د. بهاء احمد الياسين : الكورونا في بلاد الكفر!!
(الكفر) أو (دولة الكفر) !! سمعنا كثيراً هذا المصطلح من "المتأسلمين"؟ وعند وصول الكثير من أبناء الجاليات الأسلامية الى بلدان "الكفر" هذه ، كما يحلو للمتأسلمين تسميتها، بحثاً على الأمن والأمان بسبب الحروب أو بسبب العوامل الأقتصادية في دول العالم الثالث، يتم احتضانهم وأحتضان عوائلهم ومساواتهم في الحقوق مع أبناء البلد الأصليين، بدون تمييز على أساس العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين ، وهذا يعتبر جزءاً من أسس سيادة القانون لدى ( دول الكفر ).
وكان هذا المصطلح شعار لدى ( المتأسلمين ) … إنهم يتظاهرون بتمسكهم بعقيدة الإسلام الصحيح ، لكن الحقيقة جل أعمالهم عكس ذلك ، حيث إنهم يمارسون الإسلام الزائف ويحللون ألحرام ويحرمون الحلال، حيث مصالحهم ، ويستبيحون مال "دولة الكفر" ويثقفون دوماً على هذا المنهج … علماً إنهم يقيمون في هذه البلدان ويحملون هم وعوائلهم جنسياتها ، ويعيشون على مساعدات وصدقات "أبناء الكفار"، متنكرين لكل جميل وإنسانيه نالوا عليها من هذه البلدان .
شدني لكتابة هذا المقال الظروف التي رافقت إصابتي بفايروس كورونا ورقودي في المستشفى، حيث شاهدت ما شاهدت من رعاية وعمل إنساني ترفع له القبعة للكوادر الصحية في السويد.
لو كنت في بلدي الذي تسيطر عليه وعلى مقدراته الاحزاب "المتأسلمة" ، لكان وضعي صعباً جداً، بسبب عدم توفر الإمكانات والقدرات الصحية والإنسانية، نتيجة فساد هؤلاء "الاسلامويون" وعدم الاكتراث والتفكير بالشعب والوطن .
دخلت المستشفى في 2020/06/08 بعد تدهور صحتي وفقداني الوعي مرتين ، وبعد الاتصال بسيارة الإسعاف وصلت الى البيت في غضون (10-12 ) دقيقة، وتم نقلي الى مستشفى ( داندريد ) أحد اكبر المستشفيات في العاصمة السويدية ستوكهولم ..
قام الاطباء على الفور الاتصال بالأهل وأخذ المعلومات الكاملة منهم حول حالتي الصحية من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة.
– كانت الخطوة الاولى بعد دقائق من وصولي الى المستشفى، حيث تم أخذ "مفراس للرأس" تحسباً للجلطة الدماغية ، وبعد التأكد من سلامتي من الجلطة، تم أخذ أشعة للصدر ومسحة لفايروس كورونا وتحليل للدم .
ومن خلال نتائج الفحص إتضح وجود إلتهاب في الرئة إضافة الى حملي لفايروس كورونا.
في هذه الأثناء بدأت درجة حرارتي باالارتفاع حتى بلغت 41 درجة .. وكان الاطباء والكادر الصحي يحيطون بي ، لم يتركوني لحين أستقرار حالتي الصحية.
بدأت العلاجات الفورية، البنسلين من خلال الوريد وحبوب خافض الحرارة إضافة الى وخز المميع في البطن.
وفي اليوم الثاني أبلغوني ان علاج الفايروس يحتاج الى البلازما.. وهذه البلازما تؤخذ من شخص سبق وأن أصيب بفايروس كورونا وتعافى منها وتبرع بالبلازما من أجل معالجة المصابين من بعده دون اي مبالغ سوى التفكير بالجانب الإنساني.. وبعد موافقتي على البلازما ومطابقة المواصفات تم تزويدي بأربع أكياس منها، كل يوم كيس بلازما يحتوي على ما أتذكر على 200 ملم من البلازما .. وبعد الكيس الثاني، بدأت الحرارة بالانخفاض ، وبدأ وضعي الصحي يتحسن بشكل ملموس، إلا أن السعال كان مزعجاً وملازماً لي طوال الوقت .
