موضوعات رئيسيةهنا اوروبا

تقرير: أوروبا تشهد حرباً واسعة رغم إنكار القادة

سلّط فيليبس بايسون أوبراين، مؤرخ وأستاذ الدراسات الاستراتيجية في جامعة سانت أندروز في اسكتلندا، الضوء على الحرب واسعة النطاق التي تشنها روسيا بالفعل ضد أوروبا، في ظل تردد القادة الأوروبيين في الاعتراف بذلك، مؤكداً ضرورة أن يتخلى الأوروبيون عن التعبيرات الدبلوماسية، ومواجهة حجم التهديد الذي يشكله عدوان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

التطورات تثبت نية روسيا قلب النظام الأوروبي وتوسيع نطاق الصراع



استخدمت روسيا الصواريخ والطائرات دون طيار لاستهداف البنية الأساسية الحيوية في أوكرانيا على مدار السنوات الثلاث الماضية، بما في ذلك محطات الطاقة والسدود وخطوط الطاقة. وفي حين يُعترف على نطاق واسع بهذه الهجمات باعتبارها أعمال حرب، يصفها بوتين بشكل ملطف بأنها جزء من “عملية عسكرية خاصة”.
ومع ذلك، تُوصَف الحملات السرية التي تشنها روسيا – خارج أوكرانيا – في جميع أنحاء أوروبا بأقل من حجمها الحقيقي على لسان القادة الغربيين، الذين يتجنبون اعتبارها أعمال حرب.

“إستلينك 2”


وقال الكاتب في مقاله بموقع مجلة “أتلانتيك” الأمريكية : من الأمثلة الحديثة على ذلك تخريب كابل الطاقة البحري “إستلينك 2″، الذي يربط بين إستونيا وفنلندا، وكلاهما عضو في حلف الناتو والاتحاد الأوروبي. وربط المحققون الفنلنديون الهجوم بناقلة النفط الروسية “إيغل إس”، التي كانت تحمل معدات مراقبة متقدمة وسحبت مرساتها عمداً عبر قاع بحر البلطيق لقطع الخط.

ورغم هذه الأدلة، امتنع مسؤولو الاتحاد الأوروبي عن وصف روسيا صراحةً بالجاني، ووصفوا الحادث بأنه مجرد جزء من نمط من “الأعمال المتعمدة والمنسقة”. ويمتد هذا التردد في مواجهة روسيا إلى حوادث أخرى، بما في ذلك التخريب في مصانع الذخيرة والسكك الحديدية والبنية الأساسية المدنية.

وفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على الأفراد والكيانات الروسية المتورطة في هذه الهجمات، لكنه امتنع عن وصفها بأعمال حرب، واختار بدلاً من ذلك مصطلحات مثل “الأعمال الخبيثة” و”الجهود المزعزعة للاستقرار”.


مخاطر التعبيرات الملطفة


وانتقد الكاتب اللغة التي يستخدمها القادة الأوروبيون لوصف العدوان الروسي، ويرى أنها تعمل على إدامة ثقافة الإنكار. فمن خلال استخدام مصطلحات مثل “الحرب الهجينة” أو “الأعمال المزعزعة للاستقرار”، يقلل القادة من خطورة الموقف.
وهذا يعكس خطاب بوتين نفسه، حيث يتجنب الاعتراف بحملته الوحشية ضد أوكرانيا. وينبع الإحجام عن وصف تصرفات روسيا بالحرب لعوامل عدة منها الخوف من الالتزامات المترتبة على ذلك، مثل الرد العسكري.

وأوضح الكاتب أن الاعتراف بهذه الأفعال باعتبارها حرباً لا يفرض بالضرورة الانتقام الفوري. بل إنه بدلاً من ذلك يجبر القادة الأوروبيين على وضع استراتيجيات متماسكة للدفاع والردع. والاعتراف الواضح بالتهديد من شأنه أن يحفز أوروبا على التحرك، وخاصة مع مواجهة القارة لعدم اليقين المتزايد بشأن موثوقية الولايات المتحدة كقوة حماية.


