توازن الرعب في إستقطاب المعارضين والناشطين بين الاحزاب الشيعية قبل الانتخابات
صراع الارادات والصفقات ما قبل الانتخابات .. "عامر الكبيسي الصدري في الحنانة" مقابل عودة "غيث التميمي الحشدي" للأعظمية !!
كتب / علـي الجـابـري
لا يدخر حلفاء الامس، أعداء اليوم، المتصارعون على الظفر بأصوات شيعة العراق، في الانتخابات البرلمانية العراقية المقبلة ، جهداً في خوض هذا المعترك دون الالتزام بقواعد اشتباك أخلاقية محددة، منطلقين من شعار “الغاية تبرر الوسيلة”.
التيار الصدري المتوثب لنيل أكبر عدد من المقاعد البرلمانية على حسابه (اخوته في المذهب والحشد) ، يحاول ان يقنع الجميع ان رئاسة الوزراء الصدرية، هي المنطلق لعراق جديد ينهي عقدين من الفساد! بينما ينظر منافسوه في تحالف قائمة الفتح (الحشدية) الاقرب الى ايران على ان الصدر، بدأ بتغيير إعدادات التحالفات الشيعية ليكون اللاعب الاوحد – شيعياً في غياب قائد الاوركسترا الشيعية الذي كان يسمح للجميع بالتنافس، ثم يمرر خياراته اليهم، لينفذها الجميع، ويجلسوا لاقتسام حصصهم من الكعكة الكبيرة!!
التحول في خطط المواجهة
قبل الانتخابات البرلمانية الماضية عام 2018 ، شن المتنافسون أساليباً متقدمة في تسقيط الخصوم ، ومحاولة أزاحتهم قبل الانتخابات او تركيعهم لإعلان الولاء مع الاقوى الذي يمتلك النفوذ وقوة السلاح.. وكانت الجيوش الالكترونية قد لعبت دوراِ كبيراً في تلك المعارك الانتخابية.
ولا ينسى العراقيون كيف هاجم أعضاء في حزب الدعوة الذي يتزعمه رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي ، في مطار ستوكهولم الدولي، الشيخ خميس الخنجر، الذي شيطنته ماكينتهم الاعلامية وجيوشهم الالكترونية بأنه الداعم الاول للارهاب، ليفاجئوا لاحقاً بتحالف الخنجر مع قائمة الفتح التي تضم حزب الدعوة وقوى شيعية موالية لإيران بعد الانتخابات، وفق معادلة جديدة رسمها قائد الاوركسترا وقتذاك قاسم سليماني ، فما كان من الجيوش الالكترونية الا ان تلوذ بالصمت ، ويتحول الخنجر من العدو الابرز الى الحليف الاقرب! الامر الذي يتكرر مجددا اليوم مع شخصيات أخرى، كما في تغريدة فلاح القريشي التي تثبت عدم درايته بما يخطط له مشغليه، وفقا لاحد الصحفيين الذين طالب عدم ذكر أسمه!
الضاغط الجديد وصراع كسب المعارضين
لا تشبه الانتخابات الحالية كل الانتخابات السابقة، في ظل غيـاب قاسـم سليمـانـي الذي كان يضبط الايقاع الشيعي، والاعلان الصريح لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، عزمه ان تكون رئاسة الوزراء صدرية (قح)، ودخول ضاغط جديد تمكّـن من إسقاط حكومة عادل عبد المهدي السابقة، متمثلاً بتشرين وما أنتجته من جيل ناقم ورافض لكل القوى السياسية.
من هذا المنطلق بدأت القوى السياسية تنزع بعض جلودها، وترتدي (جلد تشرين) ، من خلال تقديم قوى (شبابية) تابعة لها على انها ممثلة لتشرين لحصد الاصوات من شبابيك الانتخابات بعد ان فقدت الامل في حصدها من ابوابها.
القوى السياسية ذاتها التي وقفت بالضد من احتجاجات تشرين وشيطنتها، بدأت تغازل الكثير من المعارضين او المحسوبين على تشرين لغرض التحالف معهم، والتبرؤ من قتلة اكثر من (800) شاب خلال ايام الثورة.
