د. عبدالرزاق محمد الدليمي: ديدان تقضم الوطن
في عام 1970 أقرت كوبا قانوناً يمنع مواطنيها من الهجرة إلى أمريكا حتى لا تجندهم المخابرات الأمريكية في جيش كوبا المعارض والمناوئ لكاسترو .وفي عام 1980 م حاولت أمريكا إحراج كوبا …فأعلن الرئيس الامريكي ” جيمي كارتر ” أن أيادي أمريكا مفتوحة لكل الكوبيين وأنهم سوف يحصلون على رواتب مرتفعة ومنازل مجانية و … و..وو.رد الرئيس الكوبي ” كاسترو ” بأنه جهز 600 قارب عند ميناء هافانا وقال من يريد أن يذهب لأمريكا فليذهب …فأحتشد أكثر من 125 ألف كوبي وركبوا القوارب متجهين إلى أمريكا …هنا كانت المفاجئة …
فقد تفاجأت أمريكا بالحشود الهائلة من المهاجرين الكوبيين وأمتنعت عن إستقبالهم وتركتهم لأسابيع في البحر أمام مرأى ومسمع العالم كله … !!!وتوفي العشرات أغلبهم من العجائز و النساء والأطفال قبل أن يتم وضعهم في ملاجئ جزيرة غوانتاناموا الكوبية المحتلة من الأمريكان .الغريب أنه وبعد خروجهم انتعش الإقتصاد الكوبي بعد فترة من الركود وحقق فائض تجاري كبير رغم الحصار ، كذلك تطور قطاع التعليم والصحة في كوبا وبشكلٍ سريع … !!!آنذاك خطب ” فيدال كاسترو ” وقال مقولته الشهيرة 🙁 هؤلاء الديدان لقد كانوا أمريكيين وهم بيننا ) .
بينما تعرض ” جيمي كارتر ” لأنتقاد شديد بسبب غبائه وتسبب ذلك في خسارته بالأنتخابات فيما قال خلفه الرئيس ” رونالد ريغان ” : لو بقى هؤلاء المهاجرين في كوبا لسقط كاسترو !!!( فى كل وطن توجد ديدان هم سبب خرابه ونكبته ، وخروجهم راحة للبلاد والعباد )
الخائن لا وطن له ..
كثيرا ما تبرز أصوات وأفعال تدافع أو تدين الوطن ..كلما انفجرت قضية اجتماعية أو سياسية كما يحدث في العراق بعد احتلاله هدفها تخوين البعض للبعض الاخر من شخوص الطبقة السياسية التي ارتبطت مصالحها ووجودها بالاحتلال، فالوطن والمواطن يزداد الاحتفاء بهما ويوضعان فوق الاكتاف كلما اقتضت مصالح السياسين ذلك، قد تختلط فيها نشوة الانتصار أو العنصرية والطائفية (تجاه الآخر) أو الولاء وحتى ألاحاسيس بتحقيق مصالح خاصة مثلما يحدث عندما يتظاهر بعض من الانفار مقابل (مبلغ 25 الف دينار عراقي ووجبة طعام بسيطة) يدفعه لصوص المال العام من جيوب الشعب، هكذا إذن يرتبط البعض بالمشاعر والمبادئ الكبرى كالحب والانحياز، الكره، الإيمان، العطاء..
عندما نأخذ الوطن والوطنية من زاوية دينية او غيرها يتبين لنا وجود اختلافات في الآراء والتفسيرات حولهما أما التعريف السياسي للوطنية يتمثل في الإحساس بالانتماء للأرض والمجتمع الذي نعيش فيه، والدفاع عن أمنه، وتكتسب بالتربية والتوعية في مقابل التوزيع العادل للثروات والحفاظ عليها وضمان الحريات والحقوق عبر تطبيق القانون وهي الشروط التي تستلزمها أسس العقد لقيام وعاء الوطنية، وغالبا ما تقتصر القيمة الدنيا لقيام هذا الوعاء على المشاعر السياسية التي تعتبر تضحية المرء لصالح وطنه أعظم اختبار للوطنية ،وهذا ما يدفعنا لتحديد نوع العلاقة بين الأفراد والدولة كمفهوم قانوني سياسي إن لم يكن عقد اجتماعي مبنى على التراضي والتنازل في سبيل العيش المشترك وتفويض السلطة لمؤسسات تسهر على راحة المواطنين لا ان تسرقهم وتستغلهم وتستعبدهم كما يحصل في العراق بعد احتلاله ، أما تركيز السلطة في دائرة صغيرة تعمل على تحقيق مصالحها الخاصة مستغلة نفوذها في تصغير واحتقار الألفاظ والنعوت بين الوطني والخائن فلا نجد لها تغريدات خارج فضاء الاستبداد.
أن الوطنية ليست أداة ائتمانية لتحقيق الأغراض الخصوصية فحمل العلم وإنشاد النشيد الوطني كلها عبارة عن رموز يمتاز بها الوطن في مواجهة اعدائه ايا كانوا ويعبر عنها بصور ومعاني النضال الرمزي التاريخي ضد الطغيان، خارج معنى التزلف والتملق والمصالح الفئوية والطائفية والعنصرية والمناطقية ووو، وان تعمل المؤسسات بكفاءة وحرفية وتخصص لتحقيق أهدافها كالأمنية والقضائية..، وبغير ذلك سيكون هذا التصرف (كما هو قائم في العراق المحتل) عبارة عن نفاق غبي يميز ظاهريا بعضهم بالوطنية الزائفة على حساب الوطنيين الحقيقيين الذين يتحملون بصدق وتفاني اعباء هموم الوطن.
الفشل يلاحق لصوص الوطن
تدخل العملية السياسية الهجينة في العراق في سلسلة من الازمات منذ تشريعها في نيسان 2003 من قبل الاحتلال الامريكي البريطاني بالتوافق مع نظام طهران، سيما في الفترة التي اعقبت الانتخابات الاخيرة التي مضى عليها اكثر من تسعة اشهر وقد تكون الأكثر خطورة ، فالاحتكاكات بين المتنافسين على غنائم السلطة كثيرة طوال 19 عاما الماضية بين الأطراف التي تنعمت بالمكاسب المادية والاعتبارية على حساب الوطن والمواطن في العراق المحتل، ومنذ المواجهة التي حصلت عام 2007 بين نوري المالكي أيام كان رئيساً للوزراء و مقتدى الصدر وصراعهم على المصالح ، وانتهت بهزيمة جماعة الصدر لا يزال المالكي يفتخر بها، فإن المواجهات مستمرة دائماً وقد تصل إلى حد المواجهة المفتوحة لولا تدخل نظام طهران ورجال الدين في النجف بقوة ليس لحماية العراق وشعبه بقدر ماهو حماية لما اطلقوا عليه بعد الاحتلال بالبيت الشيعي .
ان الطبقة السياسية الفاسدة في العراق والمنخورة بالفساد لا يمكن ان تملك أي حلول لأزماتها المستمرة، فالعلة فيها وبمن سلطها علينا قلبا وقالبا ابتداءا من طريقة تشكيلها وفرضها بالقوة الغاشمة على العراقيين من قبل الاحتلال ومرورا بسلسلة الكوارث التي تسببت بها القوى السياسية التي تكونت منها وكان وسيبقى ضحيتها الشعب ومصالحه وسيادته ولعل ابرزها سلسلة الازمات التي تعقب كل انتخاباتهم المزورة الهزيلة وفشلهم في تشكيل الحكومات نتيجة لعدم قدرتهم على ذلك، رغم ان الشعب ترك لهم الجمل بما حمل، الأمر الذي أدى نتيجة صراع وتضارب المصالح الفئوية والمحاصصة بين الفاسدين إلى صب المزيد من الزيت على النار التي طالما كانت مستقرة تحت الرماد. ويبرز ذلك في كل ما تقوم به الاحزاب المتأسلمة الفاسدة من خطوات تصعيدية متبادلة وخطوات استفزازية، من بينها طرح مرشح اختاره نوري المالكي لرئاسة الوزراء في ظل أزمة التسجيلات التي نسبت اليه والتي هاجم فيها الصدر بقوة.
من هم الفاسدين؟
تعودنا ان نسمع من السياسيين الفاسدين في العراق كلمات التحذير بشأن انفلات الوضع الأمني والتحديات الاقتصادية وغياب الرؤية والسياسات العمليّة نحو تحقيق الإصلاح ومحاربة تغوّل الفساد وسوء الإدارة، وفي الآونة الأخيرة تكررت كثيراً عبارات التحذير من الذهاب نحو الفوضى، وهذه الأيّام تُردَد عبارة الخوف مِن سير العراق نحو المجهول، مع ان الجميع يعلم ان هؤلاء السياسيين هم مصدر الفساد والفوضى وتغييب القضاء وتجويع الشعب وتأزيم الامن. فألتحذيرات التي تصدر من هؤلاء اللصوص هي أصدق تعبير عن ما يمكن تسميته بالفجوة الإدراكية بين المواطن وهؤلاء السياسيين في بلد تعصف به الأزمات ويشهد الانهيار والتغييب المتعمّد لدَور المؤسسات وسلطة القانون في عمل النظام السياسي، وانعدام الثقة ما بين المواطن ومؤسسات الدولة.
طوال تسعة عشر عاماً يعيشه العراق تكراراً لنفس الأزمات في آتون المجهول وألفوضى التي جعلت المواطن العراقي المغلوب على أمره يعيش الخوفَ على مدار يومه ، وهو يدفع ثمن فساد الحكومات والطبقة السياسية، ويواجه الجماعات الإرهابية بمليشياتها ودواعشها، وكلما يخرج متظاهراً مطالباً بالعيش الكريم فأنه يدفع الثمنَ غاليا بمئات الشهداء والاف الجرحى! ولا يحتاج الموضوع إلى الاستشهاد بالأرقام والمؤشرات عن فساد وفشل الطغمة الحاكمة في العراق، فالخراب في الطرقات والأزقّة وفي البنى التحتية مقارنةً بما ادعوا انهم انفقوه من الأموال لترميمها أو إعمارها أو تشييدها، والادهى من كل ذلك ان كل الطبقة السياسية الفاشلة الفاسدة تبرأ ساحتها،وتوجه الاتهامات الى الاخرين ،ولم يبقى لهم الا ان يتهموا الشعب بأنه الفاسد ويسرق ثروات وخيرات البلد
محنة العراقي أنّه يرى أمام عينيه ثرواته تُسلب وتنهب من قبل حكام تسلّطوا عليه بعنوان “شرعية الانتخابات”، وآخرون يريدون أن يتسلطوا بعنوان “شرعية الجهاد والمقاومة”، وقبلهم ضاعت ثروات العراق وشاع الفساد والفوضى بفضل حكم زعامات سياسية كانت تدّعي بأنّها تعارض النظام الدكتاتوري. ويرى أن هذه الطبقة السياسية ما عادت تشعر بالعار من اتهامها بالخيانة والولاء للأجنبي وتنفيذ أجندته في دمار العراق. ونجد الكثيرَ من السياسيين يبرر التدخل الإيراني في العراق بعنوان إسلاميّ أو مذهبي، وبالوقت ذاته يتهم خصومه بالعمالة للأجنبي وبأنّهم ينفذون أجندة أميركية أو خليجية أو تركية
منهج تدوير النفايات
إن ترشيح محمد شياع السوداني بعث برسالة معادية لمقتدى الصدر قابلها باقتحام مؤيديه الخضراء والبرلمان، مرتين خلال الايام الاخيرة الماضية ليتحول اقتحام الخضراء الأربعاء الماضي من جرة أذن، إلى اعتصام مفتوح يوم السبت 30/7فتح باب المواجهة أمام أكثر السيناريوهات خطورة، لا سيما في ظل تصعيد متبادل من قبل خصومه وفي مقدمتهم المالكي فالمشهد القادم، قد يدفع بالاطراف المتصارعة بعيدا عن مصالح الوطن والمواطنين إلى اعادة انتاج علاقات اخرى تضمن حفاظهم على المكاسب بينهم، وتبعدهم عن احتمالية وقوع المشكلات والأزمات رغم ادراكهم بعقم وفشل العملية السياسية الحالية، مع احتمالية ، ان تدفع الامور في حالة استمرار الوضع الحالي الى تدخل الأمم المتحدة ومجلس الأمن في حين تستمرتدخلات نظام طهران لتهدئة الأوضاع، وهي اليوم الطرف الاكثرً فاعلية في كل مايحدث في العراق.
الكاظمي اللاعب المهم الصامت
يبدو واضحا ان مآلات الوضع وتعقيداته ذاهبة إلى إعادة هيكلة ومهام الحكومة المؤقتة بقيادة الكاظمي، حيث متوقع ان يطول عمرها لأكثر من سنة والنهاية ستكون الدعوة لحل البرلمان لانتخابات برلمانية، في حين تعمل الجهات المستفيدة من الاوضاع المزرية في العراق وتحديدا الاحتلال وعملائه على تخفيف التصعيد بين الصدر وخصومه، ويبقى دور الكاظمي وحكومته بيضة القبان بين الاطراف المتخاصمة المتنافسة على ديمومة مكاسبها التي أؤسست على مصائب العراق واهله.
جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز