د. علي الجابري: ابطال من ورق.. في مزاد الوطنية الزائفة
بعد إحتلال العراق عام 2003 بأسابيع قليلة، كنت أنجزت كتابي الأول الذي وثق عملية غزو العراق، والذي حرصت فيه على تدوين كل ما جرى في بغداد بإعتباري صحفياً ميدانياً قمت بتغطية كل أحداث الحرب وقتذاك وما تلاها من أحداث عند دخول قوات الاحتلال الى بغداد ، والانتهاكات السافرة التي وثقناها بالصورة والصوت، مروراً بتوثيق الشرارة الاولى للمقاومة الوطنية العراقية قبل ان تدخل قوى الارهاب وتخلط الحابل بالنابل، وتلطخ الاهداف الوطنية للمقاومة بأعمال إرهابية تهدف الى الاساءة لكل ما هو وطني!
في ذلك الوقت تحديداً، إلتقيت أحد الاساتذة الاكاديميين الوطنيين، وأخبرني بأن هنالك مواقع ألكترونية تأسست مؤخراً ، تهدف أن تكون نواة إعلامية لمواجهة الاحتلال الامريكي، وقال لي: “لنساهم في الكتابة بهذه المواقع للتعبير عن رفضنا للاحتلال الامريكي للعراق وللجرائم البشعة التي ترتكب بحق أبناء شعبنا” ، فوافقت على الفور، لكنه أردف قائلاً: ” إختر إسماً مستعاراً لتذيل به مقالاتك أما أنا فقد اخترت إسما هو (…)”!
هنا قلت لمحدثي الذي أحبه كثيراَ وأقدر وطنيته وأتفهم موقفه من عدم الكتابة بإسمه الصريح آنذاك: “ولكن يا دكتور ما قيمة أن أكتب بإسمٍ مستعار وليس بإسمي الصريح؟ هل أطلب من العراقيين ان يقاوموا المحتل ويضحوا بدمائهم وأنا اخشى ان أكتب بإسمي الصريح”؟.
من تلك اللحظة قررت أن أكتب بإسمي مهما حدث، رغم ان كل أحزاب السلطة التي تدعي اليوم إنتمائها لما يسمى ب(محور المقاومة) كانت تلاحق الرافضين للإحتلال وتتهمهم بشتى انواع التهم التي تقودك الى الهلاك أو السجن!
وإستنادا لما سبق، فإنني أجد ان التأثير في الرأي العام يحتاج الى شجاعة ومغامرة وبطولة ، وأنا شخصياً لا أدري كيف يمكن لكاتب أو ناشط يختبئ خلف الكيبورد ، ويكتب بإسم مستعار، ان يطلب من الاخرين مواجهة الاحتلال او الاحزاب المجرمة او الميليشيات ، وهو يعرف ماذا يمكن ان يحل بهم، بينما يخاف ان يكتب بإسمه الصريح؟
وهذا المقياس نفسه ينطبق على المتلقي الذي يثق بما يكتبه صحفي أو ناشط لا يجرؤ على كتابة إسمه، ويبقى متخفياً خشية أن تناله كواتم القتلة أو التهم الجاهزة التي تلفقها حكومة فاسدة مجرمة، بينما يحاول صاحب الإسم المستعار هذا أن (يبيع البطولات الوهمية) على العراقيين!
مَنْ هؤلاء وما قيمتهم أمام تضحيات عشرات الصحفيين الابطال والناشطين الذين مازالوا في عمر الورود ، الذين كانوا هدفاً لكواتم ميليشيات المرشد الايراني الذي أفتى بقتل كل من يقف بوجه الاحزاب العميلة له؟!
وبالمقابل، ما هي مبررات (ابواق السلطة المجرمة) وكتاب الميليشيات وذبابهم الالكتروني الذين يغزون مواقع التواصل الاجتماعي بإسماء مستعارة ما أنزل الله بها من سلطان؟ أغلبها أسماء جنوبية ريفية لكسب ود الفقراء والبسطاء؟!
كيف انقلبت المعادلة في العراق وصار المعارضون يكتبون بإسمائهم الصريحة ، بينما جيوش الميليشيات الاعلامية يكتبون بإسماء مستعارة رغم امتلاكهم النفوذ والمال والكواتم؟!
إنهم بإختصار، أقلام مأجورة تكتب لمن يدفع أكثر ، لا يكشفون وجوههم وأسمائهم لانهم يعرفون موقف الشعب ممن يدافع عن القتلة!
لا تثقوا بكاتب او ناشط يبيع البطولات والمواقف وهو لا يجرؤ ان يكتب إسمه الصريح، سواء كان معارضاً أو (بوقاً للسلطة)!!
رئيس تحرير صحيفة يورو تايمز السويدية