د. علي الجابري: محـور “المقـاولـة” و”جهـاد المشـاوي”
قبل فتوى الجهاد الكفائي التي اطلقها المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، كانت الميليشيات الموالية لإيران في العراق ، تتحرك بشكل مكشوف، سواء لجهة تجنيد المقاتلين الموالين لإيران، أو لجهة الاستحواذ على المشاريع الاقتصادية المحورية والاستراتيجية في العراق، لتمويل نفسها، وتمويل ايران التي تعاني من حصار اقتصادي صارم فرضه عليها المجتمع الدولي!
إلا أن فتوى “الجهاد الكفائي” التي اطلقها السيستاني في لحظة تاريخية حرجة، أجاد استغلالها زعماء الميليشيات، لتحويلها الى لحظة فارقة، تُـغيّر صورة تلك الميليشيات من جماعات مسلحة موالية للخارج، وتتهم بقتل العراقيين ونهب ثرواتهم وسلب ممتلكاتهم، الى جماعات “مقدسة” لعبت دوراً في الحفاظ على البلد من الضياع والسقوط تحت سيطرة اعتى تنظيم ارهابي مر على العراق، وهو تنظيم داعش – كما تدعي-!
كل شئ كان منسقاً ومحسوباً ومدروساً من قبل راعي تلك الميليشيات ومؤسسها ومحركها الاساسي، وهو قاسم سليماني ، الذي انتقل بفتوى “الجهاد الكفائي” التي أطلقها السيستاني من دعوة التطوع في صفوف الجيش العراقي، لقتال داعش ، الى الانخراط في ما سمي لاحقاً ب”الحشد الشعبي” ليضم المتطوعين للقتال من الشباب الذي كان يهدف لحماية بلده، او لبى النداء لانه يرتبط عقائدياً بالمرجع الشيعي الأعلى!
كانت مؤامرة غير محسوسة دبرها سليماني ونفذها المالكي وباقي زعماء الميليشيات الشيعية، في خضم انشغال العراقيين بالهدف الاسمى ، وهو محاربة داعش وتحرير المحافظات التي سيطر عليها هذا التنظيم الارهابي! وتكمن المؤامرة في تحويل هؤلاء المتطوعين تحت عنوان مقدس، الى مقاتلين يرتبطون بزعامات عميلة لإيران ومسميات ميليشياوية معروفة سابقاً، او استحدثت وقتذاك ، لكن المسمى الاكبر هو “الحشد الشعبي”.
فجأة ، وجد المتطوعون تلبية للفتوى ، انهم تحولوا الى مقاتلين في كتائب حزب الله، او العصائب ، او كتائب سيد الشهداء او كتائب النجباء او كتائب الامام علي وغيرها!! وهنا تحولوا من متطوعين لنصرة وطنهم الى ميليشياويين يتلقون الاوامر والتعليمات والرواتب من قيادات عملية لايران ولا تعترف بالدولة العراقية ورئيس الوزراء او السلطة القضائية العراقية!
أما تلك الزعامات الميليشياوية التي نالت مرتبة “القدسية”، بعد ان كانت مشبوهة وتتهم بجرائم قتل وابادة وفساد، فقد انشغلت بالسرقات والنهب وبناء كيانات اقتصادية هائلة، استحوذت على معظم موارد العراق الاقتصادية، دون ان يجرؤ أي سياسي عراقي او رئيس وزراء على محاسبتهم، فضلاً عن إستحواذهم على النسبة الاكبر من ميزانية الدولة السنوية!
الى درجة ان مسؤول الحشد السابق واحد أبزر مؤسسيه، وهو ابو مهدي المهندس الذي قتل مع سليماني، قال في مقابلة مسجلة وموثقة انه بات “يخشى على الحشد من الحشد”، في اشارة الى تحول قادته الى تجار لم يُبقوا مشروعاً في العراق لم يسيطروا عليه.
بالمقابل، كان العراقيون يتندرون على تلك الميليشيات التي اطلقت عليها ايران اسم “محور المقاومة”، وقاموا بتسميتها بـ”محور المقاولة”!
لكن “محور المقاولة” هذا لم يكتف برفع شعارات محاربة تنظيم داعش الارهابي ، بعد تحرير الارض، وانتقل الى شعارات اكبر، لممارسة التضليل والخداع بشكل أكبر ، وصار يدعي انه المحور الذي اختاره الله لتحرير فلسطين واستعادة القدس! حتى جاءت معركة “طوفان الاقصى” لتكشف عورة “فصائل المقاولة” التي اكتفت بـ”الجهاد” عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وحاول الكثير من اصواتهم الاعلامية خداع الناس بإن “فصائل المقاولة” دخلت في قلب المعركة وانتقل قادتها الى جنوب لبنان للمشاركة في غرفة عمليات المعركة، ونشروا صوراً لاحدهم على حدود لبنان مع “اسرائيل”، في محاولة لإسكات الاصوات التي كانت تطالبهم بموقف مما يجري، وعدم الاكتفاء بمراقبة ما يجري واصدار البيانات الفارغة!
وكان الرأي الشعبي أكثر نضجاً، حيث كان هناك ايمان مطلق بأن هذا المحور لن يتدخل إلا بعد ان يتلقى الاوامر من ايران، التي مازالت تساوم من اجل مصالحها، ولن يتدخل عسكرياً، الا في حالة دخول حليفهم الاساسي حزب الله اللبناني وحاجته اليهم، وليس من من اجل غزة او القدس!
لكن الفضيحة الكبرى لمحور “المقاولة” كان قبل يومين ، عندما كشف البرلماني والصحفي اللبناني ناصر قنديل عندما سأله صحفي في مقابلة فيما اذا كانت الفصائل العراقية والحوثيين قد وصلت او شاركت في المواجهات الى جانب حزب الله اللبناني، حيث كشف نقلاً عن مسؤولين في حزب الله، ان (7) أشخاص فقط من الفصائل العراقية ومن الحوثيين وصلوا الى لبنان، وذهبوا برفقة ممثلين عن حزب الله الى الجنوب ليطلعوا على الاوضاع هناك، وفي الطريق “أكلوا مشاوي عند مطعم النابلسي” ، وفي طريق العودة مروا بنفس المطعم لتناولوا “المشاوي” أيضاً وعادوا الى المطار!! واكد ان حزب الله ليس بحاجة لأي مقاتل من العراق او اليمن لانهم اساساً لا يعرفون جغرافية المنطقة او طبيعة المعارك مع الاسرائيليين!
هذا التصريح كشف حقيقة فصائل “محور المقاولة” في العراق، الذي تحول من إدعاء “الجهاد من اجل تحرير فلسطين” الى مرحلة يمكن ان تسمى بـ مرحلة “جهاد المشاوي”!!
يبقى الشئ الوحيد الذي لم يذكره قنديل، هو انه حتى حليفهم حزب الله اللبناني، لا يثق بأغلب زعماء الميليشيات في العراق، ويؤمن ان اغلبهم يوالون ايران في “الظاهر”، ويسربون المعلومات للولايات المتحدة ويتحالفون معها في السر! حتى ان أحد زعماء تلك الميليشيات وهو أكرم الكعبي، اتهم رفاقه من قادة الميليشات الاخرى بكشف اسرار تنظيمه، وتسليم معلومات عن مقاتليه وتحركاتهم، الى القوات والاجهزة الاستخبارية الامريكية في العراق!
رئيس تحرير صحيفة يورو تايمز السويدية