لماذا يموت الأميركيون السود بمعدلات أعلى بسبب «كوفيد ـ 19»؟
حتى وقت قريب، لم تقم مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، ومعظم إدارات الصحة المحلية في الولايات المتحدة، بنشر بيانات عن إصابات فيروس كورونا وفق تقسيمها العرقي. لكن على مدار الأيام القليلة الماضية، بدأ العديد من الولايات والمدن في جميع أنحاء الولايات المتحدة في إصدار نتائج إصابات «كوفيد – 19» حسب العرق، وكشفت الأرقام الأولية أن الأقليات العرقية، وخاصة الأميركيين من أصل أفريقي، يواجهون خطر إصابة ووفاة أعلى بالمرض الذي يسببه الفيروس التاجي الجديد. فعلى سبيل المثال، يشكل السود 32 في المائة من سكان لويزيانا، لكنهم يمثلون 70 في المائة من الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا.
تظهر الدراسات التفصيلية للأوبئة الماضية نفس النمط المأساوي الذي يتكرر مراراً وتكراراً: فالأمراض المعدية تتراكم بسهولة أكبر في مجموعات تعاني من أمراض موجودة مسبقاً، وتعيش في ظروف مزدحمة وتعمل بجوار الآخرين. وتجيب ساندرا كراوس كوين، خبيرة الصحة العامة في جامعة ميريلاند في الولايات المتحدة على سبب هذه الظاهرة في عدد مجلة «ساينس» الصادر في العاشر من أبريل (نيسان) الجاري، وتقول إن الأقليات تتمتع أيضاً بقدرة أقل من الحصول على الرعاية الصحية. ففي عام 2009. أدى وباء إنفلونزا H1N1 إلى وفاة أكثر من 18 ألف شخص حول العالم، وذكرت التقارير أن الفيروس أصاب السود واللاتينيين في بوسطن وشيكاغو بشكل خاص. ومن بين 1081 حالة في أوكلاهوما، كانت 55 في المائة من الإصابات في أوساط الأميركيين السود، و37 في المائة بين الأميركيين الأصليين رغم أن هذه الجماعات لا تشكل سوى 8 في المائة و9 في المائة على التوالي من أوكلاهوما. كما أشارت ساندرا كراوس إلى عدم قدرة بعض الأقليات على التباعد الاجتماعي، بسبب مكان إقامتهم وطبيعة عملهم. ولم يتمكن 61 في المائة من اللاتينيين من القيام بعملهم من البيت كما هو موصى به في عدة ولايات أميركية، لأنهم يعملون في وظائف الخدمة مثل تنظيف المستشفيات والمنازل أو العمل في المطاعم ومحلات الوجبات السريعة. كما لا يستطيع جزء كبير من هذه الأقليات التغيب عن العمل، لأنهم لا يحصلون على إجازة مرضية مدفوعة الأجر.
– التفاوتات الصحية
قبل وقت طويل من وصول الفيروس التاجي الجديد إلى الولايات المتحدة، عاش الأميركيون من أصول أفريقية في جميع أنحاء البلاد بغض النظر عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي مع أمراض مزمنة، معظمها حالات صحية طويلة الأمد مثل مرض السكري وارتفاع ضغط الدم وبمعدلات عالية. ووفقاً لمكتب صحة الأقليات والخدمات الإنسانية التابع لوزارة الصحة الأميركية، فإن معدل الوفيات بين السود أعلى بشكل عام من معدل الوفيات بين البيض بسبب «أمراض القلب والسكتة الدماغية والسرطان والربو والإنفلونزا والالتهاب الرئوي والسكري وفيروس نقص المناعة البشرية، إضافة إلى جرائم القتل».
هناك قول مأثور: «عندما تصاب أميركا بالبرد، يصاب السود بالإنفلونزا». ويتكهن البعض بأن الظروف الصحية الموجودة مسبقاً تساهم في التفاوت العرقي في الإصابة بفيروس كورونا المستجد، لكن الدكتور أنتوني فاوتشي مدير المعهد الوطني للأمراض المعدية منذ عام 1984. قال في حديثه لشبكة «بي.بي.سي» إن «التفاوتات الصحية كانت موجودة دائماً بالنسبة للمجتمع الأميركي – الأفريقي، وعندما يكون هناك حالة مثل الفيروس التاجي فإنهم يعانون بشكل غير متناسب. وسوف نتغلب على الفيروس التاجي، ولكن ستظل هناك فوارق صحية نحتاج بالفعل إلى معالجتها في المجتمع الأميركي – الأفريقي. أما أوكي بلاكستوك، وهي طبيبة طب الطوارئ في بروكلين والمؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Advancing Health Equity، وهي منظمة تحارب عدم المساواة في الرعاية الصحية، فتقول إن الوباء يكشف عن نظام متجذّر من التفاوت الاقتصادي، ويؤكد حقيقة أن الأشخاص ذوي البشرة السوداء والبنية هم أكثر هشاشة في مدينة نيويورك نظراً لافتقارهم إلى الأمن الوظيفي والإجازات المرضية والتأمين الصحي.
– نظام متجذّر
تقول كيم بلانكينشيب، أستاذة علم الاجتماع والمدير السابق لمركز الصحة والمخاطر والمجتمع، إنه من المرجح أن يعيش السود في الأحياء التي تفتقر إلى خيارات الطعام الصحي والمساحات الخضراء والمرافق الترفيهية والإضاءة والسلامة. هذه الأحياء الفرعية متجذرة في التراث التاريخي، ومن المرجح أنهم يعيشون في مناطق ذات كثافة سكانية عالية مما يزيد من اتصالهم المحتمل مع الآخرين. وهم يمثلون حوالي ربع جميع مستخدمي النقل العام. كما لفتت إلى أن السود لا يحصلون على رعاية صحية متكافئة، مما يعني أن المستشفيات بعيدة جداً والصيدليات قليلة مما يؤدي إلى المزيد من الوقت في انتظار الوصفات الطبية العاجلة. لذلك، تظهر مشاكل صحية في مجتمع الأميركيين من أصول أفريقية، ليس لأنهم لا يعتنون بأنفسهم وإنما لكون موارد الرعاية الصحية غير كافية في أحيائهم.
أما فيما يتعلق بالعمل، فمن المرجح أن يكون السود جزءاً من قوة العمل «الأساسية» الجديدة لـ«كوفيد – 19». حيث يمثلون ما يقارب 30 في المائة من سائقي الحافلات، و20 في المائة من جميع العاملين في مجال الخدمات الغذائية وعمال النظافة والصرافين والموزعين. خلال الوباء شديد العدوى مثل كوفيد 19. يعاني العمال السود وبالتالي أسرهم من زياده كبيرة في مستوى التعرض للعدوى. وفي هذا الصدد، يعد البقاء في المنزل أثناء الحجر الصحي «امتيازاً»، كما قالت كيم بلانكينشيب.
aawsat