تحقيقات ومقابلات

المشهد السياسي الفرنسي بين تطرفين…الإسلاموفوبيا والشعبوية اليسارية

في أحياء الطبقة العاملة في ضواحي باريس ومرسيليا ومُدن فرنسية كبرى، عززت حملة الإسلاموفوبيا التصويت لصالح جان لوك ميلينشون الذي حصل على 21.95% في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية مقابل 23.15% لمارين لوبان التي انتقلت مع الرئيس إيمانويل ماكرون للجولة الثانية بعد حصوله على 27.85% من الأصوات.

وحسب وزارة الداخلية الفرنسية، جاء اليساري المخضرم ميلينشون وراء لوبان حوالي 1.2 نقطة مئوية فقط بعد فرز جميع الأصوات، ليفقد بفارق ضئيل بلغ نحو 600 ألف صوت، مكاناً في جولة الإعادة المقررة في 24 أبريل (نيسان)، والتي طلب من مُناصريه وناخبيه بشكل مباشر التصويت فيها للرئيس  الحالي.

وعن تصويت المسلمين لليساري المتطرف يقول أحد سكان مرسيليا لصحيفة لوموند: “لن نكذب على بعضنا، هناك عنصريون يُقدمون أنفسهم، لذلك نُصوت لـميلينشون، إنّه الوحيد الذي يعيش مع الفقراء، الوحيد الذي دافع عنّا عندما هاجمنا زمور ولوبان”.

 “في هذه الحملة، قيلت كلمات عنيفة للغاية ضدنا، ضد ممارساتنا، وأصولنا”، هكذا قالت ثريا شاشوة، المُدرسة، التي أصرت على أنّه “ليس لدي خيار، ولا بد من التصويت”.

ورغم عدم تأهله للجولة الثانية، أصبح جان لوك ميلينشون، لاعباً أساسياً في إعادة تشكيل المشهد السياسي الفرنسي، إذ أن أصواتاً قليلة نعته من تحقيق حُلم حياته، في نهاية مسيرة سياسية طويلة قادته من أقصى اليسار إلى الاتحاد الشعبي، عبر الحزب الاشتراكي ثم حزب اليسار.

فرانسواز فريسوز، كاتبة العمود في لوموند تقول: “كان المكسب الواضح الوحيد لجان لوك ميلينشون  أنه صعد خطوة جديدة، من المركز الرابع في  2012 و2017، إلى الثالث في 2022 بفضل الزيادة المستمرة في أصواته، وفي ضوء هذه الديناميكية، يكاد يكون ذلك كافياً ليتحلى بالصبر حتى 2027، حيث يرجح أن يصبح رئيساً”.

هزيمة في طعم الفوز
كانت الهزيمة الجديدة لجان لوك ميلينشون، بمثابة انتصار، هكذا تقول المحللة السياسية الفرنسية جولي كاريات: “لم تكن أمسية التصويت في الجولة الأولى الأكثر جنوناً بالضرورة، لكن الدافع العاطفي كان عنيفاً في بعض الأحيان. مؤيدو ميلينشون بكوا، ثم حلموا. وبالنسبة للسناتور الاشتراكي السابق، كان الأحد الماضي قبل كل شيء هزيمة مشرفة، إذ ارتدى ملابس النصر، وأيقظ الأمل والفوز”.

من جهتها، قالت المرشحة الاشتراكية السابقة للرئاسة في 2007 سيغولين رويال، إن “عجز الجناح اليساري الفرنسي المُنقسم على الاتحاد وراء مرشح واحد، هو سبب نجاح اليمينية المتطرفة مارين لوبان في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية”.

وقالت رويال في تصريحات تلفزيونية: “من الواضح أن العديد من المرشحين من يسار الطيف السياسي هرولوا لخدمة غرورهم رغم ضعف التقييمات لانتخابهم، وانتهى بهم الأمر بالحصول على نسبة تقل عن 5% من الأصوات”.

وأضافت “لو انسحبوا من السباق الرئاسي، كان سيكون جان لوك ميلونشون في الجولة الثانية، وستحظى فرنسا بمنافسة فعلية وجوهرية واختيار حقيقي بين القيم والاستراتيجيات”.

أقطاب السياسة

كشفت الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية في فرنسا انقسام المشهد السياسي إلى 3 أقطاب، الوسط، واليمين المتطرف، واليسار الراديكالي، فيما بات الحزبان التقليديان الجمهوريون، والاشتراكي مُهمّشين انتخابياً وشعبياً.

وبعد عقود من التناوب على الحكم بين الاشتراكيين واليمينيين الديغوليين منذ 1958 في الجمهورية الخامسة، وسع تولّي تيار الوسط بقيادة إيمانويل ماكرون زمام السلطة في 2017 الاستقطاب السائد في المشهد السياسي إلى أقصى الحدود، على حد تعبير الصحافة الفرنسية.

وأكد عالم السياسة جوال بروستييه أن “الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية كشفت انقسام الناخبين إلى ثلاث فئات مع تشكّل ثلاثة أقطاب متوازية تقريبا في حجمها النسبي”.

وهذا ما يراه أيضاً عالم الاجتماع إروان لوكور الذي تحدّث عن “ميدان سياسي ثلاثي الأقطاب”.

في المقابل، يدحض عالم السياسة جيروم سانت ماري فكرة “الأقطاب الثلاثة: اليسار والوسط واليمين”، إذ يرى أن مواجهة بين كتلة نخبوية من الفئات الميسورة وراء ماكرون، ضد كتلة شعبوية ثنائية، تتجلّى في رأيه في صورتين،حيث يُناصر القطاع الخاص وفئات شعبية لوبن، في حين يستقطب جان لوك ميلانشون موظفي القطاع العام وأبناء المهاجرين من كافة الأصول العرقية والدينية، فضلاً عن المُثقفين والمُدرسين وطلاب الجامعات.

وفيما حزنت الصحف اليسارية على نتائج الدورة الأولى، عنونت صحيفة “ليبيراسيون” بشكل صريح “في هذه المرة، الوضع خطير جداً”.

أما يومية “لومونتانيه” للحزب الشيوعي، فقالت: “يلتقي التعطيل والشعبوية الاجتماعية وجهاً لوجه بعد جولة أولى كانت نتائجها متوقعة. وكأن شيئًا لم يحدث خلال ولاية ماكرون التي تميزت بأكثر الأحداث إثارة للقلق التي عرفتها البلاد منذ عقود”.

أما صحيفة “لوتيليغرام”، فاعتبرت أن “ماكرون، ساهم في انفجار المشهد السياسي” مُشيرة إلى أن “الإليزيه بات في متناول يد مارين لوبن إذا لم ترسب خلال المناظرة الرئاسية”، مُشيرة إلى الاقتراب من زلزال سياسي في فرنسا وأوروبا. 

24

زر الذهاب إلى الأعلى