يرى الصحفي العراقي المقيم في الولايات المتحدة الامريكية معن الجيزاني، ان محاولات استقطاب الناشطين والمؤثرين لم تتوقف منذ اولى الاحتجاجات على هذه السلطة قبل عشرة اعوام، ولكن زادت وتيرتها منذ انتفاضة تشرين بشكل اوسع واصبح لكل تيار سياسي نافذ في السلطة موازنة مالية محددة تُصرف على مجموعات الاستقطاب وخصوصا الشخصيات المؤثرة في وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي.
مبررات تنازلات احزاب السلطة
محاولات الاستقطاب هذه يفسرها السياسي المعارض الشيخ غيث التميمي، في “ان القوى السياسية ادركت بوضوح ان السخط الشعبي بلغ مرتبة يصعب التكهن في نتائجها في حال تفجر الشارع مرة اخرى، وادركت ان طبيعة الانقسام السياسي بينها لا يتعلق بمسائل ترتبط بمصلحة الشعب والدولة وانها شخصية وحزبية وطائفية هدامة، بعد ان قطعوا الطريق على الفعاليات الشبابية ان تنتج نخباً سياسية ومشاريع كفيلة في اقناع الشعب، ولا طريق امامهم غير الانتخابات لتثبيت هيمنتهم على السلطة.
عامر الكبيسي مقابل غيث التميمي
على غرار المصطلح الذي انتجه الصراع بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الذي أطلق عليه (توازن الرعب) وقتذاك، حاول (الاخوة الاعداء) الذين يتنافسون في كسب ود المناطق الشيعية، خلق معادلة جديدة، يمكن تسميتها بـ(توازن الرعب في إستقطاب المعارضين والناشطين المعروفين في وسائل التواصل الاجتماعي). ويفسر مراقب سياسي تلك الخطوات على انها تأتي في أطار مبدأ (عدو عدوي صديقي)، و(عفا الله عما سلف طالما انك معي اليوم ضد ممن ينازعني الحكم).!!
يعتقد الكثير من الصحفيين والناشطين ان لقاء السيد مقتدى الصحفي العراقي (المحسوب على تيار الاخوان المسلمين) عامر الكبيسي، يأتي في أطار توجيه رسالة جديدة مفادها ان رئاسة الوزراء الصدرية القادمة ستتخذ حلفاء جدد كانوا اقرب الى خانة الاعداء في الماضي القريب، وتزعج المنافسين الشيعة.
لكن الصحفي عامر الكبيسي لا يتفق مع هذا الرأي، وقال في تصريح ل”يورو تايمز” ان اللقاء مع السيد الصدر “كان بطلب شخصي منه منذ مدة، وحين عرفوا أنه جاء الى العراق للمشاركة في مؤتمر قالوا له اهلا بك السيد وافق على اللقاء”.
ويؤكد الكبيسي انه كان بضيافة السيد مقتدى الصدر، وبقي عدة ايام، زار خلالها معظم معالم وأسواق النجف. ويشدد على انه “لا يوجد أي مغزى سياسي مطلقا”.
نكاية بالصدر أم تكفيراً للذنوب؟
معادلة (توازن الرعب في إستقطاب الناشطين) تولدت في الخطوة المفاجئة التي تلت لقاء الصحفي عامر الكبيسي بالصدر، حيث فوجئ الكثير من العراقيين بعودة المعارض السياسي الشيخ غيث التميمي الى بغداد، بحماية من جهات محسوبة على الحشد الشعبي والفصائل المسلحة التي كان يعاديها الى الامس القريب. وهو ما فسره البعض ان تلك الجهات حاولت اعادة التميمي نكاية بزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ولأستخدامه كورقة ضغط، ومنحه مساحة اوسع لمهاجمة التيار الصدري الذي انشـق عنه التميمي واصبح ألد أعدائه اليوم؟
يعتقد الشيخ غيث التميمي “ان معادلة إستقطاب الناشطين ، رافقها ضغط دولي واقليمي بخصوص قضايا المتظاهرين وعمليات الاغتيال والخطف والتهديد، ولذلك اضطروا للقبول بتسويات تضمن تنفيس الاحتقان ومنح الانتخابات فرصة احداث تغييرا نسبيا”.
