د. علي الجابري: أدلة تدين الحكومة العراقية قبل إعلان نتائج لجنتها التحقيقية
كل المؤشرات تدل ان اللجنة التحقيقية المكلفة بكشف ملابسات قتل وقمع المتظاهرين في العراق، تبحث عن مخرج يُبقي المجرم الاول الذي يقف وراء قرار اطلاق الرصاص الحي وقتل وجرح وقمع واعتقال آلاف المتظاهرين في مأمن من العقاب، وعدم الكشف عن الجهات المتورطة بتنفيذ أبشع عمليات قتل وتعذيب وارهاب للمتظاهرين.
وقبل ان تتورط الحكومة بإعلان نتائج هزيلة تلقي المسؤولية على ضباط أو مسؤولين صغار، أو “جهات مندسة” كما يحلو للقتلة ان يطلقوا عليها لإخفاء جرائمهم، لابد لي أن أذكرها بالنقاط التالية التي تدينها وتضعها في دائرة المسؤولية الاخلاقية والقانونية ، بإعتبار ان الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة يتحملان مسؤولية حماية الشعب ، وخلافاً لذلك فلا شرعية لبقائهم.
– تشير تبريرات الحكومة العراقية الى وجود قناصين “مندسين” قاموا بإطلاق النار على المتظاهرين العزل، وهنا ينبغي توجيه سؤال جوهري للحكومة: كيف يمكن ل”قناصين مندسين” أن يتمركزوا في أماكن معروفة للجميع لمدة (6) أيام، ويطلقون النار على المتظاهرين بإعصاب باردة، دون الخوف من الاجهزة الامنية وقوات الجيش والشرطة ، ولماذا لم يصدر القائد العام للقوات المسلحة أمراً لقواته بالتصدي لهؤلاء “المندسين” طيلة (6) أيام، ولماذا ترك المتظاهرين وأفراد القوات المسلحة يتلقون الرصاص حتى قتل العشرات وجرح الالاف منهم دون إعلان تحرك من رئيس الوزراء، ولماذا لم يصدر القائد العام للقوات المسلحة بياناً يحذر فيه من “قناصين مندسين” لا يرتبطون بالاجهزة الامنية وبقي صامتاً ؟
– لماذا لم يتدخل “الحشد الشعبي” لحماية المتظاهرين، ولماذا مارست بعض الجهات المحسوبة على الحشد إرهاباً منظماً ضد المتظاهرين، وتخويناً لم يتوقف من قبل بعض قيادات الحشد والحكومة على حد سواء خلال الايام الاولى، ما زاد من عمليات الانتقام التي تعرض لها الالاف من المتظاهرين؟
– إذا لم تكن بعض صنوف القوات الامنية هي من أطلقت النار. على المتظاهرين، هل يجرؤ رئيس الوزراء ان يعلن عن كميات العتاد والرصاص التي إستخدمتها القوات الامنية خلال التظاهرات ، ومن صاحب الامر بفتح مخازن السلاح والعتاد لمختلف صنوف القوات الامنية العراقية، وكيف تم استخدامها طالما انه يقول ان القوات الامنية لم تطلق الرصاص على المتظاهرين؟
– لماذا هاجم مستشار الامن الوطني فالح الفياض المتظاهرين وإتهمهم بالعمالة، ولماذا كانت هناك حملة منظمة من الاعتقالات للناشطين ، ومن أمر بإلقبض عليهم والتحقيق معهم ، وبعضهم ما زال مغيباً ، ولا أحد يعلم بإماكن إعتقالهم؟
– من الذي قرر قطع شبكة الانترنت عن الشعب العراقي ، وهو ما يخالف الدستور والقوانين الدولية، ولعب دوراً في إخفاء الجرائم البشعة التي ارتكبت بعيداً عن وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.. هل قطع الانترنت كان الهدف منه القضاء على القناصين المندسين أم إخفاء جرائمهم؟
– لماذا صمتت الدولة عن الاعتداءات السافرة على وسائل الاعلام المساندة للتظاهرات ، ولم تتحرك لحمايتها الا بعد ان قامت المرجعية الدينية بإدانة الاعتداء على وسائل الاعلام وحرية الرأي؟
– لماذا لم يعلن رئيس الوزراء في خطابه الاول ان هناك جهات “مندسة” تقوم بالاعتداء على المتظاهرين والقوات الامنية ، ويعلن للشعب أن القوات الامنية ستحميهم من تلك الاعتداءات؟
– لماذا صمت رئيس الوزراء على التحريض والتهديد الذي أطلقه فالح الفياض مستشار الامن الوطني، وقيس الخزعلي زعيم عصائب أهل الحق وغيرهما بحق المتظاهرين وتخوينهم واتهامهم بتنفيذ مخطط “امريكي او اسرائيلي”.. رغم ان رئيس الوزراء نفى ان تكون هناك مؤامرة، وشكر دول الجوار على موقفها بعد يومين من إتهامات الفياض؟ أليس ما قام به الفياض يعد تحريضاً على قتل وقمع المتظاهرين السلميين ؟ أم ماذا يفسره رئيس الوزراء؟
– من الذي جاء بإشخاص لا علاقة بالتظاهرات ولا بمطالب الشعب العراقي الى مقر البرلمان ، والاعلان ان رئيس البرلمان إلتقى بممثلين عن المتظاهرين، وهم أبعد ما يكونون عن التظاهرات ، بل ان احد ممثلي التظاهرات على حد زعمهم جاءوا به من الدنمارك ، وهو شخص معروف بإمتلاكه “دكاناً وهمياً” يسميه “جامعة” عبر الانترنت غير معترف بها في كل مكان بالعالم، ويقوم بمنح شهادات مزورة لبعض المسؤولين في الحكومة العراقية مقابل مبالغ طائلة وصفقات مشبوهة؟
– هل يعلم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ان اجهزته الامنية القمعية قامت بتهديد عشرات الاعلاميين والناشطين المدنيين وارسلت لبعضهم رسائل تحت الطاولة لتخويفهم، وطالبتهم بمغادرة بغداد لكي لا يتم اعتقالهم، ما دفع الكثيرين منهم الى مغادرة العاصمة بإتجاه كردستان او دول الجوار؟ وهل يستطيع رئيس الوزراء ان يحمي هؤلاء اذا ما عادوا الى بغداد، ليثبت لنا انه ضد مصادرة الحريات وضد القمع الذي تقوم به اجهرته الامنية والميليشيات المساندة لها او بمعنى أدق الميليشيات التي تتحكم بالدولة منذ الاول من أكتوبر حتى الان؟
إن هذه الملاحظات ليست سوى غيض من فيض الادلة التي تدين الحكومة وأجهزتها الامنية بقتل وقمع المتظاهرين، قبل ان تتورط بإعلان نتائج هزيلة تبرئ القاتل الحقيقي الذي يعرفه العراقيون جميعاَ، وقبل هذا كله هناك تسجيلات مصورة كثيرة تثبت قيام الاجهزة الامنية والميليشيات المنفلتة بقمع المتظاهرين العزل.
رئيس تحرير صحيفة يورو تايمز / السويد