كل هذه العناية وكثرة الأدوية إضافة الى ثلاث وجبات طعام ، في كل وجبة يختار المريض نوع الاكل الذي يناسبه، من خلال تقديم له ( منيو ) يحتوي على عشرة أنواع من المأكولات مع أنواع من العصائر والفواكه وحتى الأيس كريم ..
في اليوم الرابع سألت الدكتور المختص إمكانية أخد حمام لغسل جسمي، وهنا إلتفت الى الكادر الذي معه، وابلغ إحدى الممرضات بمساعدتي على ذلك ، فطلبت مني هذه الممرضة إن لم أكن قادراً على الإستحمام لوحدي فبإمكانها مساعدتي على ذلك وكان عمرها لا يتجاوز ( 27 – 30 ) عاماً، أبلغتها إني قادر على الاستحمام بمفردي. فأجابت بأنها ستقف خلف الباب لحين خروجي من الحمام تحسباً لأي طارئ.
لكنها سبقتني بدخول الحمام لتهيئة الحمام وتعقيمه ، وأحضرت لي ملابس داخلية وسراويل جديدة للبسها.. دخلت الحمام وهي خلف الباب وبعد خروجي لاحظت إنها قامت بترتيب السرير والطاولة الخاصة بي وساعدتني على الرقود في السرير.
وبعد كل هذا أبلغت المريض الذي يرقد معي في الغرفة ويفصلنا حاجز ، وكان وضعه الصحي أفضل مني، أن يراقبني وخاصة عند دخولي الحمام وفي حالة تأخري يرن عليهم بجرس المناداة السريع الموجود لدى كل واحد منا.
وهكذا إستمر الحال طول وجودي في المستشفى.. يأخذون عينات من الدم يومياً، وفي هذه اللحظة أرى موظف يطبطب على اليدين والآخر يمسح على رأسي، والذي يريد سحب الدم ينبهني إنه سيبدأ بوخز الابرة من أجل الأنتباه وعدم المفاجأة، وبعد ذلك يشكرونني وكأنني أنا الذي أديت الواجب لهم.
بعد ثمانية أيام وملاحظة ان نتائج الفحوصات أصبحت جيدة، أبلغني البروفسور الدكتور المشرف على صحتي والذي كان يزورني يومياً ، بأني أستطيع الخروج من المستشفى وستهيأ لي سيارة لإيصالي الى البيت بعد ساعة من الان، وتم تحديد موعد لي من قبل الدكتور بعد أسبوع من يوم خروجي لمقابلته وإعادة الفحوصات.
وبعد أسبوع استقبلني الدكتور على الموعد المتفق عليه سابقاً، ومد يده وهو بدون كفوف ، وفحص صدري وظهري ويده اليسرى على كتفي والأخرى يتنقل بالسماعة من مكان الى آخر ، وأوصلني الى غرفة فحص الدم وأعطاني بعض التوجيهات ومن ثم ودعني .
أودّ أن أبين ان بعد كل هذه العناية والبلازما ومفراس للرأس وأشعة للصدر ، وكل عينات الدم التي تؤخذ يومياً، إضافة الى وجبات الطعام والعلاجات والنظافة والاهتمام وسيارة "التكسي" التي اعادتني الى منزلي ، لم ادفع سوى مبلغ بسيط هو ( 150 ) كرون سويدي، أي مايعادل ( 16 ) دولار تقريباً.
أيها المتأسلمون.. أسألكم هل هذا بلد "الكفر" الذي تتكلمون عنه ؟ أم هذا بلد الإنسانية والمواطنة الصالحة والصدق والإخلاص في العمل؟
وإنني إذ أرفع القبعة لكل العاملين في خط الدفاع الاول لمواجهة هذا الوباء في مستشفى "داندريد"، وجميع المراكز الصحية في العالم.. أقول لهم إنكم قد أثبتم إنكم قدر المسؤولية والامانة.. فشكراً لكم على جهودكم الجبارة وعلى تضحياتكم من أجل انقاذ البشرية من هذا الوباء اللعين.
* أكاديمي عراقي مقيم في السويد