعلم قبل غيره ان روسيا لن تُسلَّم الاسد له، لان هذه الخطوة قد ترسل رسالة مغلوطة الى حلفاء روسيا في المنطقة والعالم من ان روسيا تتخلى عن حلفائها بسهولة، وهو امر مستبعد تماماً ولا يصب في مصلحة روسيا. لذلك فالمطالبة ليست سوى محاولة لذر الرماد في العيون.
ان كلا طرفي اللقاء يحاول ان يحقق منجزات من هذا اللقاء، من باب المصالح وإن كان العداء مازال قائماً ، لكن هذه الخطوة تشكل خطوة على صعيد التنسيق والتعاون بين الطرفين فيما لو تمكنا من بناء مصالح مشتركة بينهما، لا تنتهي بنهاية الاهداف الانية التي يسعى لتحقيقها كل منهما.
رئيس تحرير صحيفة يورو تايمز