آراء

نزار العوصجي: أول الغيث قطر ثم ينهمر

قبل مايقرب شهرين من الأن ، كتبنا مقال بعنوان فشل مشروع ولاية الفقيه ، و قد علق البعض من المتابعين لما نكتب ، بأنه من المبكر و السابق لأوانه الخوض في هذا الموضوع ، و ان رأيهم هذا ينطلق من صعوبة هزيمة نظام الولي الفقيه ، و عدم تقبل قادة النظام الإيراني الإقرار بالهزيمة بسهولة ، وان تقهقر سطوة حزب الله في لبنان ليست هي المقياس ، لذا فان فشل مشروع ولاية الفقيه يبقى رهن الضروف المرحلية ..

اليوم نعود لنقول ان لبنان لم يعد ورقةً بيد إيران كما كان في العقدين الماضية ، و إنها آخر أيام حزب الله في لبنان ، و كذلك هو الحال في سوريا ..
فلقد تمكن الأشقاء العرب و تحديداً المملكة العربية السعودية بالتنسيق مع فرنسا و أميركا ، من جمع و تطويع الفرقاء اللبنانيين ، و دفعهم لأنتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية اللبنانية .. و ذلك هو أول الغيث ..
و على الرغم من التعهد الذي حصل عليه الثنائي الشيعي المتمثل بحزب الله و حركة أمل من رئيس الجمهورية جوزيف عون ، بإعادة تسمية نجيب ميقاتي رئيساً للوزراء حسب مزاعم وسائل إعلام حزب الله ، فقد إنقلب عدد من ألمناصرين و المؤيدين للحزب ، و تحول موقفهم بزاوية مقدارها 180 درجة ، و في مقدمتهم جبران باسيل أحد أبرز أقطاب الموارنة ، و زعيم تجمع التيار الوطني الحر ، و المقرب جداً من الرئيس السابق ميشيل عون ، حيث انقلب على حلفائه في حزب الله و حركة أمل ، و اتجه في آخر لحظة الى تسمية الدكتور نواف سلام ، المرشح القادم بقوة و الذي يحضى بقبول شعبي ، و المدعوم عربياً و اوربياً و أمريكياً ، لتشكيل الحكومة الجديدة ، و قد سبقه في الأنقلاب الزعيم الدرزي وليد جنبلاط ، رغم أعلانه المسبق من انه الى جانب ترشيح نجيب ميقاتي لرئاسة الوزراء ..
بالفعل إنقلب حلفاء الأمس على الرغم من التعهدات و أوراق الأعتماد الكثيرة التي قدمها ميقاتي للعرب و الغرب و أميركا ، و كان آخرها تسليم الشاعر عبد الرحمن القرضاوي الى دولة الأمارات العربية المتحدة ، خلافاً لكل القوانين و تجاوزاً على كل الاعراف المعمول بها دولياً في حق اللجوء الأنساني ..
لذا فان تسمية الدكتور نواف سلام لتشكيل حكومة تكنوقراط خالية من الثلث المعطل يشكل خسارة اخرى تضاف إلى قائمة الخسائر الفادحة و الكبيرة التي مني بها حزب الله في لبنان ، و الذي يتخبط بالضياع في مسيرته منذ مقتل زعيمه السيد حسن نصرالله ، إلى جانب شريكه في الضياع حركة أمل ألتي يرأسها الهرم نبيه بري ..

