قبل أربعة أيام من الانتخابات.. فرنسا بين اليمين المتطرّف وقوى مشتتة
باريس – أ ف ب
دخلت فرنسا الأربعاء الشوط الأخير، من سباق الانتخابات التشريعية المبكرة، والتي قد تؤدي إلى وصول اليمين المتطرف إلى السلطة، أو تحالف بين اليسار والوسط، ويمين الوسط، في خضم وضع غير مسبوق سياسياً في البلاد.
وقبل أربعة أيام من الدورة الثانية، يبدو المشهد السياسي غير قابل للتكهن مع صعود لافت للتجمع الوطني (يمين متطرف) بزعامة جوردان بارديلا (28 عاماً) الطامح إلى تشكيل أول حكومة من اليمين المتطرف في فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية.
وحذر رئيس الوزراء الفرنسي غابريال أتال من أن «اليوم هناك كتلة في وضع يمكّنها من الحصول على الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية، إنها اليمين المتطرف».
وأكد أن الأحد، «إما أن تصبح السلطة في يدي حكومة يمينية متطرفة، وإما أن تكون السلطة للبرلمان». وأضاف: «أقاتل من أجل السيناريو الثاني».
ومن أصل 311 دائرة كان يتوقع أن تشهد انتخابات في الدورة الثانية، إذ تأهل فيها ثلاثة مرشحين، بعد الدورة الأولى التي فاز بها اليمين المتطرف، شهد ثلث هذه الدوائر انسحاب مرشحين من أحزاب اليسار واليمين الجمهوري، ويمين الوسط لصالح بعضهم في عمليات تجيير أصوات لتعقيد وصول مرشحي التجمّع الوطني.
وحاولت أحزاب من اليسار واليمين الجمهوري ويمين الوسط تخطي تحفظاتها وتناقضاتها للتوصل إلى تفاهمات تقطع الطريق على حزب التجمع الوطني وحلفائه من اليمين المتطرف.
وتنظم شبكة «بي إف إم تي في» الخاصة الأربعاء، «برنامجاً خاصاً» يستضيف كلاً من رئيس الوزراء غابريال أتال من المعسكر الرئاسي، وجوردان بارديلا ورئيسة أنصار البيئة مارين توندولييه (يسار) الواحد تلو الآخر لمدة ساعة، إذ لم يتم الاتفاق على تنظيم مناظرة بينهم.
وأحدث الرئيس إيمانويل ماكرون صدمة بإعلانه حل الجمعية الوطنية في التاسع من يونيو/حزيران الماضي، وعرف المشهد السياسي في البلد انقلاباً فعلياً مع تصدر التجمع الوطني نتائج الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية، متقدماً على تحالف «الجبهة الشعبية الجديدة» اليساري.
وتشير التوقعات لتوزيع المقاعد التي صدرت في الأيام الأخيرة إلى أن التجمع الوطني سيجد صعوبة في تحقيق الأغلبية المطلقة المقدرة بـ289 نائباً، وتتعزز فرضية قيام جمعية وطنية بثلاث كتل من اليمين المتطرف واليسار والماكرونيين، ما يجعل من فرنسا بلداً يتعذر حكمه، في وقت يستعد لاستقبال دورة الألعاب الأولمبية.
- – «شلّ البلاد»
وتطرح زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن حتى احتمال تشكيل حكومة بأغلبية نسبية من 270 نائباً، تُستكمل بدعم نواب من خارج التجمع «على سبيل المثال من بعض اليمين وبعض اليسار وعدد من الجمهوريين (يمين)».
من جهته، ندّد بارديلا في مقابلة مع صحيفة «لو فيغارو» الأربعاء بتحالفات مناهضة للتجّمع الوطني تهدف إلى «شلّ البلاد»، مضيفاً أنّه «مستعدّ لمدّ يده من أجل توسيع أغلبيته».
وحاول بارديلا التقليل من تأثير إعلانات وتصرفات مثيرة للجدل لشخصيات في حزبه، منها اعتمار مرشح قبعة عليها صليب معقوف قائلاً: «عندما يكون هناك تفاحات فاسدة – وقد يكون هناك بعض منها – فإن يدي لا ترتعش. في الواقع، كنت أرغب في سحب الترشح».
وبوجه هذه الموجة اليمينية المتطرفة، يسود التشتت بين قوى ذات توجهات مختلفة تقوم بينها خصومات شديدة، غير أنها باتت ملزمة بالتوصل إلى تفاهمات.
وإن تمكنت هذه القوى من منع التجمع الوطني من الفوز، فسيتحمل الماكرونيون، وقسم من اليسار، وأعضاء من الجمهوريين مهمة بناء «ائتلاف كبير»، وفق ممارسة سارية في بلدان أوروبية أخرى، غير أنها غريبة عن التقاليد الفرنسية.
وأقرت زعيمة حزب «الخضر» مارين توندولييه بأنه سيتعين «بالتأكيد القيام بأمور لم يفعلها أحد من قبل في فرنسا».
- – «غير وارد»
وصدر الخطاب نفسه عن مسؤولين في اليمين وفي صفوف الماكرونيين، وفي طليعتهم رئيس الوزراء نفسه الذي تحدث عن «جمعية (وطنية) متعددة»، ورئيس حزب الجمهوريين كزافييه برتران الذي دعا إلى «حكومة انتفاضة وطنية».
غير أن هذا التقارب يبدو هشاً، إذ يخفي ريبة عميقة متبادلة بين جميع هذه الأطراف. فالحزب الاشتراكي يخشى أن يقدم مرشحو الجمهوريين الذين رفضوا الانسحاب، على «التحالف» مع التجمع الوطني، وقال الأمين العام للحزب بيار جوفيه إن «الجمهوريين ملتبسون».
أما حزب «فرنسا الأبية» اليساري الراديكالي، أكبر أحزاب اليسار والأكثر جدلية، فاستبعد المشاركة في مثل هذا الائتلاف. وأكد أحد ممثليه مانويل بومبار، أن الحزب «لن يحكم إلا لتطبيق برنامجه، البرنامج فقط، ولكن البرنامج كاملاً».
وشدّد ماكرون الأربعاء، أنه «من غير الوارد»، أن «يحكم» مع حزب «فرنسا الأبية». وأعلن، أن «الانسحاب لصالح مرشحين يساريين في مواجهة التجمع الوطني لا يعني الحكم غداً مع حزب فرنسا الأبية».
ويواجه ماكرون نقمة في صفوفه، بعد اتخاذه القرار الذي أدخل فرنسا والأغلبية الرئاسية في المجهول. وحل حزبه الذي يحظى بأغلبية نسبية في الجمعية الوطنية المنتهية ولايتها، في المرتبة الثالثة في نتائج الدورة الأولى، من الانتخابات بحصوله على 20% فقط من الأصوات، ويستعد لهزيمة الأحد.
وقبل المشاركة في قمة حلف شمال الأطلسي الأسبوع المقبل في واشنطن، بات ماكرون في موقع ضعيف على الساحة الدولية في وقت تبقى الأنظار متجهة وسط ترقب وقلق إلى التشكيلة المقبلة للسلطة في بلد يملك السلاح النووي، ويعتبر من دعائم الاتحاد الأوروبي.