يرفضهم مجتمعهم.. مصير مجهول لأطفال “الدواعش” والإيزيديات
قرابة 200 طفل في وضع إنساني صعب، فالآباء مغتصبون ينتمون لتنظيم "داعش" الإرهابي، والأمهات إيزيديات تحولن في فترة إلى "سبايا". وبين الاثنين، تقف أعراف المجتمع الإيزيدي وقوانين الدولة العراقية ليزداد الحاضر غموضاً.
مصير مجهول ينتظر أطفال الإيزيديات الذين وُلدوا عن طريق الاغتصاب أو الزواج القسري من مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الإرهابي، فالمجلس الروحاني الإيزيدي الأعلى في العراق أوضح أن قبول انضمام أطفال الناجين للطائفة الإيزيدية يعني حصراً الأطفال المولودين من أم وأب إيزيديين، وغالبيتهم اختطفوا إبان غزو "داعش" لمنطقة سنجار، حيث كانت تعيش هذه الأقلية الدينية، بينما يستثني المجلس الأطفال الذين يعود نسبهم الأبوي إلى مقاتلي "داعش".
ويظهر أن التوضيح الذي أصدره المجلس اليوم يأتي رداً على جدل واسع خلفه قراره السابق بإعلانه "قبول جميع الناجين" الذين اختطفهم تنظيم "داعش". فالأقلية الإيزيدية تحرص على استمرار وحدتها الاجتماعية، وتمنع تعاليمها الدينية بشكل تام الزواج من خارج المجتمع الإيزيدي، وينتج عن ذلك عدم اعترافها بالأطفال المولودين من تلك الزيجات، حتى ولو كانت الأم أو الأب إيزيديين.
ويصل عدد المخطوفين الإيزيديين، الذين عانوا من الإبادة الجماعية، حسب تعبير الأمم المتحدة، إلى 6471 شخصاً، عدد الناجين منهم يبلغ 3425، طبقاً لأرقام المديرية العامة للشؤون الإيزيدية. بينما توقعت وكالة الأنباء الألمانية أن يصل عدد الأطفال الذين وُلدوا أثناء الاختطاف إلى مائتين. ويوجد عدد من الناجين حالياً في مخيمات النازحين في العراق وسوريا.
وبحسب تأويل قرار المجلس الروحاني الأعلى، تواجه الأمهات الإيزيديات خيارين صعبين: الأول التخلّي عن أطفالهن "المسلمين" إذا رغبن بالعودة إلى المجتمع الإيزيدي، أو الإصرار على الاحتفاظ بهم وبالتالي غالباً ما سيتم رفض عودة الأمهات إلى مناطق تجمع الإيزيدين في شمال العراق. فهل هناك خيار ثالث، خاصةً مع إمكانية ضغط المنظمات الحقوقية والنشطاء الإيزيديين؟ وما محلّ السلطات العراقيةمن ذلك، وهي التي أعلنت قبل أشهر عن مشروع قانون لتحسين ظروف الناجيات؟
كان نشطاء إيزيديون قد استقبلوا قرار المجلس الروحاني الأعلى بشكل إيجابي، عندما أعلن عن استقبال جميع الناجين واعتبار ما تعرضوا له خارجاً عن إرادتهم. لكنهم اليوم، وبعد استدراك المجلس ورفضه الأطفال "غير الإيزيديين"، ينظرون إلى الموضوع بكثير من الاستياء.
وكتبت بلقيس والي، مختصة في شؤون العراق، وهي باحثة أولى في منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية، على حسابها في "تويتر": "قالت لي العديد من النساء اللواتي اختطفهن مقاتلو داعش واللواتي أنجبن لاحقاً، كم كان مؤلماً بالنسبة لهن إعطاء أطفالهن لدور الأيتام أو لعائلات المقاتلين لكي يكون في استطاعتهن العودة إلى مجتمعهن".
ويرى فهد الداوود، صحفي وناشط حقوقي من الأقلية الإيزيدية، أن المجتمع الإيزيدي انقسم حول موضوع استقبال هؤلاء الأطفال، "بين المؤيد الذي تأثر عاطفياً بالجانب الإنساني، وبين المعارض الذي يؤمن بفلسفة و أركان الدين الإيزيدي التي لا تقبل استقبال أي شخص ليس من أبوين إيزيديين". لكن الرأي الثاني كان للأغلبية، وبالتالي "استسلم المجلس لهذا الرأي وسحب قراره السابق"، حسب ما صرح الداوود لـDW عربية.
ويرى الصحفي أن المجلس تسرّع في قراره الأوّل الخاص بقبول عودة الناجيات إلى المجتمع الإيزيدي، خاصةً أنه (أي المجلس) يفتقد لرئيسه منذ وفاة الأمير تحسين بك، فضلاً عن أن القرار الأول "كان سيتسبب في تغيّر واضح في فلسفة الإيزيدية التي لم يتخلّ عنها معتنقوها رغم عشرات الحملات من الإبادة".