حين ننظر بتمعن إلى قائمة خسائر الحزب الأستراتيجية نجد انها باتت طويلة بدءاً من :
اغتيال أمينه العام السيد حسن نصرالله و نائبه و القيادة التنظيمية للحزب .. وصولاً الى أغتيال جميع قادة الأجهزة العسكرية و الأمنية للحزب ، من الخط الأول و الثاني و الثالث .. من ثم تدمير الجزء الأكبر من سلاح الحزب الأستراتيجي و النوعي مع قرب نفاذ مخزونه .. و ربما تكون الخطوة اللاحقة سحب ماتبقي من سلاحه بالقوة .. إضف الى ذلك تدمير تحصينات الشريط الحدودي التي طالما تغنى بها ، و التي كان يجهزها منذ 18 عاماً .. الى جانب تدمير واسع في الضاحية الجنوبية و إحتلال أراضي لبنانية حدودية .. تلاها توقيعه مرغماً على اتفاق مذل و مهين مع الكيان الصهيوني ، يسمح له بالتدخل الجوي و البري متى ما أراد ، و لا يسمح للحزب بالرد ، مما يعني فقدانه لهيبته و مبرر و جوده ضمن ما يسمى بمحور المقاومة ، و عدم قدرته على مقاومة المحتل .. أعقبها سقوط نظام بشار الأسد الأجرامي في سوريا و إنكشاف ظهر حزب الله و قطع خطوط أمداده .. وصولاً الى انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً للبنان ، و الذي يتماشى مع التوجه الشعبي و العربي و الأوربي و الأميركي ، و رغبتهم في رسم مستقبل لبنان و المنطقة .. بالتزامن مع إنقلاب حلفاء حزب الله و حركة أمل و تسمية رئيس وزراء علماني معادي لتوجهات الحزب و للمشروع الإيراني تماماً ..
و لا نريد ان نستبق الأمور و لكننا نتوقع ان تكون هنالك نقاط أخرى يمكن أضافتها الى ما تقدم ، منها عودة فتح التحقيق في جريمة أغتيال رفيق الحريري ، و تفجير مرفأ بيروت ..

ماتقدم من أحداث يبين بشكل واضح دلالات فشل مشروع ولاية الفقيه ، و النتيجة التي انتهى اليها حزب الله بعد الدمار و الخسائر و الإخفاقات الكبيرة ، كونها نتيجة الخاسرين المنهزمين ..
هذه النتيجة تمثل حزمة من المفردات المشينة ، بدءاً بعدم تحقيق أهداف الحرب ، مروراً بسقوط مبدء وحدة الساحات ، وصولاً الى التراجع و الانتكاسات المتتالية ..
كما لم يستطع حزب الله طيلة أيام الحرب التي فتحها و شنها على إلكيان الصهيوني من تحقيق أي هدف في تلك الحرب ، كما لم يتمكن من إسناد غزة على أي نحو من نواحي الإسناد الحربي ، و هذا واضح لا يحتاج الى دليل ، الى جانب أخفاقه في معادلة الردع التي طالما صدع بها الرؤوس ، و تطاول بها على كل الاعتبارات ، بل العكس ، فقد ظهرت زيف مزاعمه و تبجحاته للعيان ، ففي غضون شهرين تلقى ألعديد من الضربات التي أصابته بمقتل و ألحقت به الخسائر الفادحة و الدمار الهائل ، و هذا يعتبر فشلاً سياسياً و عسكرياً ذريعاً ..
ان الأنقلاب الأبيض الذي حصل في لبنان جاء بعد تراجع نسبة التعاطف و التأييد في صفوف حلفاء حزب الله في لبنان ، بعد ان برز على الواجهة واقعاً شعبياً و سياسياً جديداً صلباً ، ثبت في الوقوف بوجه مناصريه ، الى جانب الرفض المطلق لأي شيئ يفضي إلى تكرار حماقاته ، و عدم القبول بالتغول على حساب الدولة و القوى الوطنية اللبنانية ، و العمل على إيجاد أرضية لتغيير التوازنات السياسية في لبنان لغير صالح حزب الله ..
قريباً ستعود للدولة اللبنانية و للقوى الوطنية اللبنانية هيبتها ، و سينعكس ذلك سلباً على وضع حزب الله و حركة أمل و دورهم في المعادلة السياسية ، كذلك هو الحال في سوريا الحرة ، بذلك يكون النظام الإيراني قد خسر ثلثي مناطق نفوذه و قوته في المنطقة ، و هذا يمثل اولى محطات نهاية مشروع الولي الفقيه ..

زر الذهاب إلى الأعلى