ويؤكد “ان عودته جاءت في اطار هذه الاجواء وقد سببت حرجاً كبيراً لهم جميعا. لكنه يشدد على “انه ليس اداة بيد طرف على حساب اخر ، وهو يختلف مع الجميع ويتواصل مع الجميع” وهدفه الاساس – كما يقول- ان يمارس نشاطه السياسي من بغداد بصورة طبيعية ، وتثبيت مشروع المواطنة وتنظيمات حزب المواطنة على الارض استعدادا لسباق سياسي لمرحلة ما بعد الانتخابات القادمة”.
أبلغت حكومة كردستان بالعودة قبل ساعتين
وكشف التميمي لـ”يورو تايمز، ان حكومة كوردستان لا علاقة لها بقرار عودته اطلاقا، وكل ما حصل هو انه ابلغهم قبل موعد الطائرة بساعتين، رغم ان “علاقته بقيادة كوردستان جيدة جدا، وانه يحترم تجربتهم، ويتعلم منها، وهناك تفاهمات ومشتركات كثيرة تجمع بين حزب المواطنة مع الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني في كوردستان”.
القوم في السر ليس القوم في العلن
يرى الصحفي معن الجيزاني أن :- “هناك حالات كثيرة من هذا النوع تبقى في اطار سري او غير مباشر، وهناك حالات قليلة تطفو الى السطح، وتثير تساؤلات خصوصا عندما يلاحظ الجمهور تحولاً كبيراً في مواقف تلك الشخصيات التي يتم استقطابها من قبل بعض الاحزاب والتيارات السياسية، ورغم التبريرات التي تُقدم للجمهور لتفسير هذا التحول إلا ان الظروف المحيطة وتناقض المواقف وعدم منطقيتها يجعل من تلك التبريرات (مجرد هراء)”.
ويؤكد الجيزاني ان “الاستحقاق الانتخابي يكون ايضا احد العوامل الحاسمة في تفتت الجبهات وتبدل المواقف والتحالفات بسبب اغداق الوعود والاموال والتسويات التي تبذلها الاحزاب السياسية لتحسين صورتها قبل موعد الاقتراع العام، وهذا سيناريو شاهدناه في السابق وفي كل موسم انتخابي، كما شاهدنا اندثار الشخصيات التي يتم استقطابها من قبل الاحزاب السياسية بعد انتهاء موسم الانتخابات وتلاشي حضورها وتأثيرها في المشهد العام”.
لا أعلم اذا كان التميمي عاد بسببي
في هذا الاطار ، يعتقد الصحفي عامر الكبيسي، ان الأحزاب السياسية تقرأ كل شيء سياسي ويتوقعون أشياء غير حقيقة، ويتساءل : “هل عاد الأستاذ غيث التميمي بسببي؟ صراحة لا أعلم رغم أن كثيرين جدا قالوا لي هذا شخصيا. لكن عليك ان تلاحظ “انني لست سياسياً أبداً، أما اخي غيث فهو سياسي معارض”.
وفقا لتقارير صحفية عراقية ، يُقدَّر عدد الناشطين الذي غادروا العراق إلى تركيا أو لبنان والأردن أو انتقلوا إلى مدن إقليم كردستان خلال الأشهر الماضية، بأكثر من 200 ناشط ومحتج ومدون وصحافي مؤيد للاحتجاجات. ويُعتبر الكثير منهم وجوهاً بارزة ظهرت بعد تفجر الاحتجاجات في البلاد، غير أن قسماً كبير منهم باتوا أكثر صراحة في انتقاد الأوضاع وتشخيص الحالة العراقية، بسبب ما يعتبرونه “تحرّرهم من الخوف”. في المقابل، آثر آخرون السكوت والانزواء أملاً بالتمكن من العودة إلى العراق في ما بعد.