حرب بوتين العالمية


وأضاف الكاتب أن حملات التخريب في مختلف أنحاء أوروبا تشكل جزءاً من استراتيجية أوسع نطاقاً ينتهجها بوتين لزعزعة استقرار القارة، وتحدي سيادتها لتقويض الوحدة والأمن الأوروبيين، على سبيل المثال، صعّد نظام بوتين أنشطته إلى ما هو أبعد من العمليات السرية كما يلي:
1. القوات الكورية الشمالية في أوروبا: تشير التقارير إلى أن القوات الكورية الشمالية نُقلت إلى الأراضي الأوروبية للقتال إلى جانب القوات الروسية.
2. التخريب عبر عدة قطاعات: تستهدف عمليات روسيا مجموعة واسعة من البنية التحتية الاستراتيجية والمدنية بدءاً من الهجمات على الكابلات البحرية إلى الطرود التي تشتعل فيها النيران في شركات الشحن الجوي.
3. الحروب بالوكالة والتحالفات الاستراتيجية: تعمل تحالفات موسكو مع الأنظمة الاستبدادية على تعقيد المشهد الأمني في أوروبا.
ويزعم أوبراين أن هذه التطورات تثبت نية روسيا قلب النظام الأوروبي وتوسيع نطاق الصراع.


الاعتماد على أمريكا

قوبل التهديد المتنامي الروسي برضى من جانب أوروبا، نتيجة عقود من الاعتماد على الولايات المتحدة في تحقيق الأمن. فمنذ الحرب الباردة، نظرت الدول الأوروبية إلى الحرب باعتبارها مسؤولية أمريكية في المقام الأول، فوفرت دعماً عسكرياً محدوداً في حين استعانت بواشنطن في القيادة الاستراتيجية.
إن موقف الولايات المتحدة، كما يحذر أوبراين، لم يعد قابلاً للاستمرار. ومع إعراب الرئيس المنتخب دونالد ترامب عن ازدرائه للحلفاء الأوروبيين والإشارة إلى التراجع عن الدور التقليدي لأمريكا كحامية لأوروبا، تواجه القارة حاجة ملحة لتولي مسؤولية دفاعها.
ويؤكد خطاب ترامب وسياساته على هشاشة العلاقات عبر الأطلسي، مما يدفع أوروبا إلى إعادة تقييم وضعها الأمني.


إمكانات أوروبا غير المستغلة


وتابع الكاتب: رغم اعتمادها التاريخي على الولايات المتحدة، تمتلك أوروبا الموارد والقدرات اللازمة للدفاع عن نفسها. ويمثل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والديمقراطيات الأخرى في المنطقة مجتمعة حوالي خمس الناتج المحلي الإجمالي العالمي ويبلغ عدد سكانها حوالي نصف مليار نسمة. وتحتفظ الدول الأوروبية بقوات عسكرية متقدمة ومجهزة بتكنولوجيا متطورة.
ورأى الكاتب أن عدوان بوتين ولامبالاة ترامب فرصة لأوروبا لتأكيد استقلالها في الدفاع، مشيراً إلى أن الخطوة الأولى في هذه العملية تتلخص في الاعتراف بالواقع؛ بمعنى أن روسيا تشن حرباً ضد أوروبا. ومن خلال تأطير الصراع بدقة، يستطيع القادة الأوروبيون أن يركزوا جهودهم على تعزيز الأمن الإقليمي والمرونة.


خطوات نحو دفاع أقوى

ودعا الكاتب إلى اتخاذ عدة تدابير لمواجهة العدوان الروسي بفعالية: أولاً؛ الوحدة الاستراتيجية: يتعين على الدول الأوروبية إعطاء الأولوية للتعاون لمعالجة التهديدات المشتركة، والانتقال إلى ما هو أبعد من الاستجابات المجزأة.
ثانياً؛ الاستثمار في الدفاع: إن زيادة التمويل للقدرات العسكرية وحماية البنية الأساسية والأمن السيبراني أمر ضروري.
ثالثاً؛ التواصل الواضح: يتعين على القادة التخلي عن التعبيرات الملطفة وتوضيح الطبيعة الحقيقية للصراع لشعوبهم، وتعزيز الوعي العام والدعم. إن الاعتراف بأن أوروبا في حالة حرب مع الحملات السرية التي تشنها روسيا من شأنه أن يزيد من التركيز على الأهداف الأمنية طويلة الأجل، ويعزز التزام القارة بالاعتماد على الذات.

زر الذهاب إلى الأعلى