سحبان فيصل محجوب: الربط الكهربائي مع إيران.. اضطرار أم خضوع؟
لجأت الكثير من دول العالم إلى الربط الكهربائي مع الدول المجاورة لها لأسباب متعددة تفرضها جوانب فنية واقتصادية مختلفة، يؤطر هذا الربط شروط واضحة تتضمنها وثيقة التعاقد على وفق سياقات معمول بها دولياً، وتوقع هذه الوثيقة الأطراف المشاركة بالربط .
وتُعتمد هذه الوثائق التعاقدية أساساً لدى المراجع القانونية المعروفة دولياً ضماناً لحقوق الدول الموقعة على مثل هذه التعاقدات.
يرتبط العراق، الآن، كهربائياً، مع إيران بأربعة خطوط لنقل الطاقة الكهربائية، ويهدف هذا الربط الثنائي إلى تزويد الشبكة العراقية بمقدار محدد من الكهرباء للمساهمة بتعويض النقص الحاصل بإنتاج محطات التوليد العاملة في العراق لأسباب تتعلق بسوء التخطيط والإدارة ومتابعة تنفيذ المشاريع بالإضافة إلى آفة الفساد المستشرية في المفاصل الحكومية وتدخلات الأطراف السياسية لأجل الحصول على المكاسب المالية غير المشروعة، من خلال الاستحواذ على عقود تنقصها الشروط الفنية والمالية، التي تحكم سلامة تنفيذ المشاريع الخاصة بهذه التعاقدات.
فهل يمكن توصيف هذا الربط ضمن مشاريع تبادل الطاقة الكهربائية المعمول به بين الدول المتجاورة؟
إن أي تقييم أو تحليل بسيط لجوانب هذا المشروع يشير، بصفة واضحة، إلى أنه أشبه ما يكون بالوكالة الحصرية لتصدير الكهرباء إلى العراق استحوذت عليها إيران من دون منافس، متبعة سياسة الاحتكار أمام خيارات الربط الأخرى المتاحة مع الدول الأخرى المجاورة للعراق، فهل هذا يعود إلى جهل المتعاقد العراقي أم بفعل تداعيات سياسة التبعية الواضحة في سلوك الحكومات العراقية المتعاقبة، بعد الاحتلال؟
فبالرغم من الشروط التعسفية والأسعار غير العادلة التي يفرضها الجانب الإيراني ما يزال الجانب العراقي راضخاً أمام هذه المهزلة.
على وفق هذا، فالحالة هذه تشير إلى وقوع المعنيين من الجانب العراقي في مطب الاضطرار مكرهين، متناسين معاناة المواطنين تحت وطأة الانقطاعات المستمرة للتيار الكهربائي ولمدد طويلة ويقع هذا ضمن مسلسل التفريط بالثروات الوطنية وتسخيرها باتجاهات شاذة بعيدة عما يحقق التقدم والرفاهية للشعب العراقي .
ويظهر، هنا، تساؤل ملّح: هل ستعرقل إيران أي مشروعات مستقبليه للربط الكهربائي يتجه إليه العراق؟ وهل ستضع العقبات أمام تطور إنتاج الطاقة الكهربائية داخل البلاد؟
الجواب: نعم، لأن من المؤكد أن تحرص إيران على استمرار استحواذها على التصدير من جانب واحد وفي الوقت نفسه العمل على تمديد مدد العقود الموقعة معها في هذا الجانب الى أطول مدة ممكنة وبخاصة اذا ما علمنا أن سعر الوحدة المباعة للعراق يصل إلى قرابة الضعف من الأسعار السائدة عالمياً والمرتبطة، بنحو مباشر، بأسعار الوقود وبالاعتماد على تغيراته، بالإضافة إلى تصدير إيران الغاز والديزل إلى العراق لأغراض تشغيل محطاته المحلية، واستيراد المواد الخام لذلك من العراق بأسعار بخسة .
هذا عن الجانب التجاري، أما على المستوى السياسي وكون الطاقة الكهربائية من العوامل المهمة في تحقيق الاستقرار السياسي والأمني لأي بلد، فإن بقاء العراق معتمداً على إيران في تجهيز جزء من حاجته الملحة لهذه الطاقة سوف يجعله مضطراً للانصياع الى تبني مواقف سياسية على المستوى الدولي لا تتقاطع مع موقف إيران فاقداً لاستقلالية قراره على وفق مصالحه وعلى وفق المفاهيم السيادية المعروفة .
لذا فلا غرابة إذا ما سعت إيران الى وضع العراقيل أمام أي محاولة لتسويق الطاقة الكهربائية في العراق من دول أخرى غيرها وهي تعمل، بالتوازي، على منع العراق من تطوير صناعة الكهرباء وطنياً وذلك لضمان الحفاظ على استمرارية حاجته للطاقة الكهربائية المستوردة منها وجعله كالأطفال الذين يصعب فطامهم .
* مهندس استشاري