لن أعود كما عاد غيث
الصحفي العراقي المعروف انور الحمداني، الذين كان ابرز الصحفيين الذين يكشفون ملفات الفساد في اوساط الطبقة السياسية العراقية من خلال برنامجه في قناة البغدادية “ستوديو التاسعة” دخل على خط عودة غيث التميمي الى بغداد وكتب يقول: “لن اعود كما عاد غيث التميمي وغيره بمساومات وتنازلات وتسويات.. انا رجل قلت كلمتي ومشيت”.
وقال الحمداني في تصريح لـ”يورو تايمز”: “اولاً غيث لم تنقطع علاقاته بحسب تصريحاته السابقة بالكثير من الشخصيات في بغداد ومنهم الشيخ قيس الخزعلي والسيد عمار الحكيم ويمكن العودة لاحاديثه في قناة دجلة وقناة زاكروس على مدى السنوات الست الماضية .. بل هو كان صوت معبر عن تيار الحكمة بشكل مستتر وهذا واضح لكل متمعن لاحاديثه.. وحتى خلافه مع السيد مقتدى الصدر كان ضمن هذا الاطار .. ولقد شخصت ذلك منذ 2016 .. وذكرته على الهواء مباشرة في عدة احاديث على مدى السنوات الاربع الماضية خاصة بعد انطلاق حراك تشرين 2019.. وبتقديري ان عودته الى بغداد بغطاء من السيد عمار الحكيم وتياره .. ويرى الحمداني “ان دور غيث التميمي في السياسة سيتبدل في الفترة المقبلة نحو موقف متقارب مع ايران بعكس تصريحاته السابقة في السنوات القليلة الماضية، وسيتماهى مع طروحات من هذا النوع”.
الميليشيات تقتل ولا تهدد
اما الصحفي منتظر الزيدي، فقد قدم اطروحة مغايرة ، قال فيها انه لا يعطي العذر للناشطين لمغادرة بغداد اساسا، لانه والعديد من زملائه الناشطين بقوا في بغداد رغم تهديدات ميليشيات ايران، وبالمقابل ادعى كثيرون انهم تلقوا تهديدات وغادروا وهذا الكلام غير صحيح، لان الميليشيات لا تهدد مطلقا وانما تغتال مباشرة، ومعظم من ذهبوا الى اربيل لم يتلقوا تهديدات جدية وانما تلقوا رسائل قد تكون صادقة او مفبركة من قبل البعض ممن شاركوا في الثورة لايام معدودة وغادروا؟!
وفيما يتعلق بعودة الكبيسي والتميمي الى العراق، قال الزيدي انهما لم يكونا جزءاً من ثورة تشرين في الاساس، ولم يكن لهما اي تأثير، ولا انكر ان هناك الكثير من الناشطين استقطبتهم الاحزاب والمليليشيات في الاونة الاخيرة!
العراق للعراقيين
في مقابل هذا الصراع الانتخابي، وسعي القوى السياسية المتنافسة الى أستثمار كل الوسائل والطرق لتحقيق نصر انتخابي على المنافسين، يرى الكثير ممن المراقبين، ان لقاء الكبيسي مع السيد مقتدى الصدر ، او عودة المعارض السياسي غيث التميمي الى بغداد، هي حق شخصي لهم، ولكل عراقي ان يقول رأيه ويعلن مواقفه من داخل بلده، بدون خوف أو خشية من سلطة السلاح وترهيب الميليشيات.. لكن يبقى السؤال الابرز: لماذا لم تسعى تلك القوى الى التكفير عن ذنوبها ودورها في تهديد وترهيب اكثر من ألف ناشط ومتظاهر عراقي من بغداد ومدن جنوب العراق، هجّـروا بالقوة وبتهديد السلاح والتصفيات، وهناك اكثر من مئتي مهجر منهم في كردستان فقط؟
يورو تايمز / الحقوق محفوظة