آراء

مجلة التايم الامريكية: هذه استراتيجية بوتين لغزو أوكرانيا

عن الاستراتيجية وراء الغزو الروسي لأوكرانيا، كتب أستاذ التاريخ في جامعة ستانفورد الأمريكية إيان موريس في مجلة “تايم” الأمريكية، أن العالم يعيش في عصر ذهبي، في ظل ما يصفه علماء العلاقات الدولية بـ”السلام الطويل”.

وفي رأيه فإن ذلك أمر مفاجئ، إذ بقدر ما يمكن للمؤرخين العودة إلى الماضي، فإنه عند كل تحول رئيسي يتناول توازن الثروة والسلطة، كان يندلع عنف شامل، و”نحن نعيش اليوم التحول الأكبر والأسرع على الإطلاق”.

في 1950، كانت ثلاث من أغنى أربع دول في العالم غربية في مقابل دولة آسيوية غنية واحدة فقط، أما في 2022، فمن بين الدول الأربع الأغنى في العالم، ثلاث دول آسيوية وواحدة غربية فقط. وهذا في حد ذاته يشكل أمّ التحولات.

لكن بطريقة أخرى، فإن السلام الطويل ليس مفاجئاً أبداً. وسبق لكلوفيتز أن قال إن “الحرب هي مجرد استمرار للسياسة بطريقة أخرى”.

إن الدول تذهب إلى الحرب عندما تعتقد أن القوة ستحقق أهدافها السياسية، ولا تذهب إلى الحرب عندما تعتقد أنها ستجلب الكوارث.

إن التهديد الذي تشكله الأسلحة النووية منذ 1945، والهيمنة الأمريكية الاقتصادية وفي الأسلحة التقليدية منذ 1989، جعلت تكاليف الحرب باهظة جداً، بحيث أن قلة من الحكومات تُريد دفعها.

أكبر كارثة جيوسياسية
ومع ذلك، فإن النزاعات بين الدول موجودة، ووجدت الحكومات طرقاً جديدة لكسبها، ومن هنا كانت الأزمة الأوكرانية.

في الأعوام الأربعمئة الماضية، تعرضت موسكو للسيطرة أو التهديد من البولنديين، والسويدييين، والفرنسيين، ومرتين من الألمان.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جدياً تماماً عندما قال في 2005 إن انهيار الاتحاد السوفيييي، الذي دفع الخطوط الأمامية لروسيا إلى مسافة 800 ميل من الألب، كان أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين.

وعلى مدى 30 عاماً كانت الأولوية الاستراتيجية التي تشغل روسيا، هي تراجع حدودها غرباً.

لكن مع فشله في الحصول على على ما يريد وفي وقت ستبدو الحرب مقلقة جداً، أمضى بوتين الأعوام الـ13 الأولى بعد هجومه “لفرض السلام” في جورجيا في 2008، في شن حروب على جيرانه لكن دون غزوهم.

وأكد في 2008 أن “أوكرانيا ليست حتى دولة” لأن الروس والأوكرانيين “شعب واحد”. وفي سياق هذا المنطق، فإن قراراته في 2014 بضم القرم ودعم الانفصاليين في منطقة دونباس بشرق أوكرانيا، لا ترقى إلى مستوى الحرب أو الغزو.

وحتى الأيام الأخيرة من فبراير (شباط) 2022، كان لا يزال يعمل بموجب هذا السيناريو نفسه عندما أعلن أن منطقتي دونيتسك ولوغانسك الأوكرانيتين، دولتين مستقلتين.

وبإطلاق الصواريخ على كييف وقصف خاركيف، وإرسال عشرات آلاف الجنود عبر الحدود الأوكرانية، فإنه لا يعدو أن يكون جاراً جيداً، يساعد هاتين “الدويلتين” على حفظ السلام و”اجتثاث النازية” عن الحكومة المنتخبة في أوكرانيا.

مبدأ جيراسيموف
وأضاف الكاتب أن استراتيجية بوتين كانت غير واضحة وغامضة وعبارة عن تحركات رمادية يكتنفها الضباب، وأن أياً منها لم يرتق إلى مستوى الحرب.

إن الإستراتيجيين الأمريكيين يطلقون على ذلك “مبدأ غيراسيموف”، تيمناً بمقال نشره رئيس الأركان الروسي الجنرال فاليري غيراسيموف في 2013 قال فيه إن “أساليب الصراع تشمل استخداماً واسعاً للوسائل السياسية والاقتصادية والمعلوماتية والإنسانية وغير العسكرية، والاستخدام الصريح للقوة”.

ويؤكد أن العمل “تحت غطاء حفظ السلام وإدارة الأزمات، يحدث فقط في مرحلة معينة، وذلك بهدف أساسي، لتحقيق نجاح مؤكد في الصراع”.

تلك “المرحلة المعينة” بدأت في 24 فبراير (شباط). وعندما وجد بوتين مقاومة شرسة من الجيش الأوكراني انتقل إلى استراتيجية روسية أخرى هي “التصعيد لخفض التصعيد” وهذا مغزى إعلانه التعبئة النووية في 27 فبراير (شباط).

وهذه الفكرة تحدث عنها ضباط روس في مقال نشر في 1999، وتقوم على التهديد باستخدام أسلحة نووية صغيرة للضغط على العدو لحمله على التراجع.

وينفي المسؤولون الروس اعتماد مثل هذه الإستراتيجية، لكن وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين، تأخذان ذلك على أنه حقيقة منذ “مراجعة الوضع النووي” في 2018.

وبوضع القوة النووية الروسية في حال تأهب قصوى، فإن بوتين يعتمد على التصعيد لخفض التصعيد.

وبرفعه حدة المخاطر، فإنه يأمل كسر وحدة الغرب والتنمر على القادة الأوكرانيين لتلبية مطالبه في مفاوضات لوقف إطلاق النار التي بدأت في 28 فبراير (شباط). وإذا نجح في مسعاه، فإنه سيدفع الحدود الروسية نحو الغرب وينقذ الاقتصاد الروسي من العقوبات دون خوض حرب أساسية.

وإذا لم ينجح، فإنه سيتسبب في الكارثة العالمية الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية. إن “مبدأ فيراسيموف” يمر باختباره الأساسي الأول.

زر الذهاب إلى الأعلى