تحقيقات ومقابلات

فرنسا تواجه خطر “الإقصاء” من منطقة غرب إفريقيا

يتعيّن على فرنسا أن تقرّ بتراجع دورها في إفريقيا وبأنها تواجه خطر “الإقصاء” إن لم تجر إعادة نظر في استراتيجيتها لمنطقة الساحل وغرب إفريقيا عامة، وفق ما أكد الإثنين الباحث إيلي تيننباوم.

وعشية تقرير سيصدره الثلاثاء “المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية”، رسم مدير هذا المركز المتخصص في الدراسات الأمنية في حوار أجرته معه وكالة فرانس برس، صورة قاتمة للواقع الفرنسي في المنطقة، داعياً إلى إيجاد حلول تتيح تجنّب انهيار النفوذ الإقليمي الفرنسي.

ورأى المدير إلى أن “تراجع الأداء الاستراتيجي” لفرنسا في الساحل لكون هناك دينامية استراتيجية تأتي نتائج معاكسة لتلك المرجوّة منها. سعت هذه الدينامية إلى إيجاد شراكة لكنها أنتجت تصديا، خصوصاً في مالي. سعت إلى وقف تدهور الوضع الأمني لكنها لم تنجح في ذلك. سعت إلى حماية مصالح فرنسا لكن الأجواء المناهضة لفرنسا تزايدت.

ورداً على سؤال إن كانت فرنسا تجاهلت مطامح روسيا وتركيا والصين في إفريقيا، اعتبر أن التركيز كان منصباً على مكافحة الإرهاب، وقد احتل هذا الأمر مكانة أساسية وغطّى على ما عداه. هناك تباين في الأولويات الاستراتيجية مع القوى المحلية التي يمكن أن تستفيد منه. فإبرام اتفاق محلي مع الجهاديين قد يكون أحياناً أقل إثارة للقلق لهؤلاء من إصلاح نظام انتخابي أو دستوري.

من جهة أخرى، يضعنا ربط كل الأمور بإرساء النهج الديموقراطي في موقع مناقض لأنظمة تشهد تدهورا على هذا الصعيد ولا تتوانى عن تظهير احتمالات تعاون مع جهات بديلة ومنافسة لا تربط الدعم بأي معايير داخلية. هذا ما يعرضه الروس وآخرون مقبلون على الاقتداء بهم (على غرار الصين وتركيا).

وأكد مدير المركز على أن العملية العسكرية (برخان) لم تفشل. كان الهدف مواصلة الضغط على الجماعات الإرهابية وإيجاد شراكات مع جيوش دول المنطقة. بصورة عامة، تحقق ذلك. لكن نواحي أخرى لم تنجح على غرار إعادة إرساء مقومات الدولة في مالي، خيار المضي قدما في دعم عملية سلام كنا ندرك أنها لن تثمر والحفاظ على المصالح الاستراتيجية الفرنسية التي، بكل استغراب، لم ترد يوماً ضمن الأهداف الرسمية المعلنة. وفي العقود الماضية ساد التردّد وتغيير المواقف، ما قوّض ثقة شركائنا بنا.

واعتبر مدير المركز أن عكس المسار الانحداري لصورة فرنسا في إفريقيا لن يكون سهلاً. يجب صرف التركيز عن العمل العسكري الفرنسي الذي يثير غضب المجتمعات الإفريقية.

نقترح العودة إلى منطق الحضور، مع طاقم عسكري يتم نشره لفترة طويلة، وليس المنطق المتّبع حالياً والقائم على عمليات خارجية تولّد ضغطا سياسيا من أجل تحقيق نتائج بما لا يتوافق مع جدول أعمال الجهة الشريكة.

من ثم، يجب تسليط الضوء بشكل أكبر على المصالح السياسية والاقتصادية لفرنسا بما يدحض الاتهامات بالتآمر. هذه المصالح موجودة وهي ليست بالضرورة مثالية لكن يجب تجسيدها بأهداف على أرض الواقع. لهذه الغاية يحب ألا ننسى من نحن، قيمنا لها أهميتها.

لن نحذو حذو الروس في ممارساتهم. لذا يجب أن نكون أكثر انتقائية في اختيار شركائنا (…) وأن ننخرط في منطق دعم في ما يتعلق بالاستطلاع والعمل اللوجستي والضربات الجوية والمدفعية على غرار ما فعلنا مع العراقيين أو ما نفعله، من دون دعم بالسلاح، مع الأوكرانيين.

واعتبر أن هناك تعقيدات بيروقراطية كثيرة تؤثر سلبا على الفاعلية وعلى الروابط مع الشركاء ناهيك عن تعدد العمليات العسكرية التي تكون كل مرة تحت قيادة مختلفة. علينا أن نشكّل قيادة موحّدة بدءاً بالتأهيل وانتهاء بالدعم العملاني، تكون لها رؤيا موحّدة.

من مزايا ذلك توحيد مرجعية الاستراتيجية الفرنسية لإفريقيا. وكذلك إيجاد هوامش للمناورة في مواجهة تحديات جديدة في أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ. نحن في نهاية دورة (…) إذا استمرينا على النحو نفسه هناك مخاطر كبرى تهدد بإقصاء فرنسا من مناطق شاسعة وتتهدد مصالحها الكبرى.

أ ف ب

زر الذهاب إلى الأعلى