قبل أولمبياد 2024.. باريس تُجدّد جادة الشانزليزيه وتحولها لحديقة إستثنائية
يُطلق عليه لقب “أجمل شارع في العالم” وهو الأشهر بالطبع، لكن بالنسبة للعديد من الباريسيين، لا يُنظر إلى شارع الشانزليزيه سوى على أنه فخ سياحي مزدحم كان قد شهد أياماً أفضل من قبل. اليوم واستجابة لضغوطات شعبية فقد تمّت الموافقة على خطط لتحويل الجادة الشهيرة بشكل جذري إلى ما وصفته عمدة باريس آن هيدالغو بأنها “حديقة استثنائية”.
سيشهد التغيير الذي تبلغ ميزانيته 200 مليون يورو تحويل الطرق في قلب باريس النابض إلى مساحات خضراء وممرات للمشاة، وغرس الأشجار لتحسين جودة الهواء، في حين ستنخفض مساحة المركبات بمقدار النصف، فضلاً عن ترتيبات أمنية إضافية.
حملات معارضة
يأتي المشروع بعد سنوات من الحملات التي قام بها النشطاء الذين يُجادلون بأنّ محلات البيع بالتجزئة الفاخرة والمقاهي الراقية والمطاعم باهظة الثمن وحركة مرور السيارات الكثيفة قد حوّلت الشانزليزيه من حي لطيف إلى شارع صاخب ونخبوي ينبذه الباريسيون العاديون.
وفقاً للمهندسين المعماريين الذين يقفون وراء خطط التجديد، فإنّه من بين 100 ألف من المشاة الذين يزورون الشارع يومياً، فإنّ حوالي 72 % هم من السياح و 22 % من الذين يعملون هناك، و6% فقط من سكان منطقة “إيل دو فرانس” التي تضم باريس وضواحيها.
وقال مسؤولون في العاصمة الفرنسية، إن باريس ستمنح شارع الشانزليزيه الشهير تحوّلاً جميلاً قبل دورة الألعاب الأولمبية 2024 من خلال غرس الأشجار وزيادة مناطق المشاة في المنطقة التي تُعتبر أسعار العقارات فيها هي الأعلى عالمياً.
إعادة سحر الشانزلزيه
وفي حين قال عمدة الدائرة الثامنة بالعاصمة جان دي هوتسيري “نحتاج إلى إعادة سحر أشهر شارع في العاصمة، والذي فقد الكثير من روعته خلال الثلاثين عاماً الماضية”، فقد أكدت آن هيدالجو، عمدة باريس الاشتراكية بأنّ الحل الأنسب هو “تقليص مساحات سير ووقوف السيارات، لكي نكون واضحين، لأنّ هذه هي الطريقة الأمثل التي نحتاج إليها لتصوّر مدينة المستقبل”.
وتتماشى الخطة الجديدة مع الجهود الأخرى التي تبذلها عمدة العاصمة لإخراج السيارات من باريس وجعل المدينة أكثر اخضراراً، وهي خطة قسّمت السكان بين مُنتقدين يقولون إن سياساتها تسير بسرعة كبيرة جدًا، ومؤيدين أشادوا بجهود المرشح الرئاسي السابق للحدّ من التلوث وزيادة المساحات الخضراء في المدينة المكتظة بالسكان، والتي يُمكن أن لا تُطاق وتُصبح المعيشة فيها صعبة عندما تضرب موجات الحر الصيفية المتكررة بشكل متزايد في السنوات الأخيرة.
حول قوس النصر، الذي يتربع على قمة الشانزليزيه، تتمثل الخطة في توسيع حلقة المشاة المحيطة بالنصب التذكاري الشهير. وفي الجزء الأدنى منه شارع بطول كيلومترين (1.2 ميل) يمتد حتى جوار ساحة الكونكورد، وهي الأكبر عالمياً في ذات الوقت، ومُحاطة بالعديد من التماثيل والمعالم الساحرة.
وستعمل خطة “إعادة سحر الشانزليزيه” على تجديد الحدائق. وقال نائب رئيس البلدية إيمانويل جريجوار: “سننشئ هكتارًا ونصفًا من المساحات الخضراء ونزرع مئات الأشجار”، مُشيراً إلى أنّ الأعمال التحضيرية التي تسبق الأولمبياد من المقرر أن تبدأ في غضون أسابيع. وكشف أنّ المدرجات القريبة من أعلى جادة الشانزليزيه التي يفضلها السياح، سوف يُعاد تصميمها من قبل المصمم البلجيكي رامي فيشلر الذي يحرص جاهداً على “الحفاظ على هوية وشخصية” المنطقة الباريسية.
وتمّ وضع شارع الشانزليزيه في الخدمة لأول مرة في عام 1670 حيث تمّ تشييده كطريق مُحاط بالأشجار من الجانبين لتأمين التنزّه للسكان وهم داخل عربات الخيل. ولكن تمّ تجديده من قبل البارون هوسمان، المهندس المعماري، الذي يُنسب له تحديث وتجديد باريس تحت حكم نابليون الثالث، وذلك عبر برنامج واسع من الأعمال الإنشائية الشاملة بين عامي 1853 و1870.
وعلى مرّ القرون، كان الشارع مسرحاً لمناسبات مهمة في التاريخ الفرنسي، سارة وحزينة، حيث استضاف الاحتفالات وكذلك الاحتجاجات، لا سيما حركة السترات الصفراء العنيفة في العام 2018. كما يتم استخدامه كطريق احتفالات لاستعراض يوم الباستيل العسكري للجمهورية الفرنسية وقواتها المسلحة في 14 يوليو من كل عام، وذلك بالإضافة إلى كونه نقطة النهاية لجميع الفعاليات الرياضية ومنها سباق الدراجات السنوي الشهير، فضلاً عن مناسبات الاحتفاء بفوز فرنسا بكأس العالم، والعديد من التظاهرات الصاخبة.
ورغم نفورهم منه اليوم، لا زال الفرنسيون يعتبرون شارع الشانزلزيه أجمل الشوارع في العالم، والسر في جماله لا يكمن فقط في عدد المشاهير الذين مرّوا من خلاله ولا عدد المتاجر والعلامات التجارية العالمية التي بداخله، بل لأن هذا الشارع يربط بين ساحة الكونكورد المطلة على حدائق متحف اللوفر، وبين قوس النصر الذي شيّده نابليون بونابرت تخليداً لانتصاراته العسكرية.
المصدر: 24