وتقول الباحثة في مركز الشرق الأوسط (LSE) والمتخصصة في أثر الإبادة الجماعية على المجتمع الإيزيدي، زينب كاية، لـDW عربية إن الموضوع حساس للغاية، ويطرح صعوبات كبيرة أمام المجتمع الإيزيدي للقبول به، نظراً أولاً للطبيعة الدينية لهذا المجتمع الذي يركز أساساً على الهوية الدينية ويربطها بشكل رئيسي مع هوية النسب الأبوي، أي أن الاثنين معاً يجب أن يكونا إيزيديين. وثانياً لأن الكثير من أفراد هذا المجتمع عاشوا فظاعات الإبادة التي قام بها "داعش"، وبالتالي لا يرغبون باستقبال هؤلاء الأطفال الذين وُلدوا من "العدو".
حرص على الهوية؟
أما الصحفي فهد الداوود، فيشير إلى أن المجلس سبق له عام 2015، اتخاذ قرار بـ"استقبال جميع الناجيات، واعتبار ما وقع لهن من اختطاف خارج إرادتهن، وبالتالي سيبقين طاهرات"، وهو القرار الذي لاقى حينها رضى المجتمع الإزيدي، بشكل أكد "مراعاة هذا المجتمع للجانب الإنساني" وفق قول المتحدث.
وترى زينب كاية أن القرار حينها كان بالفعل خطوة مهمة، لأن الكثير من الناجيات أجبرهن مقاتلو "داعش" على اعتناق الإسلام، بينما تنصّ تعاليم الديانة الإيزيدية أنه لا يمكن لأيّ إيزيدي اعتنق ديناً آخر أن يعود إلى المجتمع الأصلي.
وتتحدث الخبيرة، التي زارت المنطقة، أن عدداً من مكوّنات المجتمع الإيزيدي التي تحدثت معها حينئذ، كانت سعيدة بهذا القرار. لكن عندما سألت أفرادها عن مصير الأطفال، كان الإجابات مختلطة وغالباً سلبية: "عدد من الإيزيديين يقولون إن هؤلاء الأطفال لا يتحملون أيّ ذنب بسبب آبائهم، ولكن يستدركون بالقول إنه لا يمكنهم القبول بأطفال 'داعش' وسطهم.. فهؤلاء الأطفال بالنسبة لهم أجانب وهم أبناء من تسبّبوا لهم بمعاناة كبيرة.. ومنهم من قال إنه لصالح هؤلاء الأطفال أن لا ينشأوا في هذا المجتمع حيث سيتم تنميطهم".
ماذا عن القانون العراقي؟
لا يزال مجلس النواب العراقي يدرس مشروع قانون تعويض الناجيات الإيزيديات. ويركز القانون على التعويض المادي، والرعاية الطبية والمرافقة النفسية. لكنه لم يقدم جواباً على إشكالية نسب الأطفال الذين وُلدوا خلال الاختطاف، إذ أشار المشروع، حسب المادة السادسة، إلى سريان القوانين النافذة على هؤلاء المواليد.
وبالعودة إلى القانون العراقي، يتبين أن أطفال الأمهات الإيزيديات والآباء "الدواعش" سيسجلون على أنهم مسلمون، إذ يشدد قانون الأحوال الشخصية أن الأب يمنح ديانته للابن مهما كانت ديانة الأم. كما أن حتى الطفل مجهول النسب الأبوي تعتبره الدولة مسلماً ولو كانت أمه على غير هذه الديانة. وقد استغلت منظمات حقوقية متعددة، وضع مشروع القانون الجديد لأجل الضغط على السلطات العراقية كي تجد حلاً أكثر أماناً للمختطفات فيما يخصّ نسب أطفالهن.
ويطالب فهد الداوود المنظمات الحقوقية بالضغط أكثر على السلطات العراقية لتغيير بند فرض الإسلام على الأطفال مجهولي الهوية، وبالتالي منح هؤلاء الأطفال "الذين هم ضحية كذلك للحرب ديانة الطرف المعروف من الأبوين، أي ديانة الأم الإيزيدية، بما أن الجميع يتفق أن 'داعش' لا يمثل الإسلام". كما يحث الصحفي ذاته الدول التي تضمن حرية المعتقد على استقبال الناجيات الراغبات في الاحتفاظ بأطفالهن وتوفير التأهيل النفسي اللازم لهن، معطياً المثال ببرنامج وضعته ولاية بادن فوتينبرغ الألمانية والذي من خلاله تتم إعادة تأهيل اكثر من 1000 ناجية إيزيدية منذ 2015.
بيد أن زينب كاية تستبعد وجود حلّ سياسي للموضوع من لدن السلطات العراقية، لأن تعديل القانون سيمثل سابقة في البلاد، ليس للإيزيديين فقط، بل للأطياف الدينية الأخرى، وسيؤدي إلى ردود أفعال كبيرة من هذه الأطياف، خاصةً المحافظة منها. كما أنه حتى لو وُضع مشروع قانون بهذا الصدد، أي منح الأم نسبها الديني للطفل، فالبرلمان لن يقبل به، ولذلك لم تنجح كل حملات الضغط التي قامت بها الجمعيات النسائية منذ سنوات في تعديل القانون، وفق رأي الباحثة.
الكاتب: إسماعيل عزام