آراء

روبرت ملحم: العراق بين مطرقة الصدر وسندان المالكي 

أكثر من سبعة أشهر مرت على عمر الانتخابات الاخيرة والعراق مصاب بشلل تام رغم الإشادة الدولية والأممية بنزاهة الانتخابات، و غارق وسط خلافات حادة بين أطراف الصراع على السلطة والمال من جهة والخصومات الشخصية من جهة اخرى، وكل منهم يتهم الآخر بالفساد.

تمخضت نتائج الانتخابات إلى فوز كبير للكتلة الصدرية بزعامة الرجل الديني الشيعي البارز مقتدى الصدر بـ ( 73 ) مقعد نيابي متفوقةً على خصومها من الكتل الشيعية الموالية لإيران بفارق كبير، وخصوصاً دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الذي حصل على ( 33 ) مقعدا فقط في مفاجأة لم يتوقعها اكثر المتشائمين .

انتخب المجلس في اولى جلساته رئيساً له ونائبين للرئيس حسب الدستور رغم الطعن الذي تقدمت به قوى الإطار التنسيقي الى المحكمة الاتحادية والتي جاء قرارها على غير ما تشتهي قوى الإطار

رغم المقاطعة الجماهيرية الكبيرة للانتخابات وخاصة من ثوار تشرين الا ان هنالك حركات تشكلت بعد ثورة تشرين اختارت الدخول الى المعترك السياسي من ضمنها ( حركة امتداد ) برئاسة الدكتور علاء الركابي  واشراقة كانون وعدد من المرشحين المستقلين.

خلافات وانقسامات حادة عصفت اجتاحت بتلك الحركات الناشئة والجديدة على الساحة السياسية مما أدى إلى تفككها واستقالة بعض الأعضاء والميل لجهة على حساب اخرى وابرزها مؤخرا كانت تقديم استقالة عدد كبير من نواب حركة امتداد احتجاجا على تفرد رئيس الحركة باتخاذ القرارات واتهام الأخير للبعض بالخيانة والفساد مما أدى إلى عقد اجتماع طارئ للأمانة العامة للحركة وخرج بقرار اقالة رئيسها الدكتور  علاء الركابي .

الفوز الساحق الذي حققه التيار الصدري في الانتخابات وسيطرته على عدد كبير من مقاعد البرلمان والقاعدة الجماهيرية التي يتمتع بها التيار كل ذلك دفع مقتدى الصدر الى اتخاذ قرار بالذهاب لتشكيل ( حكومة أغلبية وطنية ) ودخوله في تحالف مع الكتلة السنية ( السيادة ) بزعامة مشتركة بين رئيس مجلس النواب الحالي  محمد الحلبوسي و  خميس الخنجر  والحزب الديمقراطي الكردستاني ( البارتي ) بزعامة السيد  مسعود البارزاني  وتحت عنوان ( تحالف إنقاذ وطن )، وتعتبر هذه المرة الاولى التي يخرج فيها مقتدى الصدر عن تحالف الاحزاب الشيعية، الأمر الذي خلق حالة من التوتر في الوسط الشيعي السياسي وخاصة لدى الكتل والاحزاب المنضوية تحت ما يسمى بتحالف الإطار التنسيقي بقيادة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي ( دولة القانون ) والتي حصلت على (33) مقعدا وجاءت في المرتبة الثانية كما اسلفنا ، والفتح بقيادة هادي العامري  ( 17 ) مقعدا، بينما الكتل الأخرى بقيادة عمار الحكيم وحيدر العبادي فأصابتهم خيبة أمل كبيرة بسبب الخسارة الكبيرة التي لحقت بهم فقد حصلوا على ( 4 ) مقاعد فقط ، وهذا يدل على ان النفوذ الايراني في العراق بدأ بالانهيار تدريجيا بعد احتجاجات تشرين الاخيرة.

لا يخفى على احد حجم العداء الشخصي بين ( الصدر و المالكي ) الذي طغى على العملية السياسية برمتها وادى حتى الآن الى فشل تشكيل الحكومة، محاولات رأب الصدع بين الغريمين من قبل شخصيات داخلية واقليمية قريبة من الجهتين ومن ضمنها قائد الحرس الثوري الإيراني اسماعيل قاأني الذي زار العراق ورفض الصدر مقابلته لم تفلح ابدا ورغم الاتصال الهاتفي الذي لم يستغرق أكثر من 12 دقيقة وكان بمبادرة من الصدر الا انه باء بالفشل أيضا.

زمن المبادرات..

بعد الفشل في تشكيل ( حكومة أغلبية وطنية ) التي طرحها مقتدى الصدر والمعاكسة في الاتجاه لما يطالب بها تحالف الإطار التنسيقي حكومة توافقية تشارك فيها جميع المكونات ( حكومة محاصصة )، برزت على الساحة الكثير من المبادرات من جهات سياسية وشخصيات عدة وكان مصيرها الفشل.

* ويقول اياد العنبر أستاذ علوم السياسية :

زمن المراوغة بالمبادرات انتهى كونها تدور حول المحور نفسه ولا تتضمن حلول للانسداد السياسي، مضيفا، ان تحالف إنقاذ وطن فشل بتشكيل حكومة أغلبية وطنية باستقطاب ( 40 ) نائبا، وفي الوقت نفسه فشل الإطار التنسيقي من إيجاد حلول للعملية السياسية عدا كونه الثلث المعطل.

الإطار التنسيقي افشل اكتمال نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية استنادا كونه يملك الثلث المعطل، في الوقت نفسه الخلافات بين الحزبين الكرديين على منصب رئيس الجمهورية الذي يطالب به الحزب الديمقراطي الكردستاني ( البارتي ) كونه صاحب أكثر عدد من المقاعد من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني ( اليكيتي ) والذي يتمسك بالمنصب كونه أصبح عرفا سياسيا منذ زمن الرئيس الراحل ( جلال الطالباني ).

اصل الخلاف .. “صولة الفرسان”

ويعود الخلاف بين الصدر والمالكي إلى العام 2008، عندما أطلق المالكي خلال ترؤسه الحكومة في الدورة الاولى له، عملية عسكرية واسعة النطاق في البصرة وعدد من المحافظات الجنوبية الاخرى سميت “صولة الفرسان”، جرى خلالها قتل واعتقال المئات من أنصار وعناصر “التيار الصدري” خلال مواجهات استمرت عدة أسابيع، والتي أطلق عليها المالكي ( عنوان ضبط الأمن وسيادة القانون ) في تلك المناطق، بينما يرى المراقبين أنّ صراع النفوذ كان هو المحرك الأول لتلك العمليات آنذاك.

مقتدى الصدر مصر على إقصاء نوري المالكي من عملية تشكيل الحكومة الحالية وعدم اشراكه باي منصب رسمي بتاتا، وفي الوقت نفسه يدعوا بعض القوى السياسية في تحالف الإطار التنسيقي بالمشاركة في العملية السياسية، لكن الاخير مصر على مشاركته بجميع الكتل.

بينما المتضرر الوحيد هو الشعب العراقي الذي يعيش أيامه في ظل حكومة تصريف أعمال يومية لا حول ولا قوة لها.

زر الذهاب إلى الأعلى