د. عبدالرزاق محمد الدليمي: حينما اصبح الاعلام لكل من هب ودب
الإعلامي هو توصيف لمهنة عظيمة وممارسة احترافية تستدعي أن يكون حاملها ومن تُخلع عليه جديراً بها لكنها للأسف باتت مرتقى لبعض الأدعياء الذين استسهلوا ممارستها دون أن يتسلحوا ببعض أدواتها ،وهي الصفة الأكثر جدلية في راهن المجتمع الإعلامي في العراق المحتل، والمؤرقة أيضاً للمنتمين إليه، لكثرة المتترسين خلفها، والمباجلين بها تنطعاً دون إلمام بأدني مبتغياتها وغاياتها والأدوات الملحة لنيلها،هذه سلوكيات لا يستغربها من يقرأ المشهد بحياديه حيث إن الفوضى تعم ساحة الاعلام في العراق بشكل غير مسبوق ،فالإعلام الحقيقي مرتبط بالعلم والمعلومة ومن ثم بالحقيقة، ولكنه في عراقنا المحتل حدثوا ولا حرج، ويبدو ان الدجالين ارادوا ان يطبقوا بشكل غبي منهج “غوبلز” وزير الدعاية النازية زمن هتلر الذي صاغ مقولته الشهيرة اكذب ثم اكذب ثم اكذب، حتى يصدقك الناس وحتى تصبح الكذبة حقيقة لكن ان كان غوبلز قد حقق بعض النجاحات ومرر اكاذيبه فأن هؤلاء فشلوا بغبائهم المعهود من تحقيق اي هدف حتى وان كان بسيط، علما ان الاحتلال وعملائه انشؤوا كم من المؤسسات لمحاولة غسل ادمغة الناس وتغييب عقولهم وتوجيههم نحو تبني الغيبيات والهرطقات.
عندما نتحدث عن مهنة الاعلام الحقيقية بهذا الحجم التي تلامس احاسيس وعواطف وعقول الجماهير لابد أن يتقدم صفوفها اصحاب الكفآت ويقف على منابرها المبدعون من اصحاب الوعي والقدرة والدراية والفهم الحقيقي للمهنة وللمجتمع ولكيفية التعاطي مع الأحداث والكلمة والصورة والمؤثرات لضمان وصولها إلى عقل ووعي المتلقي بشكل سليم ورزين.فالمجتمعات اليوم اصبح لها باع طويل وتجربة ثرية في التعامل مع ميدان الإعلام بكل وسائله بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام يجب ان ينتمي إلى مرجعية وطنية ومحاكمة أيضاً لما ينشر في وسائله المتعددة بما يحفظ للمهنة مكانتها واحترامها في الأوساط الاجتماعية والثقافية.
وهنا نتسائل هل يمكن لاحد مثلا ان يسطو على مهن كالطب أو القانون اوالصيدلة أو الهندسة؟،والجواب طبعا كلا، في حين نجد الإعلام سيما في العراق المحتل قد تم اختراقه بشكل فج وعميق رغم انه مهنة يجب ان تتصف بالاخلاقيات والقيم والمعايير كالدقة والموضوعية وغيرهما، وما يقتضية الهدف النبيل السامي من نشر المعلومات ويضفي عليها لتكون مفيدة وثرية للجمهور ،لكن مايحدث في العراق المحتل هو عكس ذلك تماما حيث تقف احد الإشكاليات الكبرى في الكم الهائل من وسائل الاتصال الحديثة التي تستغلها القوى والاحزاب المهيمنة على العراق بشكل مقصود ومخطط في عمليات التشويش وتغييب الطرح الموضوعي الذي يؤثّر في اتجاهاته بما يؤدي الى لي ذراع المصداقية والموضوعية والحياد والشمولية وهن ألاساسيات المتينة للإعلام الناجح والممارسين له وأي خلل في أي من هذه المقومات يعني الاتجاه إلى مسارات أخرى ليست من الإعلام في شيء.
ان الطارئين على المهنة الإعلامية في العراق بعد الاحتلال يبحثون عن الإثارة ويعمدون الى ترويج الشائعات وخلط الاوراق في ظل الفوضى بوسائل الاعلام وأقنيتها المختلفة التي تمتلكها جهات حزبية جاءت مع الاحتلال وخلفه وهذا يمهد الطريق لهم إلى خلق الإثارة وخلط الأوراق فتلتبس لدى نسبة مهمة من الجمهور فلا يستطيع ان يميز بين الحقيقة والشائعة، وهذا ما احط من قيمة الاعلام في العراق وانعكس سلبا على المجتمع فبدل ان نتوحد كعراقيين لمواجهة الظروف المعقدة والكوارث والازمات التي نعاني منها منذ احتلال بلدنا وجدنا انفسنا نغرق في متاهات الخلافات التي ما انفكت وسائل الاعلام المسيسة المأجورة الداعمة والمؤيدة للنظام الفاسد العميل تعمقها وتجعلها هي القاعدة وغيرها الاستثناء.
أن هذه الحالة للاسف أصبحت واضحة للعيان فقد باتت ظاهرة التفتت واضحة في إطار مجتمعنا المحتل، حيث لا نرى تخصصاً علمياً إلا وقد انبرى للحديث فيه، وادعاء المعرفة الكامنة به، من ليس له معرفة به أساساً، ولا يملك أدنى وعي بحقيقته بشكل كلي. ومن هذا المنطلق باتت ظاهرة الشهادات الوهمية (كما يحدث منذ الاحتلال ) مستساغة في ثنايا المشهد العراقي، بحيث لا نرى من يستنكرها أو يبدي رفضاً قاطعاً لمن دخل في ثناياها، انطلاقاً من إيمان عميق بأهمية التزام الصدق وتوخي قول الحقيقة. بل على العكس، نجد الكثير ينساق مع ذلك الوهم، فيُطلق مختلف الألقاب التي استحقها الآخر بوهم وليس بصدق، والمجتمع في فعله هذا يُكرس ثقافة الزيف، وظاهرة الافتئات التي نعاني منها مجتمعياً، وتعاني منها مختلف التخصصات. ومن ذلك مهنة الإعلام، التي باتت مستباحة لكل من أراد سبيلاً.
إن توصيف مصطلح (إعلامي) يحتاج إلى إعادة تأسيس لمفهوم الإعلام، الذي انفلت بشكل كبير في العراق المحتل، ليتخيل الزبابيگ مثلاً أنهم إعلامين ومحللين ووو.. لمجرد ظهورهم في هذا البرنامج او ذاك، وربما كتب جملتين في موقعه الخاص على موقع الفيس بوك أو التويتر، ناهيك عن انفلات مفاهيم مثل ظاهرة (الخبير والمحلل الستراتيجي )، والأهم أن كل ذلك بات مستساغاً ضمن إطار المجتمع العراقي باعتبار حالة القبول الرئيسة بواقع الافتئات التي تبرز في شكل من أشكاله في الشهادات الوهمية.
ان المواطن العراقي وبعد عقدين من الزمن الاسود ادرك ان الواقع الذي يعيشه اثبت ان النظام الاداري المؤسساتي الوطني قبل الاحتلال بجميع مفاصله المدنية والعسكرية والامنية افضل ١٠٠% من النظام مابعد الاحتلال والذي اعتمد المحاصصة الطائفية ( الفارسية ) لتمزيق وحدة الشعب والمؤسسات لارضاء رهبر ايران ..وهذا حال الوطن يدفع آلاف الشهداء…الدواعش والمواعش والمليشيات تقتل وتدمر وتستولي على ممتلكات الدولة والشعب ،وقياداتهم تسرح وتمرح في الخضراء والبرلمان الدمج …..هذا هو هدف قانون تدمير واجتثاث الدولة العراقية الادارية والامنية التي تأسست ١٩٢١ ووصلت لقوتها وأمنها حتى عام ٢٠٠٣…رغم بعض اخطائها ،ولكن عام ٢٠٠٣ شهد تنفيذ اكبر جريمة وهي اجتثاث الدولة بالكامل لتاسيس نظام محاصصة هجين ضعيف ممزق تسيطر عليها عصابات وميليشيات اغلبهم لصوص وقتله لايختلفون عن غيرهم من الذين يتهمونهم بالارهاب.
جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز