د. كمال بلهادي: فرنسا.. انتخابات بطعم العقوبات
على الأحزاب الحاكمة في أوروبا أن تجهّز نفسها لأيّ انتخابات قادمة، سواء كانت في موعدها أو مبكّرة لأنّ المواطن الأوروبي دافع الضرائب لن يستطيع الصبر أكثر على حرب عبثيّة تدور رحاها في أوكرانيا، وتصل شظاياها إلى كلّ نقطة في العالم.
الانتخابات التشريعية الفرنسية التي جرت جولتها الثانية يوم الأحد الماضي، أعطت إنذاراً مبكّراً للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي تمّ التجديد له في إبريل الماضي، بأن إعادة انتخابه ليست صكّاً على بياض. وأنّ إعادة النظر في الطروحات الانتخابية لائتلاف الرئيس هو أمر قائم وهذا ما كشفت عنه جولتا الانتخابات البرلمانية. فالجولة الأولى حسمت بتقدّم طفيف لائتلاف اليسار الذي يقوده جون لوك ميلانشون، والذي ينافس بجدّية على إزاحة اليمين بشقيه الوسطي والمتطرف من الحكم في الانتخابات القادمة. وفي الجولة الثانية استطاع ائتلاف الرئيس أن يحقق فوزاً نسبياً لا يمنحه السلطة المطلقة وهذا ما سيفرض الحكومة القادمة أن تعمل على ترسيخ «تعايش» المصلحة مع ائتلاف ميلانشون أو أن ترتمي في أحضان اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان الذي حلّ ثالثاً في الانتخابات البرلمانية، وحقق نتيجة مفاجئة.
وفي كلتا الحالتين، فلن تكون الحكومة مستقرّة وقد يذهب الرئيس لانتخابات مبكّرة إذا تواصلت موجة التضخم الناتجة عن ارتفاع أسعار الطاقة في العالم. وإذا ما فُرض على الحكومة الجديدة اللجوء إلى سياسات تقشفية صارمة. عندها ستتكرر مشاهد الفوضى والاحتجاجات التي رافقت الفترة الأولى لحكم ماكرون، حيث اكتسحت حركة «السترات الصفراء» الشوارع واقتحمت حتى قصر الإليزيه.
وبحسب إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء والبحوث الاقتصادية في فرنسا فإنّ نسبة التضخم ارتقت إلى 5.4 في المئة على أساس شهري، ومع ذلك فإن الوضع لا يزال أفضل مقارنة بدول أوروبية أخرى وخاصة ألمانيا التي قفز فيها التضخم إلى نحو 8 في المئة. ولكن الخبراء يقولون إن فرنسا لن تستطيع الصمود أكثر خاصة بعد أن لجأت الولايات المتحدة إلى رفع نسبة الفائدة في البنك المركزي الأمريكي في مسعى للتحكم في مستويات التضخم المتسارعة.
وأمّا عن إمدادات الطاقة من الجانب الروسي؛ فإن فرنسا بدأت تتأثر بشكل مباشر بالعقوبات الغربية المفروضة على موسكو. فقد قطعت روسيا إمداد الغاز عن فرنسا في إجراء من شأنه التسبب في زيادة جديدة في أسعار الغاز، إذ أعلنت الجمعة شركة «جي إر تي غاز»، المشرفة على شبكة نقل الغاز الفرنسية، أنها لم تتلقّ أي غاز روسي عبر خط الأنابيب منذ 15 حزيران/ يونيو. وعلى خلفية ذلك اتخذت السلطات إجراءات لتفادي المزيد من ارتفاع الأسعار وتعويض الموردين، إلا أن ذلك لم يخفف من قلق المستهلك الفرنسي.
إن هذا الواقع الاقتصادي سينعكس سلباً على الاستقرار السياسي في الدول الأوروبية، وفرنسا عبّر ناخبها في الانتخابات الأخيرة عن هذا المزاج المتوتر المتأثر بتداعيات الحرب الأوكرانية.
وفي المقابل يبدو زعيم المعارضة الجديد جون لوك ميلانشون من الأصوات الأوروبية القليلة التي تصدح بتأييدها لبوتين في مواقف سياسية سابقة وخاصة في ما يتعلق بالحرب في سوريا ومن قضايا الشرق الأوسط عموماً. كما أن ميلانشون يعارض الحرب في أوكرانيا، ويعتبر أن أوروبا وفرنسا هي الخاسر الأكبر من معركة ورطت فيها الولايات المتحدة الجميع. علماً أن ميلانشون يعارض بقاء فرنسا في حلف الناتو ويقف مواقف نقدية من مؤسسة الاتحاد الأوروبي معتبراً أن أوروبا أصبحت تابعة بشكل كامل وخاضعة للولايات المتحدة. ولا يخفي زعيم المعارضة أن انتقاداته هذه تأتي من الانزياح الفرنسي الكبير إلى اليمين بشقّيه، مما يهدد وحدة المجتمع الفرنسي. وعلى هذه الأساسيات استطاع زعيم تحالف اليسار في فرنسا أن يقنع الفرنسيين وأن يعطوه أصواتهم التي ضمنت له موقع المعارضة الرئيسية وربما الشريك في الحكم. .
نقلا عن